الخميس ١٧ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تموز ١٢, ٢٠١٢
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لننسَ الانتخابات إلى حين؟ - إبرهيم البرتاجي

لا يمكن القول انّ مسألة الانتخابات تمثّل أولوية وطنية تستحقّ أن يقع التّركيز عليها بالشّكل الملاحظ حاليا. فهي من المسائل الّتي تجسد القطيعة الّتي كانت وما زالت موجودة بين اهتمامات الشّعب بمعناه العريض واهتمامات الطّبقة الحزبية ومن يقف إلى جانبها من منظّمات وجمعيات مسيّسة.


ففي حين يعبّر الشّعب عن مشاغل تتعلّق بالأمن وبظروف العيش وبالتّشغيل، نرى بعض الأحزاب تمارس الضّغط على السّلط العمومية للمرور في أقرب وقت ممكن لإجراء انتخابات جديدة، مستعينة في ذلك بجانب من المنظّمات الوطنية وببعض مكوّنات المجتمع المدني. هذا السّعي لا يعطي الأولوية للمصلحة الوطنية العليا الّتي تقتضي، على العكس من ذلك، التّعقّل والتّأنّي وعدم تغليب النّظرة الحزبية الضّيقة. فليس من الجدّية في شيء تنظيم انتخابات عامّة جديدة بعد سنة أو سنتين من تاريخ الانتخابات الّتي سبقتها، لما في ذاك من هدر للطّاقات البشرية وللأموال العمومية.
وبالإضافة إلى هذا ينطوي التّسرّع في إنجاز انتخابات جديدة على مخاطر عديدة تتّصل بكتابة الدّستور وبنجاعة العمل الحكومي وبوضع المعارضة.


ففي خصوص كتابة الدّستور يبدو أنّ البعض يعتبرها مسألة هامشية بالمقارنة مع المسألة الأهمّ المتمثّلة في تنظيم انتخابات جديدة، فتراه ينادي بكتابته حالاّ وبأيّ صورة كانت حتّى نمرّ الى المرحلة التالية. إنّها نظرة غير مسؤولة تدلّ على قلّة وعي بخطورة المسألة ودقّتها. فالعمل التّأسيسي عمل مضن وأعضاء المجلس التّأسيسي يقومون به بروح عالية من المسؤولية والتّضحية ومن حقّهم علينا أن نقدّر ذلك حقّ قدره وأن نشدّ على أيديهم خاصّة أنّه إلى جانب عملهم التّأسيسي يقومون بأعمال أخرى ومنها العمل التّشريعي الّذي له أولوية النّظر. فإن كانت كتابة الدّستور يمكن أن تنتظر  فإنّ النّظر في بعض القوانين الضّرورية لإقرار الإصلاحات المطلوبة لا يمكن أن ينتظر. تسيير دواليب الدّولة يمرّ قبل كلّ شيء.


وبذلك فلا بدّ من توفير الوقت اللازم والظّروف الملائمة للمجلس التّأسيسي حتّى ينجز عملا حسنا ولا يتمّ هذا إلاّ بانتهاج أحد سبيلين. إمّا أن نؤجّل الحديث عن الانتخابات إلى ما بعد كتابة الدّستور دون اشتراط أن يتمّ ذلك في مدّة قصيرة كما هو مطروح الآن من طرف البعض. وإمّا أن يتمّ إنجاز الانتخابات على أساس أحكام يقرّها المجلس التأسيسي ويواصل المجلس كتابة الدّستور بينما تصبح الوظيقة التّشريعية من مشمولات البرلمان المنتخب.


إلى جانب هذا العنصر المتعلّق بكتابة الدّستور يمثّل التّسرّع في إنجاز الانتخابات خطرا على نجاعة العمل الحكومي. فإذا أردنا أن تقوم السلطات العمومية بمعالجة الملفّات المتراكمة وتحسين ظروف عيش التّونسيين لا بدّ من منحها وقتا كافيا واجتناب الوقوف ضدّها بسبب ودون سبب، خاصّة ان استماتة السّلطات العمومية في تجاوز الصّعوبات بدأت تعطي أكلها وأنّ مختلف المؤشّرات تبعث على التّفاؤل. كما أنّ تنظيم انتخابات أخرى في مستقبل قريب من شأنه أن يكون كارثيا على المعارضة كما هي موجودة حاليا. فاليوم لا نجد قبالة الحكومة سوى حركات احتجاجية يتساوى عنفها الشّكلي مع ضعفها من حيث المضمون. كما أنّ الرّؤية في شأنها تزداد ضبابية يوما بعد يوم بحكم الانقسامات وإعادة التّشكّل المتواصلة، يضاف لها تغيّر الأسماء واضمحلال بعضها وبروز أخرى.
تجاه مختلف هذه العناصر تتبيّن لنا حكمة كلّ من يرى أنّ فترة الخمس سنوات هي الفترة العادية الّتي من شأنها أن تمكّن الوطن من الاستفادة من الانتخابات السّابقة والاستعداد للانتخابات اللاحقة.

 

أستاذ قانون عام تونسي "الشروق" التونسية



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
احتجاجات ليلية قرب العاصمة التونسية ضد انتهاكات الشرطة
البرلمان التونسي يسائل 6 وزراء من حكومة المشيشي
البرلمان التونسي يسائل الحكومة وينتقد «ضعف أدائها»
الولايات المتحدة تؤكد «دعمها القوي» لتونس وحزب معارض يدعو الحكومة إلى الاستقالة
«النهضة» تؤيد مبادرة «اتحاد الشغل» لحل الأزمة في تونس
مقالات ذات صلة
أحزاب تونسية تهدد بالنزول إلى الشارع لحل الخلافات السياسية
لماذا تونس... رغم كلّ شيء؟ - حازم صاغية
محكمة المحاسبات التونسية والتمويل الأجنبي للأحزاب...
"الديموقراطية الناشئة" تحتاج نفساً جديداً... هل خرجت "ثورة" تونس عن أهدافها؟
حركة آكال... الحزب الأمازيغيّ الأوّل في تونس
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة