Deprecated: GetLink(): Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : الحسرة المغاربية - محمد الأشهب
الجمعه ١١ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تموز ٩, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
الحسرة المغاربية - محمد الأشهب

اشتاقت الجزائر إلى حدث مغاربي منذ تعذر التئام القمة المؤجلة منذ حوالى عقدين. وإذ تستضيف اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين هذه المرة بموازاة احتفالها بخمسينية الاستقلال، فإن شعوراً بتبديد الحسرة لا بد أن يعتريها وشركاء اللحظة وهم يعاودون استحضار تاريخهم الذي يتقاسمون طعامه وملحه. فلا شيء يشد عواصم الشمال الأفريقي أكثر من الالتفات إلى الوراء، أيام لم تكن هناك حدود أو جمارك أو حواجز. ولعل مبعث ذلك أن هاجس العودة إلى الماضي يروق لهم لتناسي إخفاقات الحاضر ومجاهل المستقبل.
 
في المغرب تداعى رفاق المقاومة في أقطار مغاربية إلى تكريم الراحل أحمد بن بلة، اعترافاً بجهوده في انفتاح حركة التحرير الجزائرية على نظيراتها المغاربية بمنطق التضامن والالتحام في معركة واحدة اسمها التحرير. وقبل ذلك، لم يتوان سياسيون وباحثون في إحياء الذاكرة المشتركة من خلال رصد المسار النضالي للزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد والمفكر السياسي المغربي علال الفاسي، فما من حدث أو مبادرة صدرت من هذا البلد أو ذاك إلا وكانت تلقى صداها عبر أشكال متزايدة من الانصهار والوفاء.
 
غير أن هذه الروح التي تتماهى والتباكي على الأطلال لها معنى واحد، الإحساس بوطأة أحداث فرقت بين المسارات، فكان الشرخ العميق بين الماضي والحاضر، وغابت حلقات الترابط بين العوامل الموضوعية التي صنعت صورة مشرقة وعوامل أخرى أجهضت الحلم الكبير في بناء اتحاد مغاربي قوي ومتماسك. ومن سوء الحظ، أن معاودة كتابة تاريخ المنطقة لم يتجاوز دغدغة المشاعر.
 
لأكثر من سبب تراجع بريق اللحظة، كان مستساغاً أن تفترق المسالك والخيارات عند مشارف بناء الاستقلال نظراً لتداعيات صراعات أيديولوجية فرضت نفسها على المنطقة والعالم العربي. ولم يكن مقبولاً أن يتحول الخلاف إلى صدام. غير أن التاريخ لا يتوقف عند حافة الأخطاء المتبادلة، بل يسري نفوذه إيجاباً من خلال الانعطاف نحو النقد الذاتي وتقويم الاعوجاج، وهذا لم يحدث إلى الآن.
 
منذ خمسين عاماً، تاريخ استقلال الجزائر، أقرت فرنسا وألمانيا مصالحة تاريخية قادها الجنرال شارل ديغول والزعيم كونراد ادناور وسط أجواء ملبدة بالجراح والخدوش. ومن يومها انفتحت آفاق جديدة أمام أعداء الأمس انسحبت تلقائياً على الفضاء الأوروبي الذي تخلص من عقدة كانت تدمي الأقدام. ولولا ذلك التفاهم التاريخي لما أمكن مشروعَ الوحدة الأوروبية أن يبصر النور بعد أن انطلق من تجربة متواضعة في تسويق الحديد والصلب قربت أكثر بين فرنسا وألمانيا.
 
لم تكن تجارب الأقطار المغاربية بعيدة من هكذا مبادرات، فباستثناء خلافات الحدود التي ألقت بظلالها على أوضاع الصراعات والخلافات قبل تسويتها تدريجياً، سادت توجهات ذات أبعاد وحدوية معالم خيارات سياسية انتزعت الإعجاب، من بينها الانشغال باقتصاديات الحدود وإبرام معاهدات تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف، راعت الانطلاق من بنيات التكامل. غير أن رياحاً شوفينية وتأويلات ظرفية عصفت بتلك اللبنات في وقت كانت فيه كلفة الإنجاز لا تساوي شيئاً أمام ما تتطلبه اليوم من أعباء إضافية.
 
أخلفت البلدان المغاربية مواعيد عدة. وفي كل مرة كان يصار إلى إيجاد مبررات أشبه بمن يعلق المشاجب على زمن لا يأتي في الموعد. كانت القضية القوية والانجذاب الأيديولوجي وتباين الخيارات جزءاً من الهوة الكبرى التي نفذت منها الخلافات، وانتهت الحرب الباردة من دون أن ترحل معها القواميس والمواقف. كانت أيضاً الرغبة في الإفادة من التحولات الأوروبية في الضفة الشمالية للبحر المتوسط. لكن عمق الخلافات ظل أكبر من ان تعبره قوارب صغيرة بلا مجاديف، فالبحر الفاصل بين الضفتين تتلاطمه أمواج ورياح سياسية تعاكس شراعات التقدم إلى الأمام.
 
لم يبق سوى أن يضغط الربيع العربي بقوته التي هزت القلاع، فالبناء المغاربي ليس مطلباً نخبوياً أو فئوياً أو مرحلياً. إنه في مثل ضرورات الحرية والعدالة الاجتماعية واليقين الديموقراطي. يملك بين ثناياه حلولاً واقعية وعقلانية لإشكالات التنمية وتحديات الأمن الغذائي والاقتصادي والانخراط في قيم العصر.
 
ليس لأنه لم يرفع ضمن شعارات الغضب الشعبي، لا يرتدي طابعاً ملحاً. وليس لأن رهانات الإصلاحات الداخلية تتقدم على ما عداها، لا يشكل حلقة محورية في أسبقيات الإصلاحات. إنه جزء لا ينفصل عن الكل، بل إنه الكل الذي يذيب خلافات الفروع.
 
وفي مناسبة عقد اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين، يتعين النظر إلى أن الهاجس الأمني لا يمكن التعاطي معه وفق مقاربات محدودة التأثير. إنه أمن إستراتيجي لا يتجزأ بين مقوماته السياسية والاقتصادية والثقافية. إنه الأمن الذي نشده رواد حركات التحرير المغاربية في مواجهة الاستعمار. وبهذه المنهجية وحدها يمكن تحقيق التواصل في حركية التاريخ، كي لا يبقى تخليد الذكريات هروباً من الحاضر إلى الماضي.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
المغرب: زعيم حزبي يعد بعدم رفع الضرائب إذا تولى الحكومة المقبلة
المغرب: لجنة نيابية تصوّت اليوم على «تقنين» القنب الهندي
المغرب يعلن عن «استقبال استثنائي» لجاليته في الصيف
سياسي مغربي: الحزب المتصدر للانتخابات لن يتجاوز 80 مقعداً برلمانياً
«النواب» المغربي يناقش «تقنين زراعة القنب الهندي»
مقالات ذات صلة
الانتخابات المقبلة وضعف النقاش السياسي في المغرب - لحسن حداد
استياء مغربي من «تهجم على الملك» في قناة جزائرية
الجميع مستاء وسؤال المستقبل مطروح على المغرب - انتصار فقير
عن أزمة النخب السياسية في خطاب العاهل المغربي - بشير عبد الفتاح
الحركات الاحتجاجية المُطالبة بالتنمية تُوحَّد بين البلدان المغاربية - رشيد خشانة
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة