كثيرون فهموا دواعي حملة جماعة "الإخوان المسلمين" على "الإعلان الدستوري المكمل" الذي أصدره المجلس العسكري قبل أيام من دورة الاقتراع الثانية، التي انتهت بفوز مرشحهم محمد مرسي بعرش رئاسة مصر، فعلى رغم أن الجنرالات برروا هذا الإعلان بحجة لا تخلو من منطق خلاصتها أن المحكمة الدستورية العليا قضت بحل البرلمان بسبب بطلان قانون انتخابه مما أدى الى فراغ في سلطة التشريع ليس من سبيل لسده إلا أن تعود هذه السلطة موقتا إلى الجنرالات إلى حين إتمام دستور البلاد الدائم، على رغم ذلك بدا واضحا أن الجماعة وجدت في "الإعلان الدستوري المكمل" موضوعا جيدا لتعبئة انتخابية شعبوية استخدمت فيها دعايات وشعارات شتى أهمها الزعم أن هذا الإعلان ينتقص من اختصاصات رئيس الدولة وسلطاته.
غير أن أكثر من فطنوا إلى دوافع هذه الحملة الإخوانية وتفهموا أسبابها الانتخابية فيما هم مقتنعون بأن المزاعم عن افتئات بنود الإعلان الدستوري المكمل على سلطات الرئيس ليست دقيقة ولا صحيحة، هؤلاء دهشوا واستغربوا عندما فوجئوا بأن "الإخوان" بعدما تحققت المعجزة وصعد رجلهم الى سدة الرئاسة استمروا في بث وإشاعة المزاعم نفسها، ورويدا رويدا بدأت أصوات تتعالى تشق الصمت وتغرد خارج السرب، ثم أضحت الآن سربا كاملا يقول الحقيقة التي خلاصتها أن الإعلانين الدستوريين "الأصلي" و"المكمل" منحا الرئيس سلطات واختصاصات تكفي وزيادة، بل أنها أقل قليلا من السلطة الالهية بما يجعله ـ لو توافرت الإرادة وحسن الرؤية والتصرف ـ قادرا على الوفاء بكل التزاماته وواجباته حيال البلاد والعباد... فالرئيس صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى وضع السياسات العامة للدولة في الداخل كما في الخارج، وهو وحده الذي من حقه إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وهو يختار من دون شريك نوابه ورئيس الحكومة والوزراء والمحافظين والسفراء وكبار الموظفين فى الجهاز الإداري للدولة، وهو الذي يملك عزل هؤلاء جميعا، إلى سلطة إعلان الحرب (بعد التشاور مع قيادة الجيش) وقائمة طويلة أخرى من الاختصاصات والسلطات القابعة في أحشاء غابة لا أول لها ولا آخر من التشريعات والقوانين.
باختصار، الرئيس مرسي يمسك بيديه فعلا سلطات واختصاصات هائلة يتمناها وربما يحسده عليها أكثر حكام الدنيا وكل رؤساء البلدان الديموقراطية، فما الداعي إذاً الى كل هذا البكاء والنواح والشكوى من نقص الصلاحيات؟!.. يبدو أنه استباق لاحتمال إخفاق وفشل مرجحين، إذ عندئذ ستكون الحجة الجاهزة أن العيب لم يكن في الرئيس وقدراته وسياساته بل كان العيب في الصلاحيات والاختصاصات والسلطات الناقصة.
|