الأربعاء ٩ - ٧ - ٢٠٢٥
بيانات
التاريخ:
تموز ٢, ٢٠١٢
المصدر:
جريدة الحياة
حين تحسد طائفةٌ طائفةً أخرى على بؤسها - حازم الامين
دأب لبنانيون كثر، جماعات وسياسيين، على القول والاعتقاد بأن سلاح «حزب الله» ونفوذه ومناطقه المقفلة على الدولة وأجهزتها انما هي امتياز للجماعة الشيعية تتقدم به على غيرها من الجماعات اللبنانية! والحال ان في هذا الاعتقاد قدراً من مشاعر طائفية تجنح بحاملها عن حقائق موازية يمكن المرء اذا ما تأمل فيها ان يعتقد بأن هذا السلاح وهذا النفوذ انما هما مأزق الجماعة التي يقيم «حزب الله» بين ظهرانيها، لا علامة امتيازها وحظوتها.
والحال ان مناسبة اثارة هذه القضية ليست ما تشهده الضاحية الجنوبية لبيروت من حال انفلات وانعدام للأمن الاجتماعي ينغص عيش السكان فيها، ويتقدم ضرره على أهل الضاحية الضرر الذي يُلحقه بسكان منطقة الأشرفية أو رأس بيروت، انما المناسبة نقاش جرى بين أصحاب مطاعم وملاهٍ في بيروت حول قانون منع التدخين في الأماكن العامة، وهو القانون الذي من المفترض ان يُصبح ساري المفعول في لبنان ابتداء من ايلول (سبتمبر) المقبل. اذ ان أصحاب الملاهي الليلية يقولون ان ذلك سيأتي على ما تبقى من سياحة في لبنان، ويشيرون في نقاشاتهم الى ان القانون سيطبق على محلاتهم وملاهيهم في مناطق بيروت المختلفة باستثناء الضاحية الجنوبية ومناطق نفوذ «حزب الله» الأخرى التي لا وجود فيها لأجهزة الدولة، وفي حال وُجدت هذه الأجهزة فهي لن تتمكن من فرضه كما لم تتمكن من فرض غيره من القوانين.
يُلخص هذا النقاش حال الجماعة الشيعية اللبنانية مع الجماعات الأخرى اللبنانية، فالاعتقاد بأن الشيعة متقدمون على غيرهم من اللبنانيين بسبب سلاح «حزب الله» ينطوي على قدر من الطائفية الساذجة، وموضوع قانون منع التدخين في الأماكن العامة هو لحظة الذروة في هذه الدوامة اللبنانية العقيمة. ذاك ان الاعتقاد بأن قدرة سكان المناطق التي يتمتع «حزب الله» بنفوذ فيها، على التدخين في المقاهي والأماكن العامة، في وقت يُمنع اللبنانيون الآخرون من التدخين في ملاهيهم ومقاهيهم، هو تمييز لمصلحة الجماعة الأولى، هذا الاعتقاد لا يمكن ان يكون صحيحاً الا اذا شحن بقدر من الطائفية التي يعوق غباؤها القدرة على الانتباه الى ان عدم تطبيق هذا القانون في الضاحية الجنوبية هو تمييز ضد السكان هناك، وليس تمييزاً لمصلحتهم.
لكن غباء الطائفية اللبنانية لا يقتصر على جانبه السياحي، فسلاح «حزب الله» أيقظ في الطوائف غباءها عندما دفعها الى التماهي معه. في شمال لبنان اعتُمدت تقنية إقفال الطرق عبر إحراق الإطارات المطاط، كجزء من حال التماهي مع جماعات «حزب الله»، فكان ان أقفلت الطرق امام السكان الشماليين، وانبعث الدخان الأسود في سماء الشمال ملوثاً الهواء هناك. ومسؤولو الأحزاب والطوائف الأخرى عندما يشيرون الى ان مناطقهم تدفع فواتير الكهرباء كاملة في حين لا تستطيع الدولة ان تجبي الفواتير من مناطق أخرى انما يقصدون مناطق نفوذ «حزب الله» معتقدين أيضاً ان في ذلك تمييزاً ضدهم. وذات يوم وقف أحد النواب محتجاً على ان مناهج تدريس الدين والتاريخ في مدارس في الضاحية الجنوبية مختلفة عن مناهج تدريسها في المنطقة التي يُمثلها النائب، وخلص الى المطالبة بالسماح بمناهج شبه مستقلة في منطقته أيضاً، داعياً الى شبه فيديرالية تربوية، هيهات لو يعلم نائبنا المخلص كم تبدو منسجمة مع طموحات الحزب.
معادلة التمييز ضد الشيعة في لبنان يعوقها أمران، الأول حقيقة ان «حزب الله» خلط بين مصالحه الأمنية والاجتماعية والسياسية وبين مصالح الجماعة الطائفية التي ينتشر في أوساطها بحيث سادت قناعات بأن ما يجري في هذه المناطق جزء من رعاية الجماعة لمصالحها. ويبدو ان هذا الاعتقاد ترسخ الى حد صارت معه الجماعات الأخرى ساعية في سبيل نسخه في مناطقها. اما الأمر الثاني الذي يعوق تظهير حقيقة التمييز بحق الشيعة في لبنان، فهو الإقفال المحكم لمناطق سكنهم في وجه أي محاولة لرصد المؤشرات السلبية لغياب الدولة في هذه المناطق.
وللتوسع في الفكرة الأخيرة، فإن ما أشارت اليه الوقائع في الأسابيع الأخيرة يفضي الى مشهد عيش سوداوي في تلك المنطقة التي يحسدها اللبنانيون على استقلالها بنفسها. عشائر تتقاتل بالسلاح، وخوّات تفرضها عشائر وجماعات صغيرة على المتاجر، وارتفاع كبير في معدلات الإدمان على المخدرات، وانتشار لظاهرة «فتوّات» الأحياء، وانعدام القدرة على ضبط الامتحانات الرسمية للمدارس. كل هذا واللبنانيون عاجزون عن استنتاج حقيقة ان الضحية الأولى لهذه الأوضاع هم سكان الضاحية أنفسهم، وأن الضرر الذي يلحق باللبنانيين في غير هذه المنطقة مخفف بكثير من الحواجز والمسافات. فالتلميذة التي شاع خبر إقدامها على فرض مساعدة خارجية لها في الامتحانات الرسمية في احدى مدارس الضاحية الجنوبية، كان لفعلتها أثر سلبي على تلامذة الضاحية، وبائع الـ «أل أس دي» غير الملاحق من الأجهزة الأمنية يبيع سمومه الى الفتية هناك.
الإفلات من العيش في الضاحية الجنوبية هو اليوم حلم يصعب تحقيقه لكثيرين ممن ولدوا هناك او ممن وجدوا أنفسهم امام هذا الخيار دون غيره. وكثيرون ممن لا يتوافر لهم خيار الإفلات هم اليوم في صدد البحث عن ملاذات دراسية أخرى لأولادهم، وعن مصادر رزق وعيش بالقرب من الدولة وأجهزتها في المناطق الأخرى، على رغم الوهن الذي امتد الى هذه الأجهزة في كل المناطق.
تحتاج معادلة التمييز ضد الشيعة في لبنان حتى تنجلي الى عقل لبناني مختلف. ذاك ان أسوأ صور الطائفية اللبنانية يتمثل في ان تحسد طائفة طائفة أخرى على ضيقها وبؤسها.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة