تكثّف محنة نهر البارد محنة الوضع اللبنانيّ برمّته، بما فيه شقّه الفلسطينيّ.
فالمخيّم الذي يستأنف أوضاع بؤسه وتهميشه المديدين، وقد أضيف إليها تدميره من دون تعميره الموعود، يلخّص وضع "الطائفة" الفلسطينيّة في لبنان. إلاّ أنّه أيضاً يلخّص عجز النظام الطائفيّ، في شديد حرصه على "التوازنات"، عن أن يخطو أيّة خطوة مفيدة في مجال التعاطي مع محنة نهر البارد (وغيره من المحن).
في الآن نفسه يوفّر جمهور المخيّم (وغيره من المخيّمات) خزّاناً بشريّاً مؤهّلاً للاستخدام كيفما اتّفق. ودائماً كان النظام السوريّ في طليعة المستخدمين، إمّا مباشرة أو عبر "حلفاء" له (كـ"القيادة العامّة" و"فتح الإسلام"). وغنيّ عن القول إنّ الاستخدام هذا لا صلة له، من قريب أو بعيد، بقضيّة فلسطين أو قضايا الفلسطينيّين الاجتماعيّة.
ويقول القليل من الحكمة إنّ معالجة وضع كهذا إنّما يبدأ بفصل أهل المخيّم عمّن يريدون استخدامهم، وهذا ما لا يتمّ بالقوّة والعنف والتدمير، بل بوسائل وخطط تنمويّة وثقافة انفتاح على المخيّم وسكّانه تقرّب بدل أن تبعّد وتستبعد.
لقد سبق للشهابيّة في الستينات أن واجهت مشكلة مشابهة تجسّدت في استخدام النظام السوريّ لبعض أبناء المناطق الحدوديّة في البقاع وعكّار. وكان العلاج في تمتين الصلة بين هذه المناطق وبين المركز في بيروت، وخلق عوامل جذب تشدّ سكّان المناطق المذكورة إلى الداخل بدل أن تطردهم إلى الخارج. وفي هذا السياق احتلّت الأولويّةَ البرامجُ الإنمائيّة الموضوعة، بدءاً بشبكات المواصلات وانتهاء بخدمات الماء والكهرباء والمدارس وسواها.
لكنّ الدولة الشهابيّة التي كانت أقوى من الطوائف ليست الدولة اليوم. فهي الطرف الوحيد المؤهّل نظريّاً لإحداث التحوّل الكبير في الصلة بالمخيّمات الفلسطينيّة. غير أنّ الدولة أضعف، بلا قياس، من أيّة طائفة أو جماعة أخرى.
هكذا تواجهنا المشكلة إيّاها التي تواجهنا مع كلّ أزمة لبنانيّة كبرى: لا حلّ إلاّ بالدولة وليست هناك دولة تستطيع تقديم الحلّ.
في هذه الغضون لا يتبقّى لنا، لا سيّما في ظلّ استمرار الأزمة السوريّة المفتوحة، إلاّ أن نتوقّع الأسوأ في المخيّمات، بل خارج المخيّمات أيضاً. فالسلاح متوفّر وكذلك النوايا الحسنة في دمشق. وفي مواجهة هذا الانسداد المحكم لا يبقى إلاّ الاتّكال على الله في انتظار أن يقضي أمراً كان مفعولا. |