الثلثاء ٨ - ٧ - ٢٠٢٥
بيانات
التاريخ:
حزيران ١٨, ٢٠١٢
المصدر:
takalm.net
مؤسسة "الرئاسة" ومؤسسات أخرى - محمد أمين الميداني
تمثل العملية الانتخابية مرحلة مفصلية وهامة في الحياة المهنية والمسيرة السياسية لأي مرشح لمنصب رئاسي في دولة عربية، أو مدير تنفيذي في شركة أو مؤسسة أو رئيس جامعة أو مركز في العالم العربي.
واعتدنا أن ننظر إلى هذه العملية على أنها المعركة الأولى والأخيرة، أو المعركة المصيرية في حياة المرشح، وان انتصاره ووصوله إلى المنصب المأمول هو الانتصار الأكبر والخطوة الحاسمة، ويمكن أن يكون هذا الانتصار، وامتداده بالطبع لعدة عقود وسنوات، الخاتمة النهائية والمشرفة لحياته المهنية والعملية.
وإذا كان كسب المعركة الانتخابية على هذه الصورة، فالهزيمة في أي نوع من الانتخابات ستكون مروعة، وستنهي الحياة السياسية والعملية للمرشح، ولن تقوم له قائمة بعد الهزيمة، وسيكثر الأعداء، ويبتعد الزملاء، وسيمر بمرحلة صعبة قد لا يخرج منها، وتتبخر كل الآمال التي عقدها ومن حوله بجني مكاسب النصر وثماره.
ولو افترضنا أن هذه هي صورة المرشح لمنصب رئاسي أو تنفيذي في عالمنا العربي، وحقيقتها وواقعها في أغلب الأحيان - ولعل هناك من سينتقدنا بالقول بأننا نبالغ في رسم ملامح هذه الصورة - فإننا نحاول أن نوضح أيضا أن الترشح لأي منصب رئاسي أو تنفيذي هو موضوع يتعلق في جانب كبير وأساس منه بشخص المرشح، وليس بالمنصب بحد ذاته كمؤسسة إلى جانب مؤسسات أخرى تعمل في منظومة الدولة وكيانها.
في حين تبقى الرئاسة في الدول الأوروبية والأمريكية الديمقراطية مؤسسة قائمة بذاتها يتعاقب عليها من يحظى بقبول الناخبين ورضاهم، ويغادر المنصب متى انتهت مدة ولايته أو لم يكن على مستو المسؤولية التي كُلف بها. وتكون الرئاسة مرحلة في حياة المرشح أو من يقف خلفه أو معه من رجال، وأحزاب، وهيئات، وسيستمر العطاء حتى بعد نهاية هذه المرحلة. كما أن الإخفاق في الوصول إلى المنصب المنشود في هذه المرحلة لا يعني بالضرورة نهاية الحياة السياسية والمهنية للمرشح الذي يمكن أن يرشح نفسه مجددا طالما توافرت فيه شروط الترشيح. والأمثلة عديدة: فالرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران لم يصل إلى سدة الحكم في فرنسا إلا في عام 1981، علما بأنه ترشح ضد الجنرال شارل ديغول عام 1965 وخسر، وترشح ضد الرئيس الفرنسي السابق جبيسكار ديستان عام 1974 وخسر أيضا، إلى أن فاز أخيرا بالرئاسة الفرنسية عام 1981 وبقي رئيسا لمدة 14 عاما. والرئيس الأمريكي ريشار نيكسون ترشح عام 1960 ضد الرئيس جون كنيدي وخسر، وعاد ليرشح نفسه ويكسب عام 1968، ولكنه غادر الحكم عام 1974 نتيجة تورطه بفضيحة وترغيت.
المرشح في أوروبا وأمريكا يعلم علم اليقين بأن فترة حكمه محدودة طالت أم قصرت، لكن الرئاسة كمؤسسة باقية، وهو يقف على هرم هذه المؤسسة لفترة زمنية ويغادرها، ولا يخطر بباله، ولا في بال من اختاره، أنه سيبقى فيها إلى الأبد أو يمكن أن يورثها لأولاده من بعده.
ما نحاول أن نبسطه هو ضرورة النظر إلى الرئاسة كمؤسسة، ومهما ترك من يقف على رأسها من بصمات أو آثار فإنها باقية وهو زائل، وما تنافس المرشحين لمنصب الرئيس في بعض البلدان العربية ومواقف أنصارهم وتصرفاتهم يبين بشكل قاطع سوء فهم كامل لمنصب (الرئاسة). ومن الطبيعي أن تنشغل الصحافة، في هذه البلدان، برصد أقوال المرشحين ومتابعة تصرفاتهم ونشاطاتهم، وتنصب بالتالي الانتقادات والاحتجاجات، على هذا المرشح أو ذاك، تبعا لتصريحاتهم ومواقفهم، ولكن من المناسب والضروري أيضا أن تهتم الصحافة، وكتاب الأعمدة، وأصحاب النظريات السياسية ومختلف أنواع التحليلات والتعليقات، بلفت أنظار المواطنين وتنبيهم إلى ضرورة السعي لتعزيز مؤسسة (الرئاسة) كمؤسسة قائمة بذاتها، وتوضيح أن الرئيس المنتخب سيكون جزءا منها وليست هي جزءا منه ومن حاشيته وأتباعه. ويجب أن يواكب تبيان واقع مؤسسة الرئاسة ودورها ومكانتها في حياة الدول وشعوبها التركيز على أهمية تقوية ما يمكن أن نسميه مؤسسات (رقابة) تشد في عضد هذه المؤسسة وتدعمها وتساندها، وتسهر على أن لا تنحرف عن مسارها، أو أن يتم استغلالها من قبل من يقف على رأسها أو من يحوط به ويلتف حوله. ونعني بمؤسسات الرقابة: محكمة دستورية حيادية بنظام قانوني فعّال لا يمكن لأي سلطة تنفيذية أن تؤثر عليها أو تحد من نشاطاتها، أو تعطل قرارتها، وجهاز قضائي نزيه ومستقل يؤكد قيام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكذلك أجهزة أعلام محايدة ومهنية تتابع أعمال الرئاسة والرئيس ومن يلتف حوله، ولا تتورع عن النقد أو التنبيه أو طلب المحاسبة. ولا ننسى في هذا الصدد أن صحيفة الواشنطن بوسطت الأمريكية هي التي فجرت فضيحة وترغيت، وتوجد أمثلة أخرى لدور الصحافة الأوروبية في هذا المجال.
نحتاج اليوم في عالمنا العربي إلى تعزيز دولة المؤسسات بالدرجة الأولى، وأن نسعى لأن يكون الأشخاص جزء من هذه المؤسسات وحارس لها، لا أن تخضع المؤسسات لهم وتسير حسب أهوائهم ورغباتهم، ولعل الرهان اليوم على مؤسسة "الرئاسة" ودورها، ونتيجة لما عرفته بلدان عربية أو تعيشه بلدان عربية أخرى، هو أكثر إلحاحا وضرورة من أي وقت مضى.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة