الأثنين ١٤ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: حزيران ٤, ٢٠١٢
المصدر: nowlebanon.com
حرّيّة المخطوفين... - حازم صاغية

صحيح أنّ ما من ثورة نقيّة أو ناصعة، وأنّ الثوّار، كلّ الثوّار، قد يُقدمون على ارتكابات وانتهاكات لا ينسبها أحد إليه، ولا تدخل في الصورة المثلى التي تُرسم للثورات.

لكنّ الصحيح أيضاً أنّ كلّ ارتكاب من هذا الصنف ينبغي أن يُواجَه كما لو أنّه الأوّل من نوعه، وأن يثير من السخط والإدانة كلّ طاقتنا على إعلان السخط والإدانة.

 

يقال هذا الكلام وفي الذهن اللبنانيّون الـ11 المخطوفون في مكان ما من سوريّا: فخطف هؤلاء العائدين من فروض دينيّة أدّوها في العراق وإيران، ليس أخلاقيّاً ولا مبدئيّاً بأيّ معنى من المعاني. لكنّه، إلى ذلك، وفيما لو صحّت نسبة الخطف إلى قوى محسوبة على الثورة السوريّة، ينمّ عن تحلّل ميليشياويّ ومذهبيّ يجدر بالقيّمين على الثورة والناطقين بلسانها أن يكافحوا عوارضه الخطرة.

 

أمّا الذين ردّوا استباقيّاً على كلام كهذا، بالقول إنّ المخطوفين أصحاب أدوار ووظائف سياسيّة في دعم النظام، فهؤلاء لا يفعلون سوى رفع العوارض المقيتة إلى مبدأ ومعيار. إنّهم، بهذا، يحفرون للثورة السوريّة حفرة أكبر من تلك التي يحفرونها لمخطوفيهم اللبنانيّين.

 

ولقائل أن يقول إنّ النظام السوريّ، بما يعتمده من عنف وحشيّ، كان آخر تعابيره في الحولة، يعمل على توسيع هذا التبادل المسموم بين البشر وعلى إشاعة تلك العوارض في الجسد السوريّ كلّه. وهذا كلام صائب في حدود كونه وصفاً، إلاّ أنّه ينقلب كلاماً مخاتلاً حين يغدو تبريراً. وبعض هذه المخاتلة التي تهبّ من موقع آخر، توجيه الشكر لبشّار الأسد، أو الاستذكار المتأخّر لضرورة الدولة اللبنانيّة أو التنبيه لعيوب الخطف حين لا يحصل في الضاحية الجنوبيّة من بيروت!

 

لكنّها ليست مناسبة للكلام في السياسة بمعناها الحسابيّ والسجاليّ. فقد يضيف محبّو الحسابات السياسيّة أن يوردوا الأسباب التي تجعل الخطف ضارّاً، كأثر ذلك على العلاقات اللبنانيّة – السوريّة، أو أثره على العلاقات السنّـيّة – الشيعيّة، وربّما العراقيّة – السوريّة كذلك. لكنْ بحساباتٍ ومن دون حسابات، ينبغي أن يجد المخطوفون اللبنانيّون طريقهم إلى الحرّيّة، أوّلاً، لأنّهم مدنيّون أبرياء، وثانياً، لأنّ الخطف مدان، كائنة ما كانت حساباته السياسيّة وكائناً مَن كان منفّذه أو ضحيّته. فهذا إنّما يقع في باب الإرهاب، والإرهابُ ينبغي ألاّ يكون له مبرّرون!

 

يعزّز الرأي هذا أنّ إحدى الوظائف الأمّ للثورات، إذا ما شاءت أن تنتصر أخلاقيّاً وواقعيّاً، هي فرز نفسها عن الإرهاب، وفصل قضيّتها فصلاً تامّاً عن "قضيّته".

فإمّا أن يُحرّر المخطوفون، وإمّا أن يشار إلى الأطراف المسؤولة ويعلو مع الإشارة صوت الشجب والإدانة.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة