الأحد ١٣ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: شباط ١٦, ٢٠١٢
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
العقل الإسلامي بين الانفتاح والانغلاق - السيد يسين

يمكن القول ان الخطاب الاخواني خرج من أزمته التقليدية التي صاحبته عشرات السنين، وخصوصاً في ظل الحلم باسترداد الفردوس المفقود، أي نظام الخلافة... لكن ماذا عن التيار السلفي؟

يمر العقل السلفي - إن صح التعبير- بأزمة لا شك فيها، أبرز مؤشراتها التشدد الديني وفق تأويلات دينية غير صحيحة، والتركيز على التحريم بلا أساس في مجال السلوك الاجتماعي وضد القيم الليبرالية المنفتحة.


وهذه الأزمة فرع من الأزمة العامة التي يمر بها العقل الديني التقليدي، سواء تمثل في أفكار الإخوان المسلمين التي تعد بشكل عام معتدلة ووسطية، أم في أفكار الجماعات الإسلامية الجهادية التي سبق لها أن اعتبرت العنف والإرهاب وسيلة لها لقلب النظم السياسية العربية العلمانية الراهنة قبل أن تمارس نقدها الذاتي.


وقد سبق لنا أن عرضنا بالتفصيل لأزمة المشروع الإسلامي المعاصر بكل جوانبها (راجع كتابنا "الكونية والأصولية وما بعد الحداثة". القاهرة، 1996، الجزء الأول "نقد العقل التقليدى"، الجزء الثانى، "أزمة المشروع الإسلامي المعاصر"). ونقصد بهذا المشروع الحركة الإسلامية التي ظهرت في ربوع الوطن العربي منذ أكثر من ثمانين عاماً، وربما كانت جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأها الشيخ حسن البنا رحمه الله هي رائدة هذه الحركة، بحكم انتشارها في عديد من البلاد العربية. والأزمة التي نتحدث عنها لا تتعلق فقط بالسلوك العملي لأنصار هذا المشروع الذي جعلهم يصطدمون بالسلطة في عديد من البلاد العربية، بل هي أزمة تتعلق بالمنطلقات النظرية لهذا المشروع وبرؤيته للعالم وبنظره الى نفسه وفي اتجاهه إزاء الغير. وأبرز هذه المنطلقات هو السعي الى إنشاء دولة دينية تطبق شريعة الله، تحقيقاً لشعارهم الشهير "الإسلام دين ودولة"، لكي تحل محل الدولة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة.


غير أنه لابد من أن نشير الى أنه حدثت تحولات بالغة الأهمية في خطاب تيار الإسلام السياسي الذي كان لا يقبل الحزبية ولا الأحزاب ولا الديموقراطية، على أساس أنها بدعة دخيلة لأن الشورى وليس غيرها هي النظام الأمثل.


وقد عبرت عن هذا التحول مذكرة مهمة أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين في آذار 1994 بعنوان "موجز عن الشورى في الإسلام وتعدد الأحزاب في المجتمع المسلم". وهذه المذكرة المهمة عكست رغبة شديدة في الاقتراب من قيم التعددية السياسية والتركيز على أن الأمة - وفق الصياغة الليبرالية الشهيرة - هي مصدر السلطات.
كان هذا عام 1994، وتشاء تطورات الأحداث التاريخية الكبرى في مصر وخصوصاً قيام ثورة 25 يناير، أن تؤدي الى أن تتصدر جماعة الإخوان المسلمين مجلس الشعب، بعد أن حصلت على عدد كبير من المقاعد ويليها حزب "النور السلفي".


وهكذا وُضعت جماعة الإخوان المسلمين في محك الاختبار التاريخي لكي نعرف صدق المنطلقات النظرية الجديدة التي أصبحوا يعلنون عنها.
وقد يكون في خطاب الدكتور المرسي رئيس "حزب الحرية والعدالة"، وكذلك في خطاب الدكتور الكتاتني رئيس مجلس الشعب، ترجمة واضحة لهذه المنطلقات من حيث الحرص على قيم الديموقراطية، وأبرزها احترام التعددية، وانتهاج أسلوب التوافق السياسي مع كل التيارات السياسية.


وقد لفتت نظري في المقال المهم الذي نُشر في الأهرام بتاريخ 13 شباط 2012 للدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين بعنوان "مصر بين الأمس واليوم" فقرة بالغة الأهمية جاء فيها بالنص: "إننا نسعى لبناء الدولة الديموقراطية الحديثة القائمة على أسس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية بكل أشكالها وأنواعها، والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وشيوع قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع أبناء الأمة بلا تمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين، وصياغة دستور جديد للبلاد ويلبي متطلباتنا نحو نهضة حقيقية لعشرات بل مئات السنين، بصورة توافقية بين جميع أبناء البلاد، فالدساتير توضع بالتوافق لا بالأغلبية". وليس عندي شك في أن هذه الأفكار جميعاً تعبر عن تحول عميق ومحمود في الخطاب الإخواني الذي كان يرفض الديموقراطية من قبل ويفضل عليها الشورى، كما أنه كان يرفض التعددية الحزبية، ويتشبث بإقامة الدولة الدينية على أساس أن الإسلام دين ودولة.


وهكذا يمكن القول أن الخطاب الإخواني خرج من أزمته التقليدية التي صاحبته عشرات السنين، وخصوصاً في ظل الحلم باسترداد الفردوس المفقود وأعني نظام الخلافة، كما سبق للشيخ يوسف القرضاوي أن عبر عن ذلك عام 1994، حين قرر أن اختيار خليفة واحد يحكم الأمة الإسلامية من مشارق الأرض الى مغاربها هو ما ينبغي أن يسعى المسلمون الى تحقيقه، وهذا ما جعلني أدخل معه في حوار على صفحات جريدة "الأهرام"، على أساس أن حلم الخلافة يتجاهل حقائق النظام العالمي، والواقع المحلي في عديد من البلاد الإسلامية.


وأياً ما كان الأمر فإن جماعة الإخوان المسلمين بتوجهاتها الجديدة خطت خطوات واسعة في مجال تحديث خطابها التقليدي، لكي يصبح أكثر توافقاً مع الاعتبارات الديموقراطية.
ولكن تبقى لنا مشكلة التيار السلفي، الذي رغم تمدده وانتشاره في السنوات الأخيرة، لم يتعرض من قبل للاختبار السياسي في إطار ديموقراطي.
وها هو حزب "النور" المعبر عنه والذي حصل على المكانة الثانية في الانتخابات يظهر للعلن، ويكشف عن نسق فكري ديني مغلق، يعتمد أساساً على القياس الخاطئ والتأويل المنحرف للآيات القرآنية.


ومما لا شك فيه أن الرأي العام في مصر قد إنزعج انزعاجا شديداً من تصريحات متعددة أدلى بها بعض قادة التيار السلفي، سواء في ما يتعلق برغبتهم في إقامة جهاز يتولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قياساً على التجربة السعودية، أو في ما يتعلق بعقلية التحريم التي يتبناها.


وتبدو أزمة العقل السلفي في أنه يعتمد على الماضي باعتباره المرجعية العليا له، وهذا الماضي يتمثل في إعادة إنتاج تفسيرات تقليدية ومتشددة للنصوص الدينية، ويسعى لتطبيقها في المجتمع اليوم، بالرغم من اختلاف الظروف بين ماضي المجتمعات الإسلامية وحاضرها.


وقد غاب عن دعاة الخطاب السلفي أنهم لن يستطيعوا - حتى لو أرادوا - أن يفرضوا معاييرهم الأخلاقية المتشددة على الشعب المصري، من خلال تحريم عديد من أساليب الحياة في مصر.
وعليهم - بعد أن خرجوا من كهوفهم الماضوية العميقة- وتعرضوا للشمس، وأصبحوا يمارسون السياسة في البرلمان، أن يدركوا أننا نعيش عصر الديموقراطية وحقوق الإنسان، وأن المجتمع المصري يمتلك تراثاً ليبرالياً راسخاً، ولن يسمح لأي فصيل ديني سلفي أن يفرض قيمة على جموع الشعب.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة