الثلثاء ٨ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: كانون الأول ٢٢, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
النموذج التركي يتعثر في ثورتي ليبيا ومصر - محمد سيد رصاص

تجري في بلدان «الربيع العربي» مسارات نحو الأخذ بالنموذج التركي الذي انطلق منذ تسلّم حزب العدالة والتنمية السلطة في أنقرة عام 2002 والقائم على ثالوث مكوّن من الجيش والإسلاميين والإدارة. وهناك إشارات إلى أن اليمن، من خلال المرحلة الانتقالية التي بدأت باتفاق 23 تشرين الثاني (نوفمبر) يتجه نحو ذلك ما دام تحالف عسكر اللواء محسن الأحمر وإسلاميي التجمع اليمني للإصلاح هو الذي فرض التوازن الجديد القائم منذ أيار والذي أجبر الرئيس علي عبدااله صالح في النهاية على توقيع الاتفاق.


في تونس، هناك اتجاه سلس نحو ذلك، شبيه بسلاسة مسار الثورة التونسية ضد حكم زين العابدين بن علي، ويبدو أن سلاسة الثورات والمراحل الانتقالية تتعلق بعدم تعقيد تضاريس البنية الاجتماعية في البلد المعني، فيما العكس صحيح.


في ليبيا، كان واضحاً منذ ثورة 17 شباط (فبراير) 2011 أن هذا التحالف الثلاثي، للإدارة (وزراء ومسؤولون سابقون) وضباط الجيش المنشقين وقوى المعارضة لحكم القذافي التي يغلب عليها الإسلاميون، هو العصب المحرك للثورة وهو الغالب على قيادتها كما تبيّن من تشكيل (المجلس الوطني الانتقالي) يوم 27 شباط. وخلال ستة أشهر فصلت ذلك التاريخ عن سقوط باب العزيزية كان الصراع في المجلس الانتقالي متمحوراً بين طرفين: الإداريين (الدكتور محمود جبريل) والعسكريين (اللواء عبدالفتاح يونس)، من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى. فيما تفادى المستشار مصطفى عبدالجليل، وهو الوزير السابق عند القذافي، وضعية الدكتور جبريل بسبب نزوعاته الإسلامية، وميوله الوسطية في صراعات المجلس الانتقالي. ولا يمكن عزل مقتل اللواء يونس في نهاية تموز (يوليو) على أيدي إسلاميي المعارضة عن ذلك، ليس بسبب خلفية العداء القديم عندما تولى يونس كوزير لداخلية القذافي، قمع الإسلاميين فحسب، وإنما بسبب اتجاههم إلى تصفيته بحادث مخطط لإزاحته من الواجهة في ظروف كان من الواضح فيها اقتراب نهاية حكم القذافي.


وفي مرحلة ما بعد الـقذافي، بين سقوطه (23 آب/ أغسـطس) ومـقتله (20 تشرين الأول/ أكتوبر)، اتضح أن مصير الدكتور جبريل، كرئيس للمكتب التـنفـيذي للمجلس الانتقالي، هو إلى أفول، وبـخـاصة لما تبين من خلال سـير معارك طرابلـس، ثم بني وليد وسـرت، بأن القوة العسكرية الفاعلة على الأرض، هي كتائب الزنتان ومصراتة التي تشـكلت من مدنيـين أثـناء الـثورة كان واضحاً عليهم التوجه الإسلامي، وليست ضباط وعناصر الـجيـش المنـشقين عن القذافي. وعملياً، وحتى عندما انـتــقل المجـلـس الانـتقالي من بنغازي إلى العاصمة فإنه كان جلياً أنه لا يملك، هو ولا الحكومة المشكلة حديثاً، السلطة على الأرض ما دام مسلحو الكتائب هم الذين يسيطرون على مرافـق العاصـمة، ومنها المطار، وليس قوات «وزارة اـلداخلية» أو «وزارة الدفاع»، وربما كـانت أكبر الدلالات الرمزية على ذلك أن سـيف الإسـلام القـذافي، حـتى بعـد شـهر من اعـتـقاله، لم تـسـلمه كـتائب الزنتان إلى الحكومة.


هذا يقود إلى تعثر عملية تشكيل (النموذج التركي) على الأرض الليبية ما دامت عناصر ثالوثه في حالة تصادم، من مظاهرها الأخيرة في أوائل كانون الأول (ديسمبر) محاولة اغتيال قائد القوات البرية الليبية على أيدي مسلحي كتائب الزنتان المسيطرة على مطار العاصمة. ولا يمكن عزل هذه المحاولة عن عدم رضا الإسلاميين (على رغم حضور الشيخ القرضاوي) عن مؤتمر المصالحة الذي دعا إليه المستشار عبدالجليل والذي عقد في اليوم السابق لذلك الحادث، وإن كانت أساساتها البعيدة تأتي من صراعات مكونات ذلك الثالوث الليبي على من سيملك زمام التحكم بمسارات السلطة.


وفي مصر، هناك تعثرات في النموذج التركي، على رغم أن الصورة كانت معاكسة في مرحلة ما بعد سقوط حكم مبارك عندما بدا أن ثمة انسجاماً بين عناصر ثالوث يتألف من: المشير حسين طنطاوي، مرشد الإخوان محمد بديع، حكومة عصام شرف. وقد تفادى الإخوان، المشاركة في تجمّع دعت إليه بعض الأحزاب المصرية في أيار (مايو) خشية الظهور في مظهر المتصادم مع المجلس العسكري ومع الحكومة التي كان من الواضح منذ شباط أنها في موقع الوسط بين العسكر والإسلاميين، ولكن كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية كان احتكاك هذين الطرفين يزداد، وخصوصاً مع محاولات العسكر تأمين وضعية شبيهة بوضعية العسكر التركي في مرحلة ما بعد انقلاب 27 أيار 1960 ضد رئيس الوزراء عدنان مندريس عندما أنشأوا مجلس الأمن القومي الذي كان ستاراً لحكم خلفي للجيش من وراء المدنيين، ونصبوا أنفسهم «حماة للعلمانية الأتاتوركية» وللدستور، وكل هذا أتاح لهم بعد تسليمهم السلطة لمدنيين منتخبين التدخل عبر انقلابين عسكريين عامي 1971 و1980، ثم في «انقلاب أبيض» ضد حكومة نجم الدين أربكان في شباط 1997.


وثيقة السلمي المصرية
كانت وثيقة الدكتور علي السلمي، في أوئل تشرين الثاني الماضي، محاولة لفرض شيء من هذا في مصر لتأمين مبادئ «ما فوق دستورية» قبيل تشكيل البرلمان المنتخب ليكون بمثابة جمعية تأسـيـسية لدسـتـور جـديـد، وقـد كان عصب تلك الوثيقة هو ما قالته إحدى موادها «إن القوات المسلحة يحق لها التدخل للحفاظ على الشرعية الدستورية»، ما كان ليشكل مسوغاً لانقلابات أو تدخلات من وراء الستار ولتحكم المؤسسة العسكرية في الحكومات المدنية المنتخبة.


قادت تلك الوثيقة إلى صراعات في «ميدان التحرير»، وفي مدن أخرى غير العاصمة، شكلت بداية تصادم بين المجلس العسكري والإخوان، كانت حصيلته الأولية سقوط حكومة عصام شرف، واضطراب كاد أن يطيح العملية الانتخابية. وكان تراجع العسـكر عن وثيقة السلمي طريقاً لضمان سـير العـملية الانتخـابـية التي اتضح من جولتيها الأولى والثانية الاتجاه إلى فوز الإسلاميين بغالبية المقاعد البرلمانية. كما كان اتجاه العسكر بين الجولتين لتشكيل المجلس الاستشاري استئنافاً للصراع ضد الإسلاميين، ولمحاولة تفخيخ صلاحيات الجمعية التأسيسية المنتخبة في أن تكون المطبخ الوحيد للدستور المقبل. ومن اللافت انحياز الليبراليين واليساريين وكل الخاسرين المتوقعين للانتخابات، إلى العسكر في صراعهم مع الإخوان من خلال قبولهم المشاركة في ذلك المجلس المعين من جانب المجلس العسكري، ما أعاد إلى صورة القاهرة صورة موازية رأيناها في السنوات التسع الأخيرة في أنقرة عندما تحالف علمانيو أتاتورك مع العسكر في صراعهم الخاسر مع أردوغان، قبل أن يستطيع الأخير العام الماضي محو كل المترتبات السياسية والمؤسساتية لانقلاب 27 أيار 1960، وأن يجعل الإسلاميين غالبين في ثالوث الجيش والإسلاميين والإدارة. وليس معروفاً بعد ما إذا كان الأمر سيكون كذلك في تونس وطرابلس الغرب والقاهرة وصنعاء، أم إن هذا الثالوث سينفجر في ظل الصراع بين عناصره.


* كاتب سوري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة