التاريخ: تشرين الأول ١١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
أردوغان وسورية في الأزمة وما قبلها - محمد سيد رصاص
في 3 آب (أغسطس) 2010 انتخب مجلس الشورى لـ»جماعة الإخوان المسلمين» في سورية ثلاثة حمويين في أهم ثلاثة مراكز قيادية في الجماعة: رياض الشقفة مراقباً عاماً للجماعة، ونائب المراقب العام فاروق طيفور، وحاتم الطبشي رئيساً لمجلس الشورى. كان الثلاثة قد أتوا من تنظيم «الطليعة المقاتلة» الذي أسسه مروان حديد عام 1975 وهو الذي فجر أحداث المواجهة المسلحة بين «الإخوان المسلمين» والسلطة السورية بعد ارتكابه مجزرة مدرسة المدفعية في حلب.

وفي 16 حزيران (يونيو) 1979، قبل أن يندمج مع التنظيم العام لجماعة «الإخوان المسلمين» بقيادة عدنان سعد الدين ومع «تنظيم الطلائع الاسلامية» بقيادة عصام العطار في كانون الأول (ديسمبر) 1980. كان الاجتماع المذكور لمجلس شورى الجماعة قد عقد في تركيا، وكان مؤشراً على اختلال في العلاقات السورية- التركية التي بدأت عام 2004 فصلاً جديداً ساده التقارب بشكل غير مسبوق بين أنقرة ودمشق، وقد كان أحد فصول هذه العلاقة سعي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى مصالحة بين «الإخوان» والسلطة السورية حيث كان اعلان «الإخوان المسلمين» تجميد نشاطهم المعارض في كانون الثاني (يناير) 2009 من أجل تمهيد الطريق أمام أردوغان لاستكمال مساعي المصالحة. في تموز (يوليو) 2010 كان هناك انفراط للجدار التركي- السوري الذي وقف وراء إياد علاوي زعيم «قائمة العراقية»في انتخابات البرلمان العراقي بآذار (مارس) 2010 من أجل إزاحة نوري المالكي الموالي لطهران عن رئاسة الوزارة العراقية واستبداله بعلاوي الذي احتلت قائمته المرتبة الأولى بين القوائم المنتخبة. من المؤكد، هنا، أن ما جرى من مجيء متشددين إلى قيادة «جماعة الإخوان المسلمين في سورية» يحمل بصمات أردوغان.

منذ الشهر التالي لانفجار الأزمة السورية بدءاً من درعا 18 آذار 2011 بدأ يظهر تباعد أنقرة عن السلطة السورية، وكان أحد تمظهرات ذلك تصريحات رياض الشقفة من الأراضي التركية، ثم الضغوط التي بذلتها تركية على دمشق مستغلة بدء الأزمة السورية من أجل اشراك «الإخوان المسلمين» في السلطة السورية. بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في الأسبوع الأول من آبأغسطس2011لدمشق دخلت العلاقات في مرحلة الصدام بين أنقرة والسلطة السورية. كان هذا مترافقاً مع مطالبة باراك أوباما للرئيس السوري بالتنحي في 18 آب، ومع قطيعة باريس والدوحة مع دمشق، بتنسيق تركي- قطري جرى في الأسبوع الأول من أيلول ترتيب دعوة من مركز عزمي بشارة في الدوحة لثلاث تنظيمات معارضة سورية، هي «الإخوان المسلمين» و»اعلان دمشق» و»هيئة التنسيق»، للدخول في محادثات من أجل تشكيل «ائتلاف وطني سوري معارض».

فشلت تلك المساعي بسبب اصرار «هيئة التنسيق» على تضمين النص التأسيسي للائتلاف فقرات تتضمن (الرفض لأي تدخل عسكري خارجي) و(الرفض للعنف من أي جهة أتى). قال عزمي بشارة، في بهو الفندق الذي جرت فيه المحادثات، لأحد أعضاء وفد «هيئة التنسيق»: «إنكم من خلال اصراركم على رفض التدخل العسكري الخارجي ستخربطون سيناريوات موضوعة». كان من المقرر اعلان «الائتلاف» في الأسبوع الثاني من أيلول (سبتمبر) مع قيادة تتضمن ستة عشر شخصاً في الداخل وتسعة في الخارج، وكان من الواضح أنه كان يهيأ كمظلة محلية سورية معارضة لطلب تدخل عسكري خارجي، على طراز المجلس الليبي بقيادة مصطفى عبدالجليل الذي طلب التدخل الدولي عبر مجلس الأمن في آذار 2011 ضد سلطة معمر القذافي، تحت ذريعة»حماية المدنيين»في ظل انفجار العنف بين السلطة والمعارضة .

كان العنف السوري المعارض قد بدأ يأخذ الشكل المنظم منذ أيلول2011، وكان أحد أهدافه ليس اسقاط السلطة السورية بل اشعال حريق يأتي التدخل العسكري الخارجي بذريعته على طراز السيناريو الليبي. كل المؤشرات كانت تدل على أن الدور الذي لعبه ساركوزي في ليبيا على رأس حملة «الناتو» كان سيلعبه أردوغان في سورية على رأس حملة لـ «الناتو» أيضاً بتنسيق أميركي- فرنسي- تركي- قطري. لكن ما فشل في الدوحة استعيض عنه في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 من خلال تشكيل «المجلس الوطني»في اسطنبول الذي جمع «الإخوان» المسلمين» و»اعلان دمشق». ومع التأسيس أعلن رئيس المجلس برهان غليون أن المجلس « هو هيئة مستقلة ذات سيادة تجسد استقلال المعارضة السورية وسيادة الشعب السوري الذي تمثله في سعيه لتحقيق حريته المنشودة. . نطالب بالحماية الدولية، أي حماية شعبنا الأعزل أمام آلة الحرب التي لاتزال تعمل منذ أشهر، ونطالب بتطبيق شرعة الأمم المتحدة خصوصاً البند المتعلق بحماية المدنيين والذي ينطبق على جميع الدول، ولا يعد خرقاً لسيادة دولة، لأن قوانين حقوق الانسان فوق سياسات الدول» (جريدة «الحياة» 3 تشرين الأول 2011). جرت محاولة لنقل الأمر إلى نيويورك في 4 تشرين الأول ولكن الفيتو الروسي- الصيني كان حاجزاً أمام تكرار سوري للسيناريو الليبي، وفي حركة انقلاب روسي على موقف موسكو الممتنع عن التصويت يوم القرار الليبي بنيويورك في آذار 2011. عندما أعلن رياض الشقفة في 18 تشرين ال ثاني (نوفمبر) 2011 من اسطنبول وفي مؤتمر صحافي www. kharej-alserb. comarchives3705 أن «السوريين مستعدون للقبول بتدخل تركي في بلادهم لحماية المدنيين من أعمال العنف»، جاء الرد من موسكو التي أرسلت قطع من أسطول البحر الأسود إلى أمام ساحل طرطوس في قراءة روسية بأن كلام الشقفة يعكس رأي أردوغان. ويقال إن ما أشعل الأضواء الحمراء في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت كان تصريح برهان غليون: «علاقتنا مع ايران ستتم إعادة النظر بها، وكما ستتغير علاقتنا مع ايران كذلك ستكون علاقتنا مع حزب الله»(«وول ستريت جورنال» 3/12/2011).

يبدو أن الموجة «الإخوانية» قد تكسرت في دمشق أوائل عام 2012، بخلاف ماجرى في تونس ومصر وليبيا واليمن. في زيارته للقاهرة في تشرين الأول 2011 ظهر أردوغان بمظهر السلطان سليم الأول عام 1517. لم تكن (الريدانية) ممكنة لولا (مرج دابق)، وبالتأكيد كان سقوط محمد مرسي في 3 تموز 2013 متعزراً لوصل رياض الشقفة للسلطة في دمشق. منذ 11 أيلول 2012 سحبت واشنطن، إثر مقتل السفير الأميركي في ليبيا في بنغازي على يد اسلاميين، الغطاء عن «الإخوان المسلمين»، ومنذ ذلك التاريخ اتجهت العلاقات الأميركية- التركية للتوتر. كان أردوغان الراعي للمسلحين السوريين المعارضين الذين سادت بينهم الرايات الاسلامية ، بمافيهم المسلحون العرب والأجانب الذين أتوا سورية بمعظمهم عبر تركيا بتسهيلات علنية بين 2012-2016.

قاد الطابع الاسلامي للمسلحين السوريين المعارضين إلى أن تسود عليهم الرايات السود للنصرة وداعش. منذ سقوط الموصل بيد داعش في 10 حزيران (يونيو) 2014 اتجهت واشنطن إلى اعتبار الرايات السود الخطر الرئيسي. هذا قادها منذ خريف 2014 للاعتماد على الأتباع السوريين لحزب عبدالله أوجلان. في فترة مابعد الدخول العسكري الروسي لسورية في 30 أيلول 2015 وجد أردوغان نفسه في خصومة مزدوجة مع واشنطن وموسكو في الملف السوري. اختار منذ نهاية حزيران 2016 التقارب مع موسكو التي يقال أنها هي التي نبهته مبكراً لخطة انقلاب 15 تموز 2016 التي قام بها عسكريون من أتباع فتح الله غولن الذي اتهم أردوغان واشنطن بدعمه. عبر التقارب مع موسكو تخلى أردوغان عن المسلحين السوريين المعارضين في حلب والغوطة وشمال حمص مقابل الغطاء الروسي لعملية أنقرة في خط جرابلس- الباب – أعزاز عام 2016 ومقابل تأييد موسكو الصامت لعملية أنقرة في عفرين أوائل 2018 ومقابل اتفاق بوتين – أردوغان في 17 أيلول 2018 التي أعطى غطاء روسياً للوجود التركي العسكري- السياسي في محافظة إدلب. عبر الروس ضمن الأتراك شريطاً حدودياً يمتد من جرابلس حتى منطقة ربيعة قرب بلدة كسب في محافظة اللاذقية على طول الحدود السورية- التركية فيه وجود تركي عسكري مع أتباع سوريين محليين من الاسلاميين يتبعون سياسياً لأنقرة.

كمكثف:في خريف 2011كان أردوغان يطمح أن يكون مع رياض الشقفة في دمشق ما كانه علي خامنئي مع نوري المالكي في بغداد. فشل أردوغان في ذلك. كانت علاقته مع بوتين وسيلة لمنع نشوء ممرّ كردي يمتد من القامشلي لعفرين ووسيلة لنشوء منطقة نفوذ تركي مع أتباع اسلاميين سيستثمرهم أردوغان في التسوية السورية المقبلة.

* كاتب سوري