التاريخ: تشرين الأول ٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
في "أرقام" الهامشيّتين الإيرانية والعربية - جهاد الزين
بمناسبة الوصول إلى اتفاق جديد ينظّم العلاقات الاقتصادية التجارية والصناعية بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك (USMCA) بدل اتفاق (NAFTA) الذي نسفه الرئيس دونالد ترامب، ولو كان الاتفاق الجديد ليس نسفا كاملا للسابق، بل حافظت فيه الشريكتان كندا والمكسيك على العديد من المكاسب....

بمناسبة هذا الحدث نشر مكتب الإحصاء الفدرالي الأميركي جدولا لأبرز أرقام التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول العالم يستحق، أي هذا الجدول، أن نقرأه ونراجعه هنا في الشرق الأوسط، لنعرف بل نتأكّد من جهة، أنه ليس في الشرق الأوسط كله دولة واحدة "عظمى" اقتصاديا حتى تركيا بمعايير الأرقام الكبرى التي يكشفها هذا الجدول أو يكشف جانبا منها، ومن جهة ثانية لنتأكّد أن العالم العربي ومحيطه بأرقام جزء مهم من علاقاته التجارية وما تعكسه من قدرات هما على هامش الاقتصاد العالمي بمعايير الانتاجية الصناعية والخدمات بما فيه حالياً الدولتان الأكثر أهمية نفطيّة (وسياسيّة) وهما المملكة العربية السعودية وإيران.

تعالوا نقرأ في الجدول الذي يعكس حقائق في الاقتصاد السياسي للعالم كم نحن، شرق أوسطيين ومسلمين وعرباً، في هامشهاالبعيد حتى لو امتلكت بعض دولنا كتلا نقديةً كبيرة كسيولة أو بعض البنية الصناعية الحديثة.

هذا هو العالم الكبير بواحدة من زواياه الأعرض الأهم من "زاوية" علاقات التبادل التجاري، استيرادا وتصديرا بين الولايات المتحدة والخارج الأساسي، بأرقامها الكبرى بحسب المعطيات الأميركية الدقيقة:

تضم اللائحة الأميركية الرسميّة 15 دولة هي التالية بحسب ترتيب ضخامة الأرقام: الصين تليها كندا ومكسيكو واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وبريطانيا وفرنسا والهند وتايوان والبرازيل وهولندا وسينغافور وهونغ كونغ وبلجيكا. (مساحة هونغ كونغ أقل من مساحة محافظة بعلبك ومساحة سينغافور أقل من مساحة محافظة عكار في لبنان).

لكن الأهم هي أ رقام الصادرات والواردات الإجمالية بمليارات الدولارات بين واشنطن وكل دولة من هذه الدول:

مع الصين 635,4$ ومع كندا 581,6$، مكسيكو 557,6$، اليابان 204,1 $، ألمانيا 171,5$، كوريا الجنوبية 119,8$، بريطانيا 109,3$، فرنسا82,5$، الهند 74,3$، تايوان 68,2$، البرازيل 66,7$، هولندا 59,3$، سينغابور 49,2$، هونغ كونغ 47,3$، بلجيكا 44,9$.

طبعا لن يجد القارئ اسم دولة عسكرية كبيرة مثل روسيا هنا بسبب تداخل عاملي التردي السياسي والمحدودية الاقتصادية الروسية بمعايير الدول الصناعية الكبرى رغم الإمكانات الضخمة من عائدات الثروات الطبيعية وبيع الأسلحة.

أيا يكن التحليل السياسي المقارَن لهذه الأرقام من موقع الدولة العظمى في العالم فهي تحمل دلالات تواضع الأرقام العربية اقتصاديا حتى قياسا بدول مثل بلجيكا وهولندا فكيف بسينغافور وهونغ كونغ الصغيرتين جدا والعملاقتين اقتصادياً.

هولندا وحدها يبلغ دخلها القومي 770,8 مليار دولار وهو تقريبا ضعف الدخل القومي الإيراني 393,4 مليار دولار ويزيد بأكثر من ماية مليار دولار على الدخل القومي السعودي البالغ 646,4 مليار دولار (أرقام 2016).

لدينا أفكار في المنطقة عن "الثروة" يجب إعادة النظر بها.

نشاهد بأم العين، كما يُقال، كيف تفرض الدولة العظمى في عهد الرئيس دونالد ترامب معاييرها على دول كبرى في أوروبا وأميركا الشمالية. هذه ليست قوة ترامب ولا ذكاءه بل قوة الولايات المتحدة وذكاؤها وتقدمها.

لذلك ربما يكون على العالم العربي وهو يستمع ويشاهد سلوكيات ترامب المتعالية على دول المنطقة أو ما تبقى منها كدول غير منهارة أو غير فاشلة، استخلاص معادلة أن واشنطن قررت تغيير الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا وهذا هو المشترك بين عهود الرؤساء جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب، الفارق أن عهد ترامب ينتهج أسلوبا مختلفا، بمعزل عن ابتذاله. فهو يرضي استراتيجيا الإستابلشمنت الاقتصادي والسياسي العالي النفوذ في واشنطن.