التاريخ: أيلول ٢٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
«انتخابات شو!» - مشرق عباس
عرض البرنامج الكوميدي العراقي «البشير شو» صورة عن جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي التي أجريت قبل أيام داخل أروقة المجلس، ليكشف من خلال التدقيق في تفاصيل عملية الاقتراع «السري» عن ممارسات غريبة مثل تصوير نواب ورقةَ الاقتراع الخاصة بهم، وتجول قرابة 5 نواب في الأقل لمراقبة نمط تصويت زملائهم، والضغط عليهم بطريقة مباشرة لانتخاب مرشح معين، ناهيك بالفوضى وتصويت نواب أكثر من مرة!

مضى الأمر، لأنه يمثل في الذاكرة العراقية صورة مستنسخة لـ «الاقتراع النموذجي»، مقارنة بمستويات عالية ومباشرة من الضغط والتأثير والتهديد وشراء الأصوات التي تشهدها الانتخابات العامة في العراق، وهذا ما جعلها عقيمة في نتائجها، وعرضة لمقاطعة شعبية متصاعدة.

القضية لا تخص حصراً محاولة نواب يميلون إلى مرشح معين لرئاسة البرلمان، التأثير في مسار الاقتراع وسط ضعف إدارة رئيس السن، وافتقاره إلى الموقف الحاسم لمنع الفوضى، وربما لم تكن نتائج التصويت لتتغير كثيراً من دون اللجوء إلى هذه الممارسات المهزوزة، بل تتعلق بالثمن الذي يدفعه الشعب العراقي نتيجة الطعن بمغزى الانتخابات وغاياتها، وهي المكسب المفترض الوحيد من «الديمقراطية» التي جردت من كل سماتها الأخرى في التجربة العراقية. وهذا الثمن باهظ، وكان من بين نتائجه فشل الحكومات والممثليات التي أفرزتها الانتخابات في إقناع الأهالي بشرعيتها، وهي تتعرض كل يوم إلى التشكيك والتنكيل والاتهام وحرق المقار الحزبية، على غرار أحداث الجنوب العراقي الأخيرة.


ولو أن الأحزاب والقوى التي وصلت إلى مواقعها عبر آليات وقوانين انتخاب معترض عليها شعبياً، قد اهتمت بتنفيس الغضب الشعبي عبر اختيارات موفقة لهيئاتها الحكومية ورئاساتها لكان في الإمكان تصور منجز في الإمكان الدفاع عنه، لكنها تسعى كما يبدو إلى المجازفة بإشعال السخط، ومواجهة الشارع، بصلافة لا يمكن حتى الصمت عنها.

وقد طرح منذ اليوم الأول لإغلاق صناديق الاقتراع وسط حملة تشكيك واتهامات غير مسبوقة، مقترح تشكيل حكومة مهنية من خارج الأحزاب، تكرس اهتمامها خلال فترة انتقالية معلومة إلى تطوير العملية السياسية والتأسيس لخريطة طريق قانونية قابلة للتطبيق يمكنها إقناع الجمهور المقاطع والناقم بجدوى العملية الانتخابية.

لكن مسارات انتقال السلطات ابتداء من فوضى البرلمان، لا تنبئ باحتمال تحقق هذا الهدف الذي تبناه المرجع الديني الأعلى علي السيستاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وعدد كبير من الشخصيات الفكرية والثقافية والاجتماعية والفاعليات الشعبية على امتداد العراق.

قررت الأوساط الحزبية ابتداء، أن الترحيب الشعبي الاستثنائي الذي تلقاه ترشيح السياسي الكردي برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية، ليس بذي قيمة، وأن رغبة العراقيين في رئيس قادر على مساعدة الحكومة لتجاوز محنة البلد، ليست أولوية، وأن على الجميع القبول مجبرين، بما يفرض عليهم من سلة «المحاصصة الحزبية» التي تدار في غالبيتها خارج البلد.

ومن ثم تمضي تلك القوى نفسها إلى التعاطي مع مطالب الناس بحكومة قادرة على النهوض بالبلاد من وضعها الاقتصادي والخدمي والقانوني المزري، عبر لعبة التسويف، والمراوغة، وجس النبض، وصولاً إلى ترشيح قادة الأحزاب والفصائل المسلحة وأصحاب الشركات الحزبية وزراء للنفط والمال والبلديات والكهرباء والصناعة، وتسريب قوائم هنا وهناك تمهيداً لإعلان الحكومة الجديدة!

لا أحد يمكنه أن يتكهن في شكل دقيق بمآلات مسارات العراق وسط هذه العنجهية الحزبية، لكن الأمور لا تتجه إلى منطقة آمنة، فالأحزاب لا تريد خسارة أي جزء من مكاسبها المالية ولا التضحية بجزء من نفوذها وسطوتها للمصلحة العامة، بل وتستعد كما يبدو إلى مواجهة دموية مع الشارع، فتدرب مجموعات مسلحة على التصدي للتظاهرات المتوقعة، وترفع عمولاتها في صفقات الدولة، ولن تتوانى عن اتخاذ الصراع الإقليمي والدولي مبرراً لضرب الأمن السلم الاجتماعيين!