التاريخ: آب ٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
من يطعن بالاقتصاد؟ - رمزي الحافظ
تتعرَّض مكونات الاقتصاد الوطني اللبناني لحملات تشكيك وافتراء، وتواجه سلسلة شائعات وتحليلات وتخيلات لا تبنى على وقائع ولا تقوم على منطق. فهناك من يشيع أن الليرة ستنهار، والاقتصاد سيتوقف، والمصارف ستفلّس، والخزينة ستعجز عن أداء واجباتها، وأن السوق العقارية توفيت وأصبحت من الماضي، والتجارة عبث، والصناعة لا تصنع، والسياحة والمنشآت المرتبطة بها إلى زوال، وتحويلات المغتربين ذهبت أدراج الرياح. هذا غيض من فيض جلد الذات الذي يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، والتحليلات المتلفزة، والمقالات الصحافية، وأحاديث الصالونات والمقاهي والشارع. لا تحفل هذه الإدعاءات بالمبالغة فحسب، بل هي بعيدة كل البعد من الواقع. خلال كل استحقاق سياسي، تعاد كرة التهويل بأن الاقتصاد يحتضر، ليتبين لاحقاً أن النبوءة كانت كاذبة، وليس هناك من يتعلم. من المسؤول هذه المرة عن تثبيط العزيمة والهمم؟ 

نعيق أرباب السياسة 

يدأب المسؤولون السياسيون منذ أعوام على الطعن بسمعة الاقتصاد، بدءاً بالرؤساء الثلاثة وصولاً إلى الوزراء وزعماء الأحزاب والنواب. الكل يبشر بالخراب وينذر بأن الانهيار وشيك، وأن النهاية قريبة، وأن البلاد تقف على شفير الهاوية. المفارقة أن هؤلاء يدعون المستثمرين في الوقت ذاته إلى توظيف أموالهم في لبنان، ويطالبون الجهات الدولية بإقراض الدولة، ويسألون المواطنين دفع ضرائب أعلى. ماذا دهاكم يا سادة؟ صحيح أن الفساد مستشر، وأن بعض القيمين على تسيير شؤون الدولة، لا سيما في الشق الاقتصادي، يفتقر إلى الكفاية والخبرة، وأن شعار الإصلاح أضحى سلاحاً من ورق يشهر من جميع الفئات السياسية، في وجه جميع الفئات المقابلة، لكن ينبغي التنويه بأن التهديد بالانهيار التام سعياً الى الفوز بمعارك إنتخابية أو لتكبير الحصص في البازار الوزاري هو من أعلى درجات الفساد.

محاباة الهيئات الاقتصادية 

عوض أن يهبّ ممثلو القطاع الخاص للدفاع عن سمعة الاقتصاد، نسمعهم يتناوبون على هتك شرفه، ويسابقون السياسيين، شركاءهم في الأعمال وفي الليالي الملاح، على إطلاق النعوت المسيئة، فيصدقون على النبوءات الكارثية، في مداهنة فاضحة لأصحاب القرار، علّهم يتلقون الدعوة للانضمام إلى الطبقة الحاكمة. وعوض أن يتعاضدوا لمساندة المنتسبين إلى هيئاتهم، وأن يضعوا مبادرات عملية لاستنهاض قطاعاتهم، يكتفون بإطلاق النداءات وحمل المطالب المزمنة إياها إلى الدولة، ويلقون كل الثقل عليها، طالبين البناء ممن يهدم، والإصلاح ممن يخرب. أين اختفت فجأة عبقرية رأس المال اللبناني الخلاق؟ وهل صحيح أن رأس المال هذا أصبح كغيره جباناً؟

لا للهلع 

قليل هو عدد المسؤولين والخبراء الاقتصاديين الذين يرون الصورة الاقتصادية بمجملها، ويحللونها بعلم وروية، ويعتمدون المعايير والتقية. أكثر حاكم مصرف لبنان اخيراً من التأكيد على أن الوضع النقدي سليم، هو الذي لم يخيب طوال ربع قرن ظن أحد مطمئناً. لكن سيئي الظن قرأوا في تطمينات الحاكم دليلاً أن لا دخان بلا نار. لكن الحقيقة أنه ليس هناك من دخان في الأساس، بل بخار يطلقه عديمو المسؤولية. الحقيقة أن الليرة أقوى من أي وقت مضى، والاقتصاد يسجل نمواً، وإن كان بطيئاً، لكنه مستمر، والمصارف في وضع أكثر من سليم، ومالية الدولة قادرة في المدى القصير والمتوسط على الوفاء بالتزاماتها. لا يعني هذا أننا نعيش في نظام اقتصادي صحي. بل العكس هو صحيح، فاقتصادنا يعاني من عدد كبير من التحديات البنيوية أسوة ببقية دول العالم الثالث، ومالية الدولة بحاجة إلى إصلاح جذري، وعلينا الارتقاء بالقوانين الاستثمارية والتجارية لمجاراة العصر، والبنية التحتية المترهلة تتوق إلى التحديث. لكن الفرق شاسع بين دق جرس الإنذار ونشر الهلع.

الإثبات الحسي لسلامة الاقتصاد 

من المسلمات أن رأس المال جبان، ويجيد حسابات الربح والمجازفة. لهذا السبب بالذات، يجب أن تلفتنا انفتاح شهية المستثمرين، والمؤسسات المالية المحلية والدولية والدول والمنظمات المانحة، على إقراض الجهات الرسمية والخاصة. لم يمض بضعة أشهر على إعلان المشاركين (وعددهم 17 دولة وهيئة دولية) في مؤتمر "سيدر" في باريس عن استعدادهم لإقراض لبنان 11,8 مليار دولار. ليس هؤلاء بمتهورين، وهم لا يرون دخاناً ولا نار. إنهم على اطلاع عميق على مشاكل لبنان، وقدموا اقتراحات إصلاحية مستفيضة، لكنهم يتأملون خيراً من اقتصاد لبنان. وفي الوقت الذي يطعن أبناء الوطن ومسؤوليه باقتصاد البلد، نجد أنهم في الخارج أكثر جدية، وأمانة، فمن في الداخل يحمل الأمانة؟

كاتب سياسي واقتصادي