التاريخ: حزيران ٢٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
حول اعادة صوغ «الكتلة الأكبر» - مشرق عباس
عندما شرعت المحكمة الاتحادية في العراق عام 2010، فتوى «الكتلة الأكبر» باعتبارها تتشكل داخل البرلمان، وليست «الكتلة الفائزة في الانتخابات» التي بات عليها خوض السباق ذاته بالقواعد ذاتها مع الخاسرين لتشكيل الحكومة، أصبحت عملية جمع تلك الكتلة، بمثابة لعبة مساومات وشراء وبيع مناصب وامتيازات حزبية، أكثر من كونها ترجمة لإرادة الناخبين إلى آليات تنفيذية، والأهم أنها سمحت بتكريس خيارات الخارج فوق الخيارات الوطنية.

وعلى ذلك، فإن كل التكهنات عن الكتلة الأكبر التي يحاول السيد مقتدى الصدر جمعها باعتباره يقود القائمة الفائزة في الانتخابات الأخيرة، لا تعدو أن تكون مراوحة في المكان نفسه، فالصدر نفسه يواجه حسابياً احتمال الذهاب إلى المعارضة، مثلما أن زعيم «دولة القانون» نوري المالكي الذي جاء خامساً في ترتيب الفائزين يواجه بدوره خيار تشكيل تلك الكتلة وحتى تزعمها.

يجب الإقرار بأن الخريطة التي أنتجتها الانتخابات الأخيرة تمنح الجدال حول الكتلة الأكبر زخماً إضافياً، وتفتح باب الاحتمالات على مصراعيه، فالخريطة تفرض إعادة صوغ المعايير لتشكيل الكتلة المنتظرة، عما كانت عليه في التجارب السابقة، لكن المعيار الأجنبي ما زال يمثل الثقل الأكبر، وسوف يستمر كذلك حتى تتغير فتوى المحكمة أو يعاد صوغ الدستور العراقي ذاته.

كان الصدر في لحظة إعلان نتائج الانتخابات، وضع فرضيات الشارع العراقي حول شكل الكتلة ضمن متبنياته، فهي عابرة للطوائف، وبذلك فإنه رفض ابتداء إعادة تشكيل كتلة «التحالف الوطني» الشيعية، ما أطلق التكهنات بأنه فتح على نفسه باب المواجهة ليس مع القوى الشيعية الداخلية فحسب، بل مع إيران ومندوبها السامي الدائم الجنرال قاسم سليماني.

وبعيداً من البكائيات الوطنية التي يرددها زعماء الأحزاب الشيعية والسنية والكردية معاً، فإنهم جميعاً متفقون على أن المواجهة مع سليماني، قد تدفع بهم إلى المعارضة وربما إلى خارج العملية السياسية، لهذا ترددوا في الاندفاع خلف دعوات الصدر، وماطلوا، وفتحوا حوارات جانبية بانتظار أن يدلي سليماني بدلوه.

ولم يتأخر الجنرال، لكن تدخله كان مختلفاً عن توقعات الزعماء العراقيين الذين فزعت قلوبهم ترقباً ووجلاً، فليس لإيران مصلحة بفرض المقربين منها على رأس الحكومة الحالية ولن تجازف بذلك، وليست لديها مصلحة في وصول الصراع الشيعي - الشيعي في العراق إلى مرحلة الحرب الأهلية، كما أن ليس من مصلحتها التصعيد مع الصدر الذي بدا أنه يقود التيار العراقي الأكثر نقمة على سياسات إيران، وهي السياسات التي تواجه للمرة الأولى، قناعات متنامية بأنها تقف خلف منع إنتاج حكم رشيد وناجح في العراق يقوده شيعته.

قبلت إيران بمطلب عدم تشكيل «التحالف الشيعي»، لكنها رفضت في الوقت ذاته أن يكون هناك تحالف عابر يختار رئيس الوزراء، فتلك سابقة، قد تنتج على المدى البعيد حكومات خارج السيطرة.

وكان الحل سطحياً، يلعب على الشكليات، ولا يغوص في الصميم، فأن تجتمع الكتل الإسلامية الشيعية لاختيار ثلاث شخصيات لرئاسة الوزراء لعرضها على «الفضاء الوطني» السني والكردي، وأن يتم إشراك هذا «الفضاء» في «كتلة عابرة» مهمتها الحصرية الاختيار بين المرشحين الثلاثة، مجرد «حيلة شرعية» من النوع المكرر والمجرب، تماماً كمفهوم «التكنوقراط الحزبي» الذي حل محل «التكنوقراط المستقل».

بعض المطلعين يعتبرون تحالف الصدر المفاجئ مع «الفتح» ومن ثم مع «النصر» وقبل ذلك مع «الحكمة» و «الوطنية» ترجمة لكل ما سبق، وأن الصدر يفهم جيداً صعوبة المواجهة مع سليماني وأخطارها، كما يفهم أن إنهاء «التحالف الوطني» خطوة في الاتجاه الصحيح يجب عدم إهدارها، فيما العبادي الذي ما زال يعد المرشح الأكثر أولوية لدى الصدر، سيجد في «خلطة العطار الجديدة» فرصة مضاعفة لتجديد ولايته، وأن ذلك سيدفع الأميركيين إلى تشجيع الحل الإيراني، ودعم الحوارات حوله.

في الغالب ستنجح جهود إنتاج «كتلة الفضاء الوطني» الجديدة، وسيتم تجاوز الخلافات حولها، لكنه سيكون نجاحاً موقتاً فقط، فما زالت الأسئلة حول الأزمات الوطنية الكبرى التي قادت إليها التجارب السابقة غير مجاب عنها، ولا نتوقع أن تكون الإجابات قريبة.