التاريخ: حزيران ٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
البلوكات البرية بعد البحرية - فريد الخازن
"البلوكات" البرية بعد البحرية
"بلوكات" النفط البحرية قبالة الشاطئ اللبناني وصلت مفاعيلها الى البر. مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، في اطلالتها السياسية الاولى، أفرزت بلوكات الكتل النيابية في معركة عنوانها الاحجام لتأمين السقف الاعلى من التمثيل في الحكومة العتيدة. معركة أحجام بواسطة كتل أصيلة وأخرى مركّبة لضرورات الفرز والضم. أما الصوت التفضيلي لمقترعي الوطن والمهجر فبات في عهدة بلوكات ما بعد الانتخابات. مرحلة اخرى انطلقت في مسار العملية السياسية، ومن ثوابتها المحاصصة في النفوذ والسلطة. كما ان ثمة محاور قيد التشكّل وأخرى مؤجلة، والبعض منها يبحث عن محاور حاضنة في بيئة اقليمية مضطربة وحافلة بالتناقضات. 

بعد "سكرة" الانتخابات جاءت "فكرة" التحالفات السياسية التي تظهرّت بعد الانتخابات، بينما كان الاجدى والاصلح ان تتلازم مع العملية الانتخابية، مثلما يحصل عادة في أي نظام ديموقراطي برلماني، وكما هو النظام السياسي في لبنان، أقله بحسب الدستور. صحيح ان الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات لا تعكس حالة "انقلابية"، الا ان الاستقرار السياسي أصبح أكثر التصاقا بالاعتبارات الطائفية والمذهبية وبات للخصوصيات حضورها الوازن. الركيزة الاكثر متانة تخص الثنائي الشيعي، الأكثر تضامناً في وجه تحديات الداخل والخارج بالمقارنة مع البيئات الاخرى. في البيئة السنية، لم تعد الكلمة الفصل حكراً على الحريرية السياسية، بينما الواقع السياسي في البيئة المسيحية، ولاسيما منها المارونية السياسية، أكثر تنوعاً وحدّة، قبل الانتخابات وبعدها. الحالة الدرزية، بخصوصياتها التاريخية والسياسية والمناطقية، في مرحلة انتقالية غير معهودة.

ومع الاقرار بان الانتخابات انتجت تمثيلاً أكثر تنوعاً وإن لم يكن أكثر عدالة، إلّا ان السؤال المطروح، هل لهذا التنوع قيمة مضافة لجهة اداء القوى السياسية؟ ماذا تغيّر، وما الرابط بين الانتخابات وقانونها والشأن العام، خصوصاً ان مضامين التباينات المعروفة ليست بالضرورة مسائل مرتبطة بمصالح الدولة والناس. انتخابات "الولايات اللبنانية المتحدة" ساهمت في تثبيت العصبيات المتنوعة، على حساب الشأن الوطني، المتراجع قبل الانتخابات وبعدها. ومع "شرعنة" الامر الواقع، يزداد الانفصام بين الانتخابات ونتائجها والنظام السياسي. الا ان المستجد حال من الضبابية تسود الاوضاع اللبنانية مع تراجع الركائز المعهودة للممارسة السياسية جراء تلاشي الاصطفاف الثنائي منذ 2005، اضافة الى الاوضاع الاقليمية المأزومة، وساحتها الاولى سوريا، حيث الاشتباك مفتوح على شتى الاحتمالات، ولبنان أكثر المعنيين بتداعياته.

هذا مع العلم ان فترة السماح التي أعطيت للبنان في السنوات الاخيرة في تراجع متواصل على المستويين الاقليمي والدولي. فما من جهة فاعلة إلّا وتعدّ العدّة لتأمين مصالحها على حساب الاخرين، خصوماً كانوا أم حلفاء. في النزاع السوري، قواعد الاشتباك لم تعد تخضع لضوابط معروفة ومجرّبة بعدما أصبحت اسرائيل طرفاً فيه، عسكريا وسياسيا. وفي ما يخص الدول الكبرى، الساحة السورية لم تعد تكفي لتلبية الطموحات في فترة الحصاد، أقله في حسابات البعض، وخصوصاً بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع ايران واعلانها الحرب السياسية والاقتصادية، وقد تأخذ منحى عسكرياً اذا تأمنت الظروف والادوات.

ففي حين ان لبنان لم يعد جائزة ترضية في البازار الاقليمي، الا انه الحلقة الاضعف. كما ان لبنان ليس في صلب المعادلات الاقليمية القائمة، الا انه على تخومها المتحركة. عناصر النزاع في سوريا لم تعد من "الصنف" المعهود، وكذلك التحديات التي يواجهها لبنان على كل الصعد، في الداخل ومع الخارج. التحديات قائمة ومواجهتها تتطلب تعاوناً صادقاً ومسؤولاً بين أركان الدولة والمكونات.