التاريخ: نيسان ٢٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
علي الأمين واللائحة وإعلامنا - حازم صاغية
بعد ثلاثة أيّام على الاعتداء عليه، ربّما توقّع علي الأمين أن يصله اعتذار من «حزب الله». هذا لم يحصل. ما حصل أنّ جريدة «الأخبار» ضمّت اسم الزميل والمرشّح المعتدى عليه إلى قائمة أسماء أخرى وصفتها بأنّها مستقاة من برقيّات سفارة دولة الإمارات العربيّة في بيروت. اللائحة شملت أسماء كتّاب ومثقّفين وصحافيّين وجامعيّين وسياسيّين وناشطين لا يجمع بينهم إلاّ القليل. يجمع بينهم أنّهم وُلدوا شيعةً وأنّهم يعارضون «حزب الله». جريدة «الأخبار» عثرت على قاسم مشترك ثالث هو أنّ الإمارات «تدرس» تمويلهم في الانتخابات اللبنانيّة.

اللائحة المذكورة لا تقول شيئاً لكنّها توحي بأشياء. والإيحاء، كما نعلم، مُستمسَك خطير عند السلطات التي تعتمد الترميز والغمز واللمز والوشاية.

أصحاب الأسماء تمّ ترفيعهم من «شيعة سفارة» واحدة إلى «شيعة سفارات» عدّة، أي من جواسيس إلى جواسيس مزدوجين ومُتربَلين. الترفيع هنا يشبه رفع الرأس بما يقرّبه من حبل المشنقة: إذاً الاعتداء على علي الأمين كان مبرّراً! إذاً لا بأس باعتداءات مشابهة على رفاقه في اللائحة! تجربة زياد عيتاني لم تعلّم شيئاً. ولن تعلّم.

والحال أنّ الإعلام لا بدّ أن يتأثّر بالتحلّل الذي يصيب مجتمعاً من المجتمعات. قد يتصدّى للتحلّل، وقد يسدّ أنفه ويتوهّم صون نفسه بالنأي بعيداً، وقد يغطس في الوحل... فيزيده توحيلاً. والوحل يتّخذ صيغة التشهير أساساً: الشخصيّ منه والبورنوغرافيّ والاجتماعيّ، ولكنْ أيضاً السياسيّ. هذه ليست أوجهاً منفصلة. إنّها أوجه مختلفة لشيء واحد. لثقافة وقيم لا يعني أصحابَها الاشتراكُ مع سواهم في دورة حياة وفي وطن ومجتمع وفي سويّة أخلاقيّة. الصورة المثلى عن الاجتماع تُشتَقّ، والحال هذه، من الحرب الأهليّة التي تتناسل حرب زواريب وعائلات وبيوت مصحوبة بتهديدات وخطف وتهريب سلاح ومخدّرات. هذا ما لا تقوى عليه إلاّ رثاثةٌ أنتجها تراكم التحلّل وما يفرزه من سقاطات يصعب اندراجها في معنى اجتماعيّ محدّد.

التشهير ينتهي غالباً بتوصية أو بدعوة لتأديب «الفأر» المُشهَّر به: يُستنجَد بالسلطة الدينيّة أو العائليّة أو السياسيّة أو الأمنيّة لردع هذا الكائن «النافر» و «الشاذّ». وفي التشهير ينعدم التمييز بين المهن. يحصل ارتداد إلى ما قبل تقسيم العمل كإنجاز تاريخيّ: بالسكاكين يُكتب وبالعبوات يُفكَّر وبالرصاص يقال القول. من يملك المواصفات هذه يغدو صحافيّاً، وكاتباً أيضاً.

ولبنان المتحلّل لا يكاد يخرج من تشهير حتّى يدخل في آخر، والنفاق قاطرة التشهير: «التمويل الإماراتيّ» يروّج له طرف يتباهى بولائه لحزب تموّله إيران، والحزب يتفاخر بذلك.»الحرص على الديموقراطيّة» يعلنه مَن لا يطيقون معارضة «حزب الله»، ولا يحتملون صوتاً غير صوتهم داخل الطائفة الشيعيّة. هم مع حرّيّات الفضاء العامّ لكنّهم لا يطيقونه حين يتّسع لصورة علي الأمين. الاختلاف معهم وعنهم يُدفَع إلى حدود الدم. ومن النفاق أيضاً أن يبدو مُسوّغ الاحتلال في سوريّة تحرّريّاً في لبنان، وأن يكون المتحمّس للعلمانيّة و»تغيير الإنسان» متمسّحاً بحزب دينيّ وطائفيّ في آن واحد.

لا شكّ أنّ التهافت وضعف الحجّة من مزايا هذه «المدرسة». ذاك أنّ عبارة أو عبارتين موروثتين عن الأجداد، حول «الوطنيّ» و «العميل»، لا تزنان شيئاً في عالم شديد التعقيد في واقعه وفي أفكاره. لكنّ ضعف الحجّة وصخبها، بوصفهما تعطيلاً للنقاش، هما حاجة المتكتّم عن شيء، عن جرائم كبرى شهدها العام 2005 وكان لا بدّ من محوها بحرب هي جريمة أكبر. وليس بلا دلالة أن تترافق الولادة نفسها مع الحاجة إلى تطبيع الجريمة وجعلها طريقة حياة.

لقد فوّت أصحاب هذا الكلام فرصة الدفاع عن «المقاومة» بما يجعلها شيئاً محترماً. أضيفت إلى قلّة الهيبة قلّة هيبة أخرى.