التاريخ: نيسان ٢١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
نحتاج 161704 أشخاص لمراقبة اقتراع 82000 مغترب! - طنوس فرنسيس
في الدورة الإنتخابية القادمة (2018) ينتخب المغتربون اللبنانيون مرشحي الدوائر حيث قيود سجلاتهم في لبنان، بينما في الدورة ما بعد القادمة (2022) فسينتخب المغتربون مرشحّين من بينهم حيث يقيمون.  

مع ذلك يستمرّ بعض المتعاطين، في الإغتراب، بالشأن الانتخابي اللبناني، لا سيما منهم المرتبطين بأحزاب وتيارات سياسية لبنانية، بالترويج لمحاسن أن ينتخب المغتربون مرشحي دوائر قيود سجلاتهم في لبنان على حساب تخصيص مقاعد لهم حيث هم.

علاوة على أن هذا الطرح هو ضد مصلحة المغتربين من حيث المبدأ كما كتبنا في مناسبات سابقة، فقد جاءت الوقائع الإنتخابية حتى الآن لتؤكد ذلك وأموراً أخرى منها:

1 خلو البرامج والخطب الإنتخابية في لبنان من أي بند إغترابي،

2 السياق التطبيقي لهذا الطرح - أن ينتخب المغتربون مرشحي دوائر قيود سجلاتهم في لبنان - جاء - من حيث لا يقصد - ليؤكد طبيعيّة وضرورة وصحة الطرح المعاكس، أي تخصيص مقاعد للمغتربين،

3 إن هذا الطرح - الطرح الأول - تفتيتي بامتياز وينحاز لتبعيّة المغترب ضد استقلاليته،

4 أن التطبيق العملي لهذا الطرح مكلف، غير ممكن ومشكوك دوما بنزاهته،

5 قد تتخذ الطبقة السياسية من هذا الطرح حجة لإلغاء حق المغتربين بالانتخاب، بالكامل.

لندخل في التفاصيل:

1 خلو البرامج والخطب الإنتخابية من أي بند إغترابي،

تصفحتُ الكثير من البرامج والخطب - ومن غير الممكن عملياً تصفحها كلها - فلم أعثر على بند إغترابي واحد فيها، فهل يستطيع أحد منكم أن يرشدني الى واحد منها؟! وإذا كان أكثر من 90% من الوعود الإنتخابية المتضمنة في تلك البرامج والخطب تجد طريقها سريعاً بعد الإنتخابات الى سلة المهملات فما بالكم بما لم يُؤتَ حتى على ذكره في تلك الوعود؟! المرشّحون كانوا منسجمين مع أنفسهم في تجاهلهم لمصالح المغتربين. متى ينسجم أولئك "الملكيون اكثر من الملك" من "القادة" الإغترابيين مع أنفسهم وينحازوا للمطالبة بتخصيص مقاعد لمغتربيهم؟!

2 السياق التطبيقي لهذا الطرح جاء - من حيث لا يقصد - ليؤكد طبيعيّة وضرورة وصحة الطرح المعاكس، أي تخصيص مقاعد للمغتربين، إنّ من ينظر في البرامج أو حتى من يستعرض أسماء اللوائح يدرك أنّ اهتمامات المرشحين تنقسم الى مستويين: الأول وطني عام تدل عليه أسماء من مثل "كلنا وطني"، " نبض الجمهورية"، "التغيير الإكيد" ...الخ، والثاني محلّي يختصّ بالدائرة أو القضاء تدل عليه أسماء من مثل "وحدة إنماء بعبدا"، "المتن القوي"، "عكّار السيادة"، "زحلة الخيار والقرار"... الخ، وهذا طبيعي جداً إذا ما اعتبرنا أنّ للنائب دورين: الأول وطني عام يختصّ برسم السياسات والتشريع والمراقبة...الخ، والثاني محليّ إنمائي... الخ، السؤال: أين هي اللائحة التي تحمل اسم أوستراليا، مثلا، لا بل أين هو المرشح الذي سيهتم بالمصالح الإغترابية ذات الجذر اللبناني؟! لا وجود له في هذا الطرح، من هنا أهمية وضرورّية وصحة الطرح الآخر أي تخصيص مقاعد للمغتربين.

3- إن هذا الطرح تفتيتي بامتياز وينحاز لتبعية المغترب ضد استقلاليته، بلغ عدد اللوائح حوالي الثمانين لائحة. تصوروا أي انقسام سيحصل في الجاليات اللبنانية حول العالم فيما لو كان فيها أتباع أو مؤيدون - وهذا أمر ممكن - لكل واحدة من تلك اللوائح، والأنكى أنه لدينا 618 مرشحاً وبنعمة "الصوت التفضيلي" لا يكفي أن يحصل الإنقسام على مستوى اللوائح بل يجب أن يتعدّاه الى مستوى المرشح، يعني 618 حالة انقسامية ممكنة. والأمر الأشد غرابة هو أنّ تلك الإنقسامات تحصل حول مسائل لا علاقة للمصالح المحليّة - ذات الجذر اللبناني - للجاليات بها. على العكس من ذلك، كان من شأن تخصيص مقاعد للمغتربين أن يدفع الجاليات لمناقشة مصالحها الإغترابية واتخاذ مواقف مستقلة منها لا فرق إن كانت تلك المواقف موحدة أو متعددة، ففي الحالتين الأمر صحي وطبيعي ومفيد.

4 أن التطبيق العملي لهذا الطرح مكلف، غير ممكن ومشكوك دوما بنزاهته،

عدد أقلام اقتراع المغتربين بلغ 232 قلماً، على الحكومة أن ترسل على الأقل مراقبين إثنين لكل قلم لمراقبة عملية الإقتراع أي 464 مراقبا لم تعلن بعد وزارة الداخلية قدرتها على ذلك، كما أنّ اللوائح والمرشحين يظهرون عجزاً عن تأمين مندوبين عنهم في أقلام المغتربين، كما هومعمول به في لبنان، للتأكد من سلامة العملية الإنتخابية ونزاهتها. (ولنا عودة مسليّة لهذا الموضوع).

النائب بطرس حرب ذهب أبعد من ذلك إذ قال:"... يكون لبنان الدولة الوحيدة التي حوّلت العالم دائرة انتخابية واحدة على المرشحين أن يجوبوها للتواصل مع ناخبيهم وهو أمر يستحيل على أي مرشح..." وسأل: "من سيراقب العملية الإنتخابية في بلاد الإنتشار..." "... وما الذي يضمن عدم التلاعب بالمظاريف التي تودع فيها أوراق الإقتراع قبل إرسالها الى وزارة الداخلية..؟."

5 قد تتخذ منه الطبقة السياسية حجة لإلغاء حق المغتربين بالإنتخاب، بالكامل.

أمام شبه الإستحالة والتعقيد والتكاليف الباهظة والنزاهة الشكوك فيها دوما، المشار إليها أعلاه، وأمام الدراسات التي تشير الى أنّ "... تأثير أصوات الناخبين المغتربين على الإستحقاق الإنتخابي ضئيل إذ استطاعت جميع القوى السياسية تحقيق أرقام متقاربة في بلاد الإغتراب..." (كمال فغالي)، وإذا ما أكّدت نتائج الإنتخابات صحة تلك الدراسات ولم يؤمّن الصوت الإغترابي أرجحية لطرف على طرف فينتفي بذلك السبب الحقيقي - الخفي - الذي من أجله كان انتخاب المغتربين، أمام كل هذه المعطيات وأمام استمرار "الملكيين أكثر من الملك" برفض تخصيص مقاعد للمغتربين فلا نستبعد أن تتخذ الطبقة السياسية من ذلك الرفض حجة لإلغاء انتخاب المغتربين من الأساس.

أخيرا، وكما وعدنا أعلاه، لنبتعد قليلا عن الجديّة الصارمة، فقليل من التسلية والكاريكاتور في نهاية مقال طويل لا بأس به.

قلنا أنّ عدد أقلام الإقتراع للمغتربين بلغ 232 قلما وأن عدد الموظفين الذين سيتولّون تنظيم العملية الإنتخابية هو – بالحد الأدنى – 232 × 2 = 464 موظفاً. من جهة أخرى عندنا 77 لائحة وكل لائحة من حقها أن ترسل مندوبا عنها الى كل قلم لمراقبة العملية الإنتخابية للتأكد من نزاهتها - نحن نعلم أن ليس كل أقلام الإقتراع مفتوحة لكل الدوائر ولكن يوجد ما يزيد على المئة قلم كذلك لكن دعونا نستكمل حساباتنا الكاريكاتورية على هذا الاساس- فلو أرسلت كل لائحة مندوبا واحداً الى كل قلم يكون عدد مندوبي اللوائح 77 × 232 = 17864 مندوباً. ولا تنتهي اللعبة هنا، فعندنا 618 مرشحاً، وكما أشرنا سابقا، وبنعمة "الصوت التفضيلي"، فليس المرشح على اللائحة المنافسة هو المرشح المنافس الوحيد إذ تحوّل المرشح الحليف على نفس اللائحة الى منافس أيضاً، وفي هذه الحالة على كل مرشح في، أية لائحة كان، أن يرسل مندوباً عنه الى كل قلم، فمندوب اللائحة لا يكفي إذ قد يكون منحازاً الى مرشح من اللائحة دون آخر، فيكون عدد مندوبي المرشحين 618 × 232 = 143376 مندوب مرشح.

الخلاصة، يجب أن يتواجد في كل قلم: 2 موظف + 77 مندوب لائحة + 618 مندوب مرشح = 697 شخصاً، فلنوسّع القاعات إذن. وعلى مستوى العالم يلزمنا: 464 موظفاً + 17864 مندوب لائحة + 143376 مندوب مرشح = 161704

161704 أشخاص لمراقبة إنتخاب 82000 مغترب!!!

بعد صحن الحمص إلى غينس مرّة أخرى.