التاريخ: نيسان ١٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
الانتخابات العراقية: جيوش إلكترونية ومزاد لشراء أصوات الناخبين
بغداد – حسين داود 
بدأت الأحزاب والتحالفات السياسية سباقها لكسب أصوات الناخبين، وتحركت الجيوش الإلكترونية التي تعتمد عليها تلك الأحزاب للترويج المبكر، حتى إن الفايسبوك بدأ يزخر بالمنشورات والدعايات الانتخابية قبل انطلاق الحملة الدعائية بشكل رسمي.

ويدخل التنافس بين الأحزاب العراقية في الانتخابات التشريعية المقبلة منحى آخر كلما اقترب موعد الاقتراع في أيار (مايو) المقبل، واجتاحت الأجواء الانتخابية ظاهرة بيع وشراء أصوات الناخبين مقابل مبالغ مالية تخضع لمزاد يعتمد على الرقعة الجغرافية وطبيعة التنافس عليها، فيما غزت صفحات ممولة «فايسبوك» باتت تعرف بين الأوساط الشعبية والسياسية بـ «الجيوش الإلكترونية» مجهولة المصدر تستهدف تسقيط الخصوم عبر أخبار وصور مفبركة.

وفي الوقت ذاته، بدأت الأحزاب والائتلافات تتحرك لشراء أصوات الناخبين وبطاقاتهم الانتخابية كما ظهرت منشورات على الـ «فايسبوك» تشكك في التصويت الإلكتروني وإمكان الاعتماد عليه في منع عمليات التزوير داخل مراكز الاقتراع.

ويبلغ عدد الناخبين العراقيين الذين يحق لهم التصويت أكثر من 24 مليون شخص (بزيادة بلغت 4 ملايين ناخب عن الانتخابات السابقة في العام 2014)، يختارون 328 نائباً في البرلمان، ويشارك في الانتخابات أكثر من سبعة آلاف مرشح ينتمون الى 143 حزباً و27 تحالفاً انتخابياً.

وقررت مفوضية الانتخابات إجراء الاقتراع في الانتخابات المقبلة، وفق نظام إلكتروني في التصويت عبر بطاقة انتخابية يتم إدخالها في أجهزة إلكترونية في مراكز الاقتراع للتأكد من أحقية الناخب في التصويت قبل أن يُمنح ورقة الاقتراع في خطوة بررتها المفوضية للحد من عمليات التزوير. ولكن الواقع يشير الى إمكان الالتفاف على ذلك وهو ما أكدته مفوضية الانتخابات نفسها.

الأسبوع الماضي، أعلنت المفوضية في بيان أن أخباراً تفيد بوجود «عمليات منظمة على أساس بيع وشراء بطاقات الناخبين الإلكترونية أو استخدام طرق ملتوية في بث الإشاعات في عمليات الشراء والبيع لأصوات الناخبين منها الاستعداد لاستخدام طرق كفيلة بضمان آلاف الأصوات لمرشحين مقابل مبالغ مالية».

كتل سياسية عديدة أبدت مخاوفها من هذه الظاهرة، شملت حتى رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي أعرب نواب من كتلته «النصر» عن مخاوفهم من عمليات تزوير، فيما اعتبر العبادي أن بيع البطاقة الانتخابية «جريمة» وهدد من يقدم على البيع بعقوبة تصل الى السجن لأكثر من 15 عاماً، ولكن مزاد البيع بات متداولاً ويبلغ معدل سعر البطاقة بين 50 و500 دولار أميركي.

ولكن السؤال الأهم، اذا كان التصويت عبر البـــطاقة الانتـــخابية يضمن عدم التزوير كما تقول المفوضية، لماذا تسعى قوى سياســــية الى شراء البطاقات الانتخابية؟ ما يعـــني أن هذه القوى تمتلك سلطة لإدخال هذه البطاقات الى المراكز الانتخابية، وتمريرها عبر الجهاز الإلكتروني ومن ثم التصويت من دون حضور الناخبين.

ومن المفترض أن تقوم قوات الجيش والشرطة بحماية مراكز الاقتراع المنتشرة في عموم البلاد، في يوم الاقتراع العام على أن يصوّت عناصر القوات الأمنية قبل يومين من الاقتراع العام، ولكن فوضى أمنية وانتشار تشكيلات مسلحة مناطقية قد تستغل نفوذها على المراكز الانتخابية ضمن رقعة نفوذها الجغرافي.

ومثلاً في المناطق المحررة، أخيراً من «داعش»، الأنبار وصلاح الدين والموصل، تخشى كتل سياسية من سطوة تشكيلات مسلحة عشائرية تسيطر على المشهد الأمني فيها. بعض هذه التشكيلات يشارك فعلاً في الانتخابات المقبلة، أما البعض الآخر فمتحالف مع قوى سياسية، وقد تنعكس هذه السطوة على توجيه مسار الانتخابات. وهناك أمور أخرى تتعلق بمشاركة النساء في الانتخابات. ففي السنوات الماضية كان معظم الرجال في مدينة تكريت يصوتون بدلاً من زوجاتهم وبناتهم، إذ لا يسمحون لهن بالخروج الى أقلام الاقتراع. لكن اعتماد التصويت الإلكتروني هذا العام سيعرقل هذه العملية، ما يعني انه في حال عدم السماح للنساء بالخروج الى المراكز الانتخابية فإن نسبة التصويت في هذه المدينة ستنخفض الى النصف.

في المقابل، فإن المحافظات المستقرة وسط وجنوب البلاد، رغم حسمها الجدل الذي دار قبل أشهر حول عدم مشاركة قوات «الحشد الشعبي» في تأمين الانتخابات الى جانب الجيش والشرطة، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من نفوذ هذه القوات التي تمتلك نفوذاً مناطقياً عبر مكاتب منتشرة في غالبية المدن والبلدات. ويأخذ التنافس الانتخابي بين الأحزاب أشكالاً جديدة،عبر «جيوش إلكترونية» مدفوعة الثمن على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومنذ أيام يلاحظ العراقيون انتشار العشرات من الصفحات الممولة على «فايسبوك» الموقع الأكثر شعبية بين العراقيين تدعوهم للانضمام لها، وتحمل منشوراتها دلالات سياسية لا تخلو من تشويه سياسيين وأحزاب، فيما خرقت قوائم انتخابية قوانين المفوضية وشرعت بالحملات الانتخابية قبل موعد انطلاقها المقرر في 14 نيسان (ابريل) الحالي مستغلة صعوبة ملاحقتها قانونياً على المنافذ الرقمية.

وتستخدم هذه الصفحات منشورات كوميدية وأخرى اجتماعية لإخفاء أهدافها، ولكن لمحة بسيطة الى منشوراتها تكشف تبعية الصفحة عبر الإشادة بسياسيين أو مهاجمة سياسيين آخرين، ولكن المؤشر الأخطر يتمثل في صناعة وتبني هذه الصفحات أخباراً مزيفة وشائعات ترتكز على ملفات فساد، يتم تمويلها لجلب أكبر قدر من المتفاعلين. ويتندر العراقيون ببدائية تعاطي السياسيين مع مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتهم الانتخابية، وتحولت اسماء العشرات من الصفحات العامة الشهيرة التي تضم آلاف المتابعين الى أسماء كيانات سياسية ومرشحين بعد شرائهم هذه الصفحات من القائمين عليها. ويبدو أن التنافس بين القوى السياسية حتى على بضع عشرات الأصوات مرتبط بطبيعة القانون الانتخابي، والتحالفات السياسية العديدة حتى داخل الحزب الواحد ما يفضي الى تشتت أصوات الناخبين بين قوى سياسية عديدة على عكس ما كان في العمليات الانتخابية السابقة.

ويرى سياسيون ومحللون أن حصول تحالفات انتخابية على اكثر من 70 مقعداً لم يعد وارداً، ما يعني أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون أكثر تعقيداً لجهة الحاجة الى مفاوضات معقدة تضمن مشاركة الجميع في الحكومة، حتى تلك القوى التي تمتلك بضعة مقاعد قد تكون حاسمة في رسم شكل الحكومة المقبلة.