التاريخ: آذار ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
رماد الديكتاتوريات حين يُذرّ في العيون - مرح البقاعي
بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لسقوط نظام صدام حسين في العراق، وخلال اللقاء الصحافي الدوري للناطقة الرسمية باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، سألها أحد الصحافيين إذا ما كانت الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب سوف تعتذر لشعب العراق عن الحرب التي شنتها على بلادهم، بما أن بعض من اختلق معلومات غير دقيقة لتبرير الدخول إلى العراق هم الآن ضمن هذه الإدارة؟

واعتمد الصحافي في سؤاله على تصريح الناطقة الرسمية للبيت الأبيض، سارة ساندرز، رداً على سؤال حول شرعية إعادة انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث قالت ما مفاده إن الولايات المتحدة لا تملي على الدول الأخرى كيف تعمل. وقد تساءل الصحافي ما إذا كان تغيير النظام في العراق بالقوة يقع في دائرة ما تحدثت عنه ساندرز من التدخل في عمل الدول الأخرى!

بغض النظر عن إجابة ناورت، وما إذا كانت مقنعة أم لا، فإن السؤال الذي يتكرر في الشارع الأميركي في الذكرى الـ15 لحرب العراق هو حول شرعية هذه الحرب أيضاً. كما أن الشعار الذي رفعه الرئيس ترامب «أميركا أولاً» قد أثار حالة شعبية تتمسك بكل ما هو قومي أميركي مبتعدة شيئاً فشيئاً من ميدان التأثير والفعل في الساحة الدولية، إلا في حدود ما يهدد الأمن القومي الأميركي.

وقد تمدد هذا الانكفاء الأميركي عن الساحة الدولية خلال فترتي حكم باراك أوباما وحتى اليوم في السنة الأولى من إدارة ترامب. فلم تشهد السنوات الثماني من حكم أوباما أحداثاً دولية كبرى باستثناء الانسحاب الأميركي من العراق في ليل، والتوقيع على الاتفاق النوري الإيراني السيّئ السمعة، وهو في موضع جدل كبير اليوم ضمن أروقة الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والبنتاغون.

أما في السنة الأولى من عهد ترامب وحكم الجمهوريين، فكانت ضربة مطار الشعيرات «الرمزية» للنظام السوري الحدث الأمضى تأثيراً للولايات المتحدة في الموضوع السوري الذي يشكّل منذ سنوات الاهتمام والشغل الشاغل للمجتمع الدولي والاقليمي حكوماتٍ وشعوباً ومنظمات دولية.

وقد خرجت علينا صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً بمقال أثار العديد من ردود الأفعال في الأوساط المتابعة للشأن السوري في الولايات المتحدة، وبين أطراف المعارضة أيضاً. فقد كتب ماكس بوت في مقالة له تحت عنوان «لإنقاذ السوريين دعوا الأسد يفوز»، يدعو فيها ‏الولايات المتحدة إلى ترك بشار الأسد يفوز بالحرب، وبالسرعة الممكنة، لأن المعارضة لا يمكن أن تربح الحرب أمام قوات روسيا وإيران.

يقول ماكس بوت: «في 2012، انضممت إلى العديد من الأصوات التي كانت تدعو إلى قيام الولايات المتحدة بفرض منطقة حظر جوي لوقف وابل البراميل المتفجرة البربرية للأسد، وتقديم المساعدات للجيش السوري الحر للإطاحة به وبنظامه. ولو استمع الرئيس الأسبق أوباما لندائنا لكان من الممكن تفادي كارثة استراتيجية وإنسانية وقعت على سورية وأهلها». ويتابع: «وعلى رغم اعتقادي بأنني كنت على حق قبل سنوات ست، إلا أنني لا أستطيع تبنّي نفس الموقف اليوم، لا سيما بعد انخراط روسيا في الحرب منذ 2015. فالولايات المتحدة لن تستطيع مهاجمة الطائرات الروسية من دون المخاطرة بوقوعها في حرب مباشرة معها».

جاء الرد على هذا المقال سريعاً، ومن البيت الأميركي نفسه، ومن أحد أبرز الدبلوماسيين الذين اطلعوا بالملف السوري خلال تولي هيلاري كلينتون منصب رأس الديبلوماسية الأميركية، وهو السفير فريد هوف. نشر هوف مقالاً جوابياً في مركز البحوث «مجلس الأطلسي» قال فيه ساخراً من طرح بوت: «أنت تطلب من أميركا أن تترك الأسد يفوز بالحرب! لا عليك، فأميركا لا تعيق بأي حال تقدّم بشار الأسد عسكرياً. وأنت يا سيد بوت إنما تحاول دفع باب هو مخلوع أصلاً وبلا مفاصل... فمنذ تجاوز بشار الأسد كل الخطوط الحمر التي وضعها أوباما، ازدادت ثقته في قدرته على ارتكاب كل أنواع المجازر ضد السوريين من دون خوف من رد فعل أميركي يتجاوز الخطابات الغاضبة في الأمم المتحدة، طالما أنه لا يلجأ الى استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين».

اليوم، ينظر السوريون بعين الترقب إلى التغييرات السياسية التي أجراها الرئيس الأميركي في إدارته وتعيين شخص حازم على رأس الديبلوماسية الأميركية هو مايك بومبيو، وكذلك السفير جون بولتون مستشاراً للأمن القومي بدلاً من سلفه الجنرال ماكماستر. بولتون صاحب المواقف القوية والرؤية الثاقبة لضرورة إيقاف شرور إيران - حليفة الأسد - وتجفيف تمويلها للإرهاب العابر للحدود. ويعتقد السوريون بأن هذه التغييرات ستجلب بعض العدالة والإنصاف إلى السوريين الذين يعانون من تغول الميليشيات الإيرانية عليهم وعلى أرضهم.

فصل المقال في السؤال عما إذا كانت أميركا ستعتذر لبغداد عن إسقاطها الديكتاتور في 2003، وإشعالها حرباً طويلة الأمد لم تخمد حرائقها حتى اليوم، هو أن تكرّ سبحة اعتذاراتها للديكتاتوريات التي أفلتت من العقاب الشعبي بقدرة قادر. فهل لدى إدارة ترامب الحربية الجديدة قول آخر؟!
 

* كاتبة سورية