التاريخ: آذار ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الانتخابات وقانونها: "الولايات اللبنانية المتحدة" - فريد الخازن
مع انطلاق العد العكسي للانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل،، بدأ المرشحون والناخبون يكتشفون مضامين قانون الانتخاب ومفاعيله على العملية الانتخابية وعلى الاوضاع السياسية في البلاد. في انتخابات لبنان ما قبل الحرب، كانت ثمة لوائح محسوبة على الموالاة (أو العهد) وأخرى على المعارضة. أما اليوم فاللوائح خليط مبعثر وتناقضات تجمعها الضرورة. 

المجهول اللافت في الانتخابات سلوك الناخبين، لا بسبب النسبية غير المجرّبة فحسب، بل لأن المعركة الحاسمة ساحتها اللائحة الواحدة و"سلاحها" الصوت التفضيلي، والغاية منه تأمين العدد الأكبر من الاصوات لضمان الفوز للمرشح الفرد الذي قد لا يجمعه باللائحة سوى الحاصل الانتخابي. وفي هذا الاطار يبرز عامل المال على قاعدة "كِل مين إيدو إلو" لتأمين العدد الأكبر من الاصوات التفضيلية. رجال اعمال واصحاب ثروات كبرى يعطيهم القانون ميزة تنافسية. أما البرامج الانتخابية للائحة أو لمرشحيها، فهي مادة اعلامية ظرفية لا يقيم لها الناخب ولا المرشح أي اعتبار. فلكل لائحة تتجاوز الحاصل فائزون مضمونون وضحايا أكيدون. ضحية اخرى تفرض نفسها عنوانها الرأي العام، المشرذم داخل الصف الواحد وليس فقط بين اللوائح المتنافسة. 

لعل أبرز مفاعيل القانون انه يؤدي الى تقليص الحيّز السياسي الوطني للانتخابات لمصلحة العملية الحسابية الأكثر مردوداً للقوى السياسية في الدائرة الانتخابية. أما التحالفات الانتخابية، فقد لا تتجاوز، في بعض الحالات، اليوم الواحد. طبعاً لا يمكن التعميم، فالاعتبارات السياسية والطائفية والمناطقية في دوائر الثنائية الشيعية، مثلاً، تختلف عن الاعتبارات في دوائر ذات غالبية مسيحية أو في دائرة الشوف وعاليه وسواها. الواقع ان لكل دائرة انتخابية خصوصية لأسباب متنوعة، فلا الحسابات الانتخابية ولا التحالفات ولا طريقة ادارة المعركة تتشابه بين دائرة وأخرى، وكأن الانتخابات لا تجري في بلد واحد، والاصح في "الولايات اللبنانية المتحدة".

ومن مفاعيل القانون عدم المساواة في قيمة أصوات الناخبين لاسباب حسابية مرتبطة بعدد المقترعين في الأقضية المدمجة من جهة، وبينها وبين دوائر القضاء الواحد من جهة أخرى. والثغرة هنا تبرز خصوصاً في الاقضية المدمجة حيث يتم الانتخاب في القضاء ويحتسب ترتيب نسب الأصوات التفضيلية للمرشحين على اساس الدائرة الاوسع. كما ان النسبية المعتمدة في القانون يُسقطها الصوت التفضيلي وطريقة احتساب نسب الأصوات التفضيلية للمرشحين وكأن اللائحة غير موجودة.

وفي حين ان النسبية تُعطي الأحزاب هامشاً واسعاً في تشكيل اللوائح، الا انه سرعان ما يتراجع بسبب الصوت التفضيلي الموزع لمصلحة مرشحين محدّدين، بمعزل عن رفاق اللائحة. الأحزاب تؤثر في تشكيل اللوائح ويتراجع تأثيرها في ما يخص السلوك الانتخابي للمحازبين، خصوصاً في حال غياب التجانس السياسي المطلوب. عملية تجميع (collage) ومقايضة بين الدوائر لم يشهد لبنان مثيلاً لها في أي من الانتخابات النيابية منذ نحو قرن الى اليوم. وظيفة القانون عند اقراره كانت اخراج البلاد من المراوحة ومن مأزق محتوم، بينما الانتخابات تجربة جديدة، ينفرد بها لبنان في قانون لا مثيل له بين دول العالم، الأول والثاني والثالث وما دون.

في المحصلة، من المتوقع ان يسجل مجلس نواب 2018 درجات عالية من التشرذم السياسي. ولن يتمكن أي طرف من تأمين اكثرية تتجاوز ثلث مجلس النواب، وان كان الثنائي الشيعي والحلفاء أكثر تماسكاً بالمقارنة مع القوى السياسية الأخرى. أما التحالفات السياسية في مجلس النواب العتيد فهي منفصلة عن التحالفات الانتخابية، ومن هنا تبدأ عملية "الفرز والضم" في المعركة التي تلي الانتخابات.

¶ نائب وأستاذ للعلوم السياسيّة في الجامعة الأميركيّة ببيروت.