التاريخ: كانون ثاني ٣٠, ٢٠١٨
الكاتب:
المصدر: the network
 
التحديات الرئيسة أمام التنمية في الأردن ودور منظمات المجتمع المدني
ورقة الى ورشة عمل "الحوار الاجتماعي ودوره في تعزيز السياسات العامة لأجندة التنمية المستدامة 2030"
بات واضحاً في السنوات الأخيرة أن التنمية في الأردن هي في تراجع مستمر: 2،1 % عام 2017؛ 2،5 % عام 2016؛ 2،4 % عام 2015 ؛  3،1 % عام 2014 ؛ 2،3% عام 2013؛ 2،3 % عام 2012. وإذا علمنا بأن هذه النسب هي أقلّ من نسبة الزيادة السكانية السنوية (3%)، ودون احتساب الزيادة السكانية الناجمة عن الهجرة، فإنه يصحّ القول بأن التنمية متوقفة بفعل عوامل داخلية وخارجية باتت هي الأخرى معروفة. لقد تحوّل هذا التوقف الى تدهور خطير في الأوضاع الإقتصادية؛ إذ أن عدد المصانع والشركات التي تغلق أبوابها في تزايد مستمر؛ والصادرات في انخفاض وتسجّل حركة هروب لرؤوس الأموال والاستثمارات، ناهيك عن الإرتفاع الخطير جداً للمديونية التي تكاد تصل الى 95 % من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع العجز في الموازنة العامة. ومن بين أبرز مظاهر هذا التدهور الخطير ارتفاع نسب الفقر (20 %)، والبطالة (18،5 %)، خاصة بين الشباب، بمن فيهم أولئك الذين يحملون شهادات ما بعد التوجيهي. وأيضاً تدنّي الأجور وازدياد الضغوط المعيشية على قطاعات متزايدة من المواطنين.

 ساهمت الأوضاع الإقليمية الملتهبة في تفاقم أزمة الاقتصاد الأردني؛ إذ كان من نتائجها إغلاق المعابر الحدودية مع العراق وسورية، وتراجع حركة التصدير الى هذين البلدين. وأدى تدفق مئات آلاف اللاجئين الى زيادة الأعباء على الأردن واشتداد الضغط على الخدمات فيه وبروز مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية جراء هذا التدفق. كما تراجعت الاستثمارات الخليجية في البلاد تحت وطأة الأزمة التي تعاني منها دول الخليج بسبب تراجع أسعار النفط وازدياد نفقاتها العسكرية.

 من أجل معالجة هذه الأوضاع، أطلقت الحكومة عام 2015 وثيقة بعنوان «الأردن 2025: رؤية استراتيجية وطنية»؛ وفي عام 2017 تبنت «برنامج النمو الإقتصادي في الأردن 2018 ـ 2022». لكن هذه الوثائق ـ شأنها شأن العديد من الوثائق والبرامج والاستراتيجيات التي وضعت في السابق في مجالات مختلفة ـ لا يتم الإلتزام بها، أو سرعان ما يتم تجاوزها لأسباب مختلفة. ولنا فيما آلت إليه الأجندة الوطنية لعام 2005 ومخرجات لجنة الحوار الوطني عام 2011 أمثلة على ذلك. ولم يتمالك جلالة الملك عبد الله الثاني نفسه مؤخراً إذ عبّر عن ضيقه من هذه الحالة أمام رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية عندما قال: «الكلام كثير، والخطط والاستراتيجيات بالعشرات، والوعود متواصلة لا تنقطع، والآمال كبيرة، ولكن التنفيذ ضئيل أو معدوم».

تعاني البلاد منذ عقود من غياب خطة تنموية واضحة المعالم والأهداف، مبنية على تقديرات واقعية، ومنبثقة من إرادة وطنية وبشراكة بين الدولة والمجتمع، تأخذ بعين الإعتبار واقع البلاد وإمكانياتها وظروفها وقدرات أبناء الوطن وحشد مواردها المالية. وبدلاً من ذلك، اصبحت وصفات وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هي «السياسة» المطبّقة على الاقتصاد الوطني. يكاد ينحصر اهتمام هذه الوصفات بسدّ عجز الموازنة وزيادة الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن السلع الأساسية إلخ...إنها وصفات لمعالجة أوضاع مالية، لكنها أبعد ما تكون عن سياسة اقتصادية، وبالطبع لا يمكن اعتبارها خطة تنموية. وكتتويج لهذه السياسات الفاشلة والمطبّقة منذ عقود أصبح الاقتصاد الأردني يعاني في الوقت الحاضر من ركود شديد لا يبدو بأن الموازنة الأخيرة والإجراءات الاقتصادية والمالية التي أعلن عنها قادرة على إخراج الاقتصاد من هذا الركود.

واقع أوضاع حقوق الإنسان: صورة متشائمة

أما على صعيد واقع أوضاع حقوق الإنسان، فإن التقرير السنوي الثالث عشر عن حالة حقوق الإنسان في الأردن عن العام 2016، والصادر عن المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان قبل أشهر قليلة يعطي صورة متشائمة عن تلك الأوضاع، سواء فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، أو الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية. بإختصار، إن هذه الحقوق في تراجع واضح؛ ويُبرّر المسؤولون التشدّد تجاه الحريات العامة في السنوات القليلة الماضية بضرورة مواجهة حركات التطرف والإرهاب، وبضرورة الحفاظ على الأمن والإستقرار، ولتجنب وقوع البلاد فيما وقعت فيه أقطار مجاورة. كان يمكن الإقتناع ـ ولو جزئياً ـ بمثل هذه الحجج لو أن التشدد المشار اليه لم يكن سائداً قبل عام 2011، عندما اندلعت انتفاضات الشعوب العربية ضد القمع والإستبداد. إن مراجعة سريعة للتقارير المحلية والإقليمية والدولية عن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد قبل 2011 تشير الى أن السياسة ذاتها كانت سائدة، واضيف اليها المزيد من التشدّد بعد ذلك التاريخ وخصوصاً منذ نهاية 2012. أكثر من ذلك، تتمثل إحدى المؤشرات البارزة على عدم الإكتراث بوضع حد لإنتهاكات حقوق الإنسان وبتطوير أوضاع حقوق الإنسان بإصرار الحكومات المتعاقبة على تجاهل التوصيات الواردة في تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان بخصوص العديد من الحقوق، منذ بداية صدور التقارير السنوية عام 2005، بالرغم من مطالبة جلالة الملك بذلك قبل أربعة أعوام (2014). وها هو المفوّض العام للمركز الوطني، د. موسى بريزات يقرّ بلهجة مجاملة بهذه الحقيقة المرّة إذ صرّح قائلاً: «بأن لجنة اعتماد المؤسسات الوطنية تقرّ بأن الحكومة تتعاون معه (أي مع المركز الوطني)، لكن فيما يتعلق بالتوصيات فهذا موضوع آخر»!!! (صحيفة "الغد" بتاريخ 24/11/2016). 

نعم هناك إعلانات استعراضية وضجيج إعلامي حكومي يصمّ الآذان عن مدى احترام السلطات لحقوق الإنسان، لكن الانجازات على أرض الواقع محدودة جداً، كما تؤكد التقارير. والحال، إن الحكومات الأردنية تحترم حقوق الإنسان كما تحدد هي مفهومها لها وحدودها، وهما (المفهوم والحدود) يبتعدان في كثير من الأحيان عن تلك التي تعكسها الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة الأردنية. كما أن الباعث لجزء كبير من اهتمام الأردن الرسمي بحقوق الإنسان هو الرغبة في تلميع صورة الدولة في المحافل الدولية أكثر منه كونه تطبيقاً حقيقياً لحقوق الإنسان على أرض الواقع. يشهد على ذلك رفض الحكومات المتكرر للعديد من توصيات لجان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان وتوصيات مجلس حقوق الإنسان، وغضها الطرف أو إنكارها لوجود العديد من الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والحريات العامة، بما في ذلك التعذيب وإفلات مرتكبيه من العقاب.

التنمية البشرية والفجوة الجندرية: ترتيب الأردن في تقارير الأمم المتحدة

وحتى لا نظل نتحدث في عموميات ـ كما يقال ـ لنتفحص تصنيف الأردن عالمياً وفقاً لمؤشرات التنمية البشرية والفجوة الجندرية، كما ورد في التقارير الدولية المعنية بذلك. جاء ترتيب الأردن ضمن الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة خلال الأعوام 2005 ولغاية 2009، إضافة إلى العام 2011 حيث صُنّف بمرتبات بين (90 ـ 96) من أصل 186 دولة. جاء هذا الإرتفاع نتيجة جملة من المؤشرات المعتمدة في قياس دليل التنمية البشرية تمثلت في ارتفاع دليل التعليم (90،1) عام 2009 إلى (92،2) عام 2010. وارتفاع معدّل العمر من (72،9) عام 2009 إلى (73،1) عام 2010؛ وارتفاع معدل الدخل الفردي من 4901 دولار عام 2009 إلى 5965 دولار عام 2010. بعد ذلك تراجع تصنيف المملكة في عام 2010 ليصل الى المرتبة 82. وواصل التراجع في العامين 2012 و2013، فوصل الى المرتبة 100 في السنتين على التوالي. واستمر في التراجع في عامي 2015 و2016 ليصل الى المرتبة 80. ويعود التراجع الكبير الى جملة من الأسباب تتعلق بتفاقم مشكلة الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتباين مستويات التنمية بين المحافظات.

على صعيد آخر، استمر إتساع مؤشر الفجوة الجندرية بين الجنسين في البلاد حيث جاء الأردن في المرتبة 134 من أصل 144؛ ويعود الإنخفاض الى تراجعه في مؤشري الفرص والمشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي، علماً بأن مؤشر الأخير لم يحتسب التقدم المحرز في نسب النساء في مجلس الأمة أو تراجعه في المناصب الوزارية لعام 2016. وفي حين اقترب الأردن من ردم الفجوة في مجالي الصحة وفرص الحياة (0،996) والتحصيل العلمي (0،993)، إلّا انه لا يزال متأخراً في مجالي التمكين السياسي إذ جاء في المركز 123 من أصل 144 (0،073)، وفي الفرص والمشاركة الاقتصادية في المركز 138 من بين 144 دولة (0،381) ـ متقدماً بذلك فقط على المغرب وإيران واليمن والسعودية والباكستان وسورية، علماً بأن هذا المؤشر قد أظهر تحسناً طفيفاً من (0،350) لعام 2015 ، إلى (0،381) لعام 2016 والذي يعود بحسب تقرير الأمم المتحدة للتحسن المحرز في فجوة الأجور من (0،63) ألى (0،64).

أجندة 2030 للتنمية المستدامة: أي دور لمنظمات المجتمع المدني؟

في ظل هذه الأوضاع، وبخاصة التضييقات والقيود المفروضة على الحريات العامة، وتحديداً حريات التنظيم والاجتماع والتعبير، ليس مستغرباً ملاحظة ضعف دور منظمات المجتمع المدني، ليس في مجال التنمية وحسب، بل وفي التأثير على السياسات العامة إجمالاً. ويُعزى هذا الضعف الى القوانين الناظمة لتلك المنظمات، وهي قوانين تنطوي على شروط وقيود كثيرة مفروضة على عمل وحرية المنظمات، وتكرّس وصاية الأجهزة الحكومية عليها إضافة إلى تدخلاتها بأشكال مختلفة في عمل المنظمات تحت حججٍ وذرائع أمنية، وأحياناً بدون أية مبررات أو مسوّغات قانونية. ومن بين دراسات عديدة ظهرت في السنوات القليلة الماضية، نشير بشكل خاص الى الدراسة التي تحمل عنوان «دور المجتمع المدني في الحوار حول السياسات العامة في الأردن: قراءة تقييمية» (صدرت أواخر عام 2015) والتي أجراها الباحث د. أحمد عوض، مدير مركز «الفينيق» للدراسات، لحساب الإتحاد الأوروبي في إطار مشروعه «دعم منظمات المجتمع المدني: الحوار والمشاركة في الأردن». تخلص هذه الدراسة إلى أن ضعف البيئة التشريعية والقيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني، إضافة الى التدخلات الحكومية في شؤون النقابات ومنظمات المجتمع المدني تقف كمعوّقات تحول دون قيام المجتمع المدني بدور فعّال في تطوير السياسات العامة، كما ان الحكومات لا تعترف به أصلاً كشريك في البناء الوطني والتنمية.

إنها حقاً لمفارقة عجيبة تتمثل بين هذا الواقع المشار إليه آنفاً والخطاب الرسمي للمسؤولين الذين لا يملّون عن ترديد التصريحات التي تؤكد على دور منظمات المجتمع المدني، واعتبارها شريكاً في السياسات العامة، بما في ذلك التنمية بالطبع. أما واقع الحال، وكما تؤكده وقائع كثيرة، فإن المسؤولين يريدون لمنظمات المجتمع المدني أن تظلّ مجرد "ديكور" تستدعيها وقت تشاء وتدير معها "حواراً" شكلياً غير منتج لإسباغ "شرعية مجتمعية" على قراراتها وتوجهاتها وللظهور بمظهر «الدولة الديمقراطية» المكتملة الأركان أمام الدول المتنفذة في العالم كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

يعاني المجتمع الأردني منذ سنوات طويلة من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية كثيرة. وهذا المجتمع أحوج ما يكون إلى تضافر الجهود والتعاون بين مكوناته وبينه وبين الدولة من أجل العمل على حل هذه المشكلات تدريجياً بصورة تراعي الظروف الإقليمية والإمكانات المتوفرة. لكن ذلك يظلّ مرهوناً بالتوصل الى توافق وطني بين النظام السياسي والمجتمع حول أسس وكيفية إدارة الدولة وصياغة السياسات المنسجمة مع مصالح اغلبية المواطنين. شكّل «الميثاق الوطني» (1991) شكلاً راقياً من هذا التوافق الواعد؛ لكنه وضع على الرف من جانب النظام السياسي بعد فترة وجيزة من إقراره. والحال، إن الأردنيين ـ وبعد ما يقارب القرن على تأسيس الدولة الأردنية ـ لم يعرفوا طوال تاريخها سوى حكومة واحدة مشكلة من قوى المعارضة (عام 1956) عندما اتاحت أجواء الحريات الديمقراطية التي كانت سائدة آنذاك فوز قوى المعارضة في الانتخابات النيابية. وفيما عدا ذلك، فإن الحكومات المتعاقبة، حتى تلك التي جاءت بعد «الإنفراج السياسي» عام 1989، لم تكن ثمرة انتخابات تشارك فيها الأحزاب السياسية وقوى المجتمع الحيّة. بل إن القاسم المشترك لجميع القوانين الإنتخابية التي تعاقبت، والممارسات التي رافقتها هو الحيلولة دون حصول قوى المعارضة على أغلبية في مجلس النواب. وكما هو معروف، فإن قانوني الإنتخاب والأحزاب السياسية هما ركنا الديمقراطية الفعلية. وفي الأردن، لا يزال هذان القانونان وتطبيقاتهما تخضعان لسيطرة الأجهزة الأمنية وقوى الشدّ العكسي التي تفصّلهما وتطبّقهما بحسب مقاس مصالح النظام السياسي المحتكر للسلطة بشكل مطلق. إن هذا الواقع، إضافة لعوامل أخرى عديدة، هو الذي يفسّر إنعدام الثقة بين المحكومين والحاكمين، سواء أكانوا في السلطة التنفيذية أو التشريعية. وفي المحصلة، وبالرغم من توفر جميع «شكليات» الديمقراطية (مجلس نواب، هيئة مكافحة الفساد، أحزاب سياسية إلخ..)، فإن هناك غياباً شبه كامل للمحاسبة وغياباً للشفافية في كيفية إدارة شؤون واموال الدولة وصياغة السياسات. شكّل ذلك التربة المناسبة لنمو وتفاقم الفساد في الدولة والمجتمع، وهو ما تعاني منه البلاد منذ سنوات طويلة.

في ظل هذه الأوضاع السياسية والإجتماعية... ما هي الفرص المتاحة أمام منظمات المجتمع المدني لكي تلعب دوراً للمساهمة في تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة؟

قبل أن نجيب على السؤال، علينا أن نُذكّر بأن تحقيق أهداف تلك الأجندة غير ملزم للدول والحكومات قانونياً؛ وعليه، ومن خلال تجاربنا السابقة مع الحكومات، فإننا لا نعتقد بأن الحكومات الأردنية سوف تكون مصممة أو جادة في تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة. هذا لا يعني بأنها سوف تكون سلبية، بل على العكس؛ سوف تتعاطى مع الأجندة كمسألة "فنية ـ بيروقراطية"؛ إذ ستقوم بتشكيل لجان ووضع خطط وإجراء مشاورات وعقد اجتماعات، بما في ذلك مع منظمات في المجتمع المدني، بل وسوف تتخذ إجراءات. لكن هذه الإجراءات لن تكون فعالة وشاملة عند التنفيذ إلّا بمقدار ما تتقاطع أهداف السياسة الأردنية مع أهداف الأجندة في بعض الجوانب التي لا تعتبرها الحكومات أساسية أو مؤثرة على الإتجاهات الرئيسة للسياسات الحكومية في المجالات المختلفة (مثل الصحة والتعليم والتغير المناخي..). لعل القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومات الأردنية منذ عامين على الصعيدين الاقتصادي والحقوقي يؤكد ما ذهبنا إليه من توجّه النظام للتعامل مع الأجندة بطريقة انتقائية لا تؤثر على خياراته الأساسية في المجالات "الحساسة" (كالمساواة بين الجنسين على سبيل المثال).

أما على صعيد منظمات المجتمع المدني، فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه سيكون في جميع الأحوال غير مباشر، ويتمثل أساساً بمطالبة السلطات العمل على تنفيذ أهداف الأجندة، خاصة في المجالات التالية:

1)   تقديم مذكرات الى الحكومة ومجلس الأمة تُفصّل الإجراءات المطلوبة من أجل القضاء على الفقر والجوع وتحسين بيئة العمل، والضغط بمختلف الوسائل السلمية من أجل تنفيذ تلك الإجراءات.

2)   عقد ندوات متخصصة في مجالات الصحة والتعليم والمياه والطاقة والتغير المناخي والنقل من أجل الوصول إلى توصيات محددة في كل مجال، تُرفع بعدها الى الجهات الرسمية المختصة ومطالبتها بالأخذ بها في سياساتها وخططها.

3)   فتح باب النقاش واسعاً بين مختلف فئات الشعب حول عدم المساواة؛ وتعيين أوجه عدم المساواة هذه في المجالات المختلفة (العمل، التعليم، الصحة، الخدمات الأخرى/الريف ـ المدينة، بين الجنسين إلخ..)، ومن ثم صياغة التوصيات المطلوبة لمعالجة أوجه عدم المساواة وكيفية إزالتها وتقديمها الى الحكومة ومجلس الأمة والضغط عليهما للأخذ بها.

4)   تقديم المذكرات والعرائض وحشد المواطنين للمطالبة بتعديل طائفة كبيرة من القوانين التي تحد من الحريات العامة وحقوق الإنسان، مثل القوانين ذات الصلة بالحق في التنظيم والاجتماع والحق في حرية التعبير والصحافة والإعلام، وقوانين الاحوال الشخصية والعمل والبئية، وقانون استقلال القضاء وقانون الإنتخاب وقانون الاحزاب السياسية بما يتماشى مع الدستور الأردني والإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة الأردنية ونشر بعضها في الجريدة الرسمية منذ ما يزيد عن عشر سنوات.

5)   العمل على إطلاق حملات وطنية واسعة لمطالبة النظام السياسي القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية عميقة وشاملة وجادة تضع حداً لتجاهل الإرادة الشعبية والترهل والهدر والفساد؛ وتمكّن المواطنين من التعبير عن إرادتهم بحرية واختيار الأكفأ لحكم بلدهم وتحرير طاقاتهم المكبوتة، خصوصاً طاقات الشباب من أجل حلّ مشكلات البلاد المتراكمة منذ سنين. والإصلاحات المشار اليها باتت معروفة، بل ان العديد منها ورد ذكرها في الأوراق النقاشية لجلالة الملك، والتي لا يريد أحد من أصحاب القرار ـ كما يبدوـ الأخذ بها.  

بإختصار شديد: لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية، مستدامة أو غير مستدامة، تخدم تطور البلاد والمواطنين بغير الإعمال الكامل لحقوق الإنسان، جميع حقوق الإنسان بحيث يتمتع بها ويمارسها جميع المواطنين وبغير ممارسة الديمقراطية بأبعادها الكاملة، وفي مقدمتها الفصل الحقيقي بين السلطات ورفع القيود "القانونية" والعملية عن الأحزاب السياسية والعمل السياسي. وبغير ذلك سوف تظل التنمية في الأردن تدور في حلقة مفرغة، ولن يلمس المواطنون أي أثر ملموس ل «الخطط» و «البرامج» التي تعلن عنها الحكومات بين الحين والآخر.           

*  الرئيس السابق للجمعية الأردنية لحقوق الإنسان. 
أضغط هنا لتنزيل الدراسة