التاريخ: شباط ٢٢, ٢٠١٨
الكاتب:
المصدر: the network
حرية التنظيم والممارسة النقابية في الاردن
يكاد يشكّل وضع حرية التنظيم والعمل النقابي نموذجاً لما هي عليه وضعية حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد. السمة العامة لهذه الوضعية هي التراجع الكبير منذ سنوات، بخاصة فيما يتعلق بالحريات الأساسية كحرية التعبير والتنظيم. ومن يتصفح التقارير المحلية والدولية يجد الكثير من الأمثلة على هذا التراجع. 

إذا ما حصرنا اهتمامنا بحرية التنظيم والممارسة النقابية، وتحديداً العمالية، سوف يتبدّى لنا القصور في التشريعات التي لا توفّر الحد الأدنى من حماية حقوق العمّال، والانتهاكات التي تتعرض لها هذه الحقوق، فضلاً عن الضغوط المعيشية التي يفرضها الواقع الاقتصادي على شريحة واسعة من المواطنين لا تجد سبيلاً للدفاع عن حقوقها وكرامتها ولقمة عيشها. 

الأصل أن تكون حرية التنظيم والعمل النقابي هي الأساس في الدفاع عن هذه الحقوق، خصوصاً وان الدستور الأردني ينص في مادته السادسة عشرة على حق الأردنيين في تشكيل النقابات... فما هو واقع حال هذه الحرية ؟

تأسس الإتحاد العام لنقابات عمال الأردن عام 1954، وكان من المفترض أن يقوم هذا الإتحاد ـ خصوصاً وأنه جاء ثمرة لنضالات مجيدة للعمال النقابيين الأوائل ـ بتنظيم صفوف الطبقة العاملة وأن يكون خط الدفاع الأول عن حقوقها. وقد كانت بعض نقاباته تلعب بالفعل هذا الدور قبل أن تستفحل تدخلات السلطة التنفيذية ـ خاصة الأجهزة الأمنية ـ في شؤون الإتحاد، وذلك على مدى عقود طويلة. لقد تحوّل الإتحاد بسبب هذه التدخلات الفظّة التي اتخذت أشكالاً متعددة يعرفها جيداً المناضلون النقابيون، الى هيئة شبه حكومية منعزلة عن القطاع الواسع من العمال. وبدلاً من الدفاع عن حقوقهم تحوّل الى عائق كبير يحول بين قطاعات واسعة من العمال وبين تطوير نضالهم النقابي والاجتماعي والمطلبي. ساعد قيادة الأتحاد على تعطيل دوره قانونٌ للعمل ينحاز بوضوح الى أرباب العمل، خصوصاً وأن الإجراءات الحكومية وقراراتها وممارسة أجهزتها كانت تصب في معظم الأحيان لصالح أرباب العمل على حساب حقوق العمال. فهذا القانون الذي خضع لتعديلات في مرات عديدة ـ يتعارض في العديد من بنوده مع الدستور الأردني ومع الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة الأردنية (بل ونشر بعضها مثل العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية في الجريدة الرسمية، أي انها اصبحت جزءاً من النظام القانوني الوطني)، وأيضاً مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنظمة العمل الدولية. إضافة لذلك يفرض هذا القانون قيوداً عديدة على حرية العمل النقابي، ويتحكم في تشكيل النقابات، ويسمح للجهات الرسمية التدخل في شؤونها، ويعطّل عملياً السلاح الوحيد المتوفر بأيدي العمال لمواجهة استغلال وتسلّط أرباب العمل في بعض الأحيان، ونعني بذلك الحق في الإضراب، بالرغم من النص عليه شكلياً في القانون. 

كانت النتيجة لهذه الأوضاع أن قطاعات واسعة من العمال بدأت منذ نحو عقد من الزمن إلى الاعتماد على نفسها في خوض المعارك النقابية والمطلبية، واستطاعت لاحقاً تنظيم صفوفها في إطار إتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردنية، وهو الإطار الذي لا تزال الحكومة ـ بالرغم من مرور ست سنوات على تشكيله ـ ترفض الإعتراف به، لكنها تضطر في بعض التحركات المطلبية على التفاوض مع لجان العمال التابعة لذلك الإتحاد !   

إن الظروف الحالية التي يمر بها القطاع الأوسع من المواطنين الأردنيين، بخاصة الطبقة العاملة والفئات الشعبية الفقيرة هي اليوم أحوج ما تكون لممارسة حرية التنظيم والعمل النقابي لمواجهة التغوّل الحكومي المنفلت من عقاله الذي أصبح لا يتورع عن انتهاج سياسات خطيرة تلحق أفدح الأضرار، ليس فقط بالمستوى المعيشي للشعب، بل وبمصالح الوطن والدولة الأساسية. وللخروج من الواقع المؤلم والبائس للحركة النقابية والعمالية الأردنية، لا بد من العمل على تحقيق الخطوات التالية:

1)    إعادة النظر بالتشريعات العمالية، خاصة قانون العمل. وبما ان تعديل القانون رقم 26 لسنة 2010 مطروح حالياً للتعديل، فإن النقابات العمالية وسائر منظمات المجتمع المدني مدعوة بالحاح لتحديد مقترحاتها للتعديل وممارسة الضغوط على مجلس النواب للأخذ بها. هناك العديد من المواد التي تحتاج الى تعديل نشير اليها للفت الانتباه اليها وهي المواد : 2 و 25 و 31 أ ، 44 أ ، 52، 58، 72، 98، كما يجب التمسك بشروط العمل اللائق وفقاً لما هو مقرّ من قبل منظمة العمل الدولية، خصوصاً وأن العديد من هذه الشروط لا تزال غير متحققة للقطاع الأوسع من العمال. ونشير بهذا الصدد الى المذكرة التي رفعها « المرصد العمالي» بداية شباط 2018 الى لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان في مجلس النواب والتي تتضمن مقترحات مهمة في هذا المجال يمكن البناء عليها وتطويرها.

2)    المباشرة في ممارسة التعددية النقابية، لأنها احدى عناصر الحريات النقابية التي لا غنى عنها. وفي المجال ينبغي عدم التوقف عن مطالبة الحكومة بالانضمام الى الاتفاقية رقم 87 الخاصة بحماية حرية التنظيم النقابي. 

3)    اللجوء الى الوسائل الديمقراطية السلمية كافة لوقف التدخلات الحكومية في العمل النقابي واحترام استقلالية النقابات. 

4)    إعادة النظر بصورة ملحّة بالحد الادنى للأجور في ضوء ارتفاع أسعار عشرات السلع ورفع الدعم عن الخبز، واعتبار دعم بعض السلع والخدمات الاساسية (كالنقل مثلاً) واجباً حكومياً على غرار ما هو معمول به من قبل حكومات العالم المختلفة. 

5)    توحيد جهود منظمات المجتمع المدني للمطالبة بإعادة النظر في القوانين الناظمة للحق في التنظيم والاجتماع (قوانين الجمعيات والأحزاب والنقابات والاجتماعات العامة) نظراً للدور الكبير الذي تلعبه هذه القوانين في الحد من نشاطات المجتمع المدني وممارسة الحريات العامة. وكانت هذه المنظمات قد بدأت بهذه الجهود عام 2014 بمبادرة من الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان واتحاد المرأة الأردنية، لكنها لم تستكمل.  


*الرئيس السابق للجمعية الأردنية لحقوق الإنسان.
ورقة قدمت الى ورشة عمل وطنية حول ميثاق الحوار الاجتماعي ضمن مشروع النهوض بالحوار الاجتماعي في جنوب المتوسط، نظمتها في عمان إتحاد المرأة الأردنية  في 19 ـ 20 شباط 2018