التاريخ: شباط ٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
بعد انشطار خريطتهم الانتخابية... ثقل الأكراد في المعادلة العراقية مهدّد - باسم فرنسيس
يخيم على الإقليم الكردي قلق من فقدان لقب «بيضة القبان» الذي اكتسبه بعد سقوط نظام الحزب البعث عام 2003، على مستوى المعادلة السياسية في النظام الاتحادي، إثر إخفاق قواه السياسية في تشكيل ائتلاف موحد لخوض الانتخابات المقررة منتصف أيار(مايو) المقبل.

«التحالف الكردستاني» شكل منذ أول انتخابات شهدها العراق عام 2005، أحد الأركان الرئيسة في رسم ملامح الحكومات الائتلافية السابقة وحسم المرشحين لرئاستها، نتيجة للمكاسب التي حققها الإقليم ككيان شبه المستقل عن بغداد منذ عام 1991، قبل أن يواجه انقساماً سياسياً حاداً في السنوات الأربع الأخيرة، حول نظام الحكم وملفات تتعلق بسوء الإدارة والفساد.

وأخفق الحزب «الديموقراطي» بزعامة الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني في إقناع الأطراف بتشكيل الائتلاف، على الأقل في المناطق المتنازع عليها مع بغداد، واضطر للذهاب بقائمة منفردة، بيد أنه قرر مقاطعة الانتخابات في محافظة كركوك بصفتها «محتلة» من السلطة الاتحادية، كما اتخذ حليفه «الاتحاد الوطني» الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية السابق الراحل جلال طالباني قراراً مماثلاً، في وقت تخشى أوساط في الحزبين من أن يفقدا آلاف الأصوات جراء تراجع شعبيتهما بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتتالية التي ضربت حكومتهما، فضلاً عن تبعات الخطوة الانفصالية المتمثلة بالإجراءات العقابية التي فرضته بغداد على الإقليم.

وتُحمل قوى سياسية حزب بارزاني مسؤولية تداعيات الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان في أيلول (سبتمبر) الماضي وخوضه «من دون ضمانات دولية»، بينما الأخير يُحمل قادة في أحد جناحي حزب طالباني بـ «الخيانة» لتعاونهم مع بغداد لسحب قوات البيشمركة من محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها ليتعمق الصراع الذي يعصف بقيادة الأخير منذ أواخر عام 2012 بعد غياب طالباني عن الساحة السياسية لتعرضه لجلطة دماغية، كما يواجه الحزبان تهماً بهدر الأموال و «الفساد» في الإدارة، تحديداً في الملف النفطي.

وتصدعت أخيراً التشكيلة الحكومية للحزبين إثر انسحاب ثلاثة قوى بعد سلسلة احتجاجات شعبية أواخر العام الماضي، إلا أنهما يؤكدان أن الجميع يتقاسم المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع، كل وفق نفوذه في السلطة.

وفي خضم هذا الانعطاف برزت مجدداً تكتلات معارضة، إحداها تقوده حركة «التغيير» التي اكتسبت لقب أول حركة معارضة في الإقليم في انتخابات عام 2009، قبل أن تشارك في التشكيلة الحكومية في آخر دورة انتخابية، باتفاق مع «الجماعة الإسلامية» وأخيراً ظهر «التحالف من أجل الديموقراطية والعدالة» بزعامة برهم صالح ليقرر خوض الانتخابات بقائمة مشتركة في المناطق المتنازع عليها ومنفردة على صعيد الإقليم.

وفي حين لم تتضح بعد وجهة «الاتحاد الإسلامي» المنسحب من الحكومة والمدرج ضمن التيار «الوسطي» على مستوى الانقسامات، تطمح حركة «الجيل الجديد» التي أسسها أخيراً رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد بحصد مكاسب ،»ثمرة» لمواقفها الرافضة لـ «توقيت» الاستفتاء وتداعياته ودعم الاحتجاجات ضد الحكومة واتهام الحزبين بالتسويف في حسم موعد الانتخابات لخشيتهما من النتائج.

وتراهن القوى المعارضة على حصد مكاسب انتخابية لتغيير المعادلة السياسية، على تنظيف سجل الناخبين من الخروقات، وأسماء مشكوك فيها لنحو نصف مليون ناخب من مواطني كردستان، منها المكررة والوفيات ومواطنون أكراد من تركيا وإيران وسورية، وتشكل تلك الأصوات نحو 30 مقعداً في حال احتساب 18 ألف صوت لكل مقعد.

وأفاد المحلل الكردي ياسين طه بأن «الأطراف الكردية كانت تُعرف بوحدة خطابها في المصلحة المتعلقة بالبعد القومي، لكن خطوة الاستفتاء نسفت هذه الوحدة وألحقت خسارة كبيرة بالمكاسب الكردية، خصوصاً فقدان مدينة كركوك التي كانت تعد ضمن القضايا المصيرية، كما أدى إلى فشلها في تشكيل تحالف انتخابي في المناطق المتنازع عليها، التي كانت تتمتع فيها بثقل نيابي أكثر من الأطراف في خارج البيت الكردي».

وأضاف أن «الخلافات اتسعت بين الحزبين الرئيسين، فالديموقراطي يتهم أحد قطبي حليفه الاتحاد الوطني وتحديداً بافل طالباني (نجل مؤسس الحزب وزعيمه الراحل جلال طالباني)، بالخيانة في تسليم كركوك، بينما يحمل قادة في الاتحاد مسؤولية ما ارتكبه من أخطاء».

وتذهب بعض التوقعات إلى تشكيل تحالفات ما بعد الانتخابات، لرغبة القوى بأن تحدد النتائج الرصيد الجماهيري لكل كيان، في وقت تعرقل الخلافات الاتفاق على موعد للانتخابات في الإقليم قبل الانتخابات العامة في العراق، مع عدم رغبة «الاتحاد الوطني» وقوى أخرى في إجرائها، وتقول مفوضية الانتخابات في الإقليم إنها بحاجة إلى 105 أيام على الأقل لإنجاز مهامها.

لكن هناك أصواتاً داخل القوى حتى لدى حركة «التغيير»، التي تعد من أشد المعارضين لسياسة الحزبين، تقلل من وقع فرط الخريطة الانتخابية، بناء على تجارب سابقة أجمعت الأطراف في اللحظات الحاسمة، كلما تعلق الأمر بالقرارات التي يُنظر إليها من باب القضايا ذات «البعد القومي» أو «المصالح العليا للإقليم».

كفاح محمود المستشار في المكتب الإعلامي لزعيم «الديموقراطي» أكد أن تأثير هذه الخلافات سيكون محدوداً على القرار الكردي في بغداد، وقال لـ «الحياة» إن «ثقل الإقليم على صعيد القرار في بغداد لن يتراجع بغياب وجود ائتلاف كردستاني موحد، لأن عدد المقاعد التي سيشغلها هي التي ستتحكم، معلوم أن الأمر ذاته اختلف كلياً حتى داخل التحالف الوطني الشيعي ولم تعد الأمور كما كانت في الدورة السابقة».

وأضاف: «قد نشهد أيضاً تحالفات ما بعد الانتخابات، وأنا واثق من أن جميع القوى الكردستانية، خصوصاً الخمسة الرئيسة ستحترم الثوابت لحماية مصالح الإقليم العليا، وهذا سبق وأن تُرجم في بغداد بأكثر من موقف». وتابع: «لنتذكر أنه على رغم خلافات حركة التغيير الحادة مع الديموقراطي لكن كتلتها النيابية لم تخرج عن الثوابت في ما يتعلق بحصة الإقليم في الموازنة ومنع النواب المشاركين في الاستفتاء من دخول البرلمان، واعتقد أن الثوابت ما زالت تحكم كل الفعاليات السياسية لأن هذا امتحان عسير أمام ناخبيهم، وأي خروج عن هذه الثوابت المعروفة والمتعلقة بكيان الإقليم السياسي والدستوري وحصته في الموازنة ومؤسسته العسكرية ورواتب الموظفين، والخلافات في الرؤى السياسية لا شك قائمة في شأن النظام في الإقليم وغيرها من الخلافات داخل البيت الكردي، لكن في النهاية الجميع سينضوي تحت خيمة مصالح الإقليم العليا».

واستبعد محمود أن تطرأ تغيرات في التوازنات السياسية في المعادلة الكردية قائلاً إن»تجربة حركة التغيير فشلت، ولم تتبلور بعد فكرة المعارضة في الثقافة السياسية، وما زالت أمام الحزبين فرصة لاستكمال مشروع الإقليم، لكونهما يشكلان داخل التركيبة الاجتماعية مؤسستين، وأن قيام جبهة بينهما سينقذ الإقليم من أزماته».

من جهته، اعتبر النائب عن «التغيير» هوشيار عبدالله أن خسارة بعض المقاعد لن تؤثر في الثقل الكردي في بغداد، وقال لـ «الحياة» إن «الكورد هم أحوج إلى خطاب ورؤية جديدة في التعاطي مع العملية السياسية في العراق»، وعن انعكاسات غياب تحالف كردي على دور الإقليم في القرار السياسي العراقي قال: «ذلك التحالف يعكس وحدة كاذبة، منذ عام 2005 ولغاية عام 2014، كان هناك تحالف كردستاني، لكنه لم يكن فعالاً واقعياً لمصلحة الكرد، كان هناك فساد مستشر وكان النواب الكرد يتسترون، ووحدة الصف الكردي كانت تعني الصمت والكتمان عن الإخفاقات والفشل، لذا فإن حركة التغيير ارتأت أن تغادر هذه المعادلة أو بالأحرى القوقعة، واقتنعت بأنه آن الأوان لترك حقبة الديموقراطي والاتحاد الوطني، وبقناعة جديدة ليس من منظر أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً، بل من خلال رؤية بعيدة عن النعرات الطائفية والقومية والمذهبية من أجل المصالح العامة سواء في الإقليم أو العراق».

وفي شأن ما إذا كان الأكراد سينقسمون إلى كتلتين، أكد أنه «من الواضح أن كل البيوت منقسمة على بعضها، السنة والشيعة والكرد، لكن طبيعة التوازنات والخريطة السياسية في الإقليم المقبلة تعتمد على مدى نزاهة الانتخابات التي ستجرى سواء على صعيد الإقليم أو العراق عموماً، وإذا ما أجريت انتخابات بعيدة عن الترهيب والترغيب من قبل الحزبين الحاكمين في الإقليم، ستشكل نتائجها كارثة بالنسبة إليهما بعدما تراجعت شعبيتهما إلى أبعد الحدود، لكن المشكلة أن الإقليم يفتقر إلى انتـــخابات نزيهة، وهناك مطالب ملحة من قبل العديد من القوى لتنظيف سجل الناخبين من الشوائب، في ما يتعلق بأسماء المتوفين وتلك المكررة وغيرها».