التاريخ: تشرين الثاني ٣٠, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
السعودية وإيران الاشتباك الجوّال و"توطينه" المعطّل في لبنان - فريد الخازن
بين السعودية وايران علاقات تنافس وتعارض وصلت الى حد القطيعة والعداء. في زمن الحرب الباردة، ايران الشاه والسعودية جمعتهما التوجهات السياسية المؤيدة للغرب. اتسعت الهوة بين ايران الاسلامية والمملكة العربية السعودية ووصلت العلاقات الاميركية - الايرانية الى القطيعة الكاملة. ايران رفعت لواء "تصدير" الثورة والسعودية سعت الى احتوائها. وعلى رغم الخطاب الديني الجامع فالمذهبية سيدة الموقف ولا سيما في الازمات. قبل سقوط نظام صدام حسين، شكل العراق منطقة فاصلة بين السعودية وايران، وجاءت الحرب العراقية - الايرانية لتحجب الاشتباك المؤجل. وسرعان ما تحول العراق بعد الاجتياح الاميركي في 2003 ساحة نزاعات داخلية واقليمية، وخصوصا بين ايران والسعودية. هذه التطورات حصلت ولبنان بمنأى عنها بالنفس والروح والجسد. 

في زمن الحرب في لبنان، لم تبقَ جهة اقليمية الا وتدخلت مباشرة أو بالواسطة. ولم تتأخر ايران في الانضمام الى "نادي المتدخلين"، ومن "أعضائه" الأكثر ثباتاً سوريا والسعودية، فضلاً عن النزاع العربي - الاسرائيلي الذي بلغ الذروة في مرحلة ما بعد حرب 1973 مع الاجتياح الاسرائيلي في 1982. انتهت حروب لبنان في 1990 وباتت لسوريا الكلمة الفصل ولايران والسعودية نفوذ وازن. ظلت الساحة مفتوحة في لبنان ما بعد الحرب لكن بضوابط سورية. هكذا كان زمن "السين - سين" (السعودية - سوريا) المتناغم مع ايران وحلفائها في لبنان. الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الحليف الاول للسعودية في لبنان، كان الاكثر نفوذاً في تلك المرحلة، مثلما كان "حزب الله"، ولكل منهما موقعه المؤثر ودائرة حركته في الداخل ومع الخارج. ولفترة طويلة كان التعايش متاحاً بين الرياض وطهران في لبنان.

تحولات فاصلة وضعت الخليج العربي في صدارة الاهتمامات الاقليمية والدولية في مطلع التسعينات: اجتياح العراق للكويت وحرب تحرير الكويت وتداعياتها الاقليمية، السعودية تحديداً. وجاء الاشتباك بين الرياض والمتطرفين الاسلاميين، من حادثة الحرم المكي الى اسامه بن لادن، ليضيف أزمة جديدة الى الواقع المأزوم. وسرعان ما اصبحت ايران المنافس الاول للسعودية على الساحتين العربية والاسلامية. أما في النزاع السوري منذ 2011، فإيران حليف ثابت للنظام، بينما السعودية دخلت في اعادة تموضع وساندت قوى متناحرة في اطار تحالفات لم تصمد. وفي اليمن نزاع دائر، ازداد تفاقماً مع عاصفة حزم انتجت عواصف في كل الاتجاهات. وفي البحرين تم الحسم ولم ينته النزاع.

فبينما ايران مستقرة ومتصالحة مع العالم باستثناء أميركا، فإن السعودية في خضم تحولات غير مسبوقة في الداخل وفي علاقتها مع الولايات المتحدة بقيادة رئيس متقلب بطبعه وسياساته، خلافاً لسلفه الذي اصطدم مع الرياض في مقاربته لأزمات المنطقة وللعلاقات الثنائية. خيارات الرياض الآن في السلة الاميركية وخيارات طهران تخصها. مساران متعارضان، قبل الربيع العربي وبعده، ولكل طرف نهجه في مقاربة النزاعات الاقليمية وفي التعامل مع الحلفاء والاعداء.

الاشتباك السعودي- الايراني متواصل منذ سنوات، والمستجد فيه قرار الرياض بتفعيله في لبنان، بعد تجوال في العراق وسوريا والبحرين واليمن، الى ان حطّ رحاله أخيراً في مجلس التعاون الخليجي. موازين القوى في المعادلات الاقليمية الكبرى ليست في يد لبنان. وانقسامات اليمن القبلية والمناطقية والمذهبية سابقة للتمدد الايراني وحتى لنشوء الدول في اليمن والسعودية وفي الخليج العربي. السياسة السعودية المستجدة في لبنان لن تؤثر في مسار النزاعات الاقليمية ولا في مواقف أطرافها. واستقالة الرئيس الحريري مع وقف التنفيذ لن تعيد عقربي الساعة الى الوراء في سوريا أو العراق ولا اللحمة بين قطر والسعودية. إلّا ان محاولة "توطين" الاشتباك السعودي - الايراني في لبنان مصدر ضرر للدولة والمجتمع في البلاد، لكن من غير ان يكون لهذا الضرر أي تأثير في الصراع على السلطة داخل دول المنطقة أو في ما بينها.

تسوية الحكم تمت مع انتخاب الرئيس عون وتشكيل حكومة الرئيس الحريري. وحصل ذلك في ذروة الاشتباك السعودي - الايراني والنزاعات الاقليمية. وكان ثمة فصل بين الوضع اللبناني الداخلي وأزمات المنطقة مع ربط نزاع حدوده الاستقرار. التطورات الاخيرة وضعت حداً لهذه المعادلة وتم تعطيل مفاعيل الاشتباك المفتعل بكل الوسائل المتاحة. أما محاولات استعادة وظيفة لبنان الساحة البديلة للصراعات الاقليمية فلم تعد مجدية ما دام التلازم قائماً بين التوافق الداخلي والمصلحة الوطنية من أجل وحدة لبنان واستقراره.

¶ نائب وأستاذ للعلوم السياسيّة في الجامعة الأميركيّة.