التاريخ: تشرين الثاني ١٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
اجتماع «الرياض-2» للمعارضة السورية: سهولة التمثيل وصعوبة الرؤية المشتركة - عمر كوش
اجتماع «الرياض-2» للمعارضة السورية، المزمع عقده بين 22 و24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، يأتي في سياقات ومتغيرات سياسية إقليمية ودولية كثيرة، فضلاً عن متغيرات عسكرية على الأرض واختلالات في موازين القوى، أحدثها التدخل الروسي العسكري المباشر دفاعاً عن النظام وأركانه، إلى جانب ارتفاع وتيرة التدخل الميليشيوي لنظام الملالي الإيراني، الذي يسعى إلى جعل سورية إحدى مناطق نفوذه الدائمة في المنطقة العربية.

الصورة غائمة بعض الشيء في المشهد السياسي للمعارضة السورية، نظراً إلى وجود حيثيات وملابسات تعتريه، إذ إن خلافات تشكيلات المعارضة السياسية وتناثرها ما بين العواصم الإقليمية والدولية، جعلها في موقف المتلقي والمنفعل وليس المبادر أو الفاعل، على رغم أن ذلك ليس العامل الحاسم في ضعفها وعدم فاعليتها، الأمر الذي يفسر أن الدعوة إلى «الرياض-2» تمت بتجاوز الهيئة العليا للمفاوضات، وصُرِف النظر عن مسعاها إلى تنسيق التحضيرات لعملية توسعتها، في ظل وجود ضغوط دولية لضم أعضاء من منصتي موسكو والقاهرة، وأطراف أخرى، تقبل أطروحات الساسة والعسكريين الروس وتتماشى معها.

وعلى هذا الأساس، تُبذَل جهود إقليمية ودولية لضمان نجاح اجتماع المعارضة السورية في الرياض، من خلال مشاركة 22 عضواً من «الائتلاف الوطني السوري»، و21 عضواً من «هيئة التنسيق الوطني»، و10 أعضاء من «منصة القاهرة»، و7 أعضاء من «منصة موسكو»، و21 عضواً من الفصائل العسكرية، و70 عضواً مستقلاً.

ويشير نص دعوة الاجتماع إلى أن المطلوب هو إيجاد توافقات سياسية جديدة وإطار سياسي جديد يضم منصتي القاهرة وموسكو، وليس توسعة الهيئة العليا، بل تشكيل بديل منها ومن وفدها التفاوضي، والذهاب إلى جولة مفاوضات جنيف الثامنة التي حددها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في 28 تشرين الثاني الجاري، على رغم أن لجنة في الهيئة العليا للمفاوضات بحثت في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي سبل ومعايير ضم ممثلين إليها، وأبدت استعدادها للتوسعة وتشكيل وفد جديد يذهب إلى جنيف للمفاوضات المقبلة، بما يحقق تمثيل أوسع شرائح المعارضة السورية، بحيث تشمل توسعتها «شخصيات وطنية»، خصوصاً من الداخل السوري، وشخصيات نسائية لزيادة تمثيل المرأة فيها إلى نسبة ثلاثين في المئة، مع تمسكها بضرورة رحيل الأسد ومحاسبة من ارتكب جرائم حرب في سورية خلال السنوات السابقة.

وبناء على ما تقدّم، فإن استحقاقات ومهام صعبة تنتظر المجتمعين في «الرياض-2»، لكن اللافت أن توحيد المعارضة باتت قضية تعوّدنا عليها أو عوّدتنا القوى الدولية الإقليمية عليها، كلما وصلت القضية السورية إلى منعطف جديد، على رغم غياب أي أفق حقيقي للحل السياسي المطلوب لخلاص سورية والسوريين. لقد تكرر الأمر مع ظهور بوادر استحقاقات جولات جنيف المتعددة ومسار آستانة وسواهما، لكنه يتكرر في أيامنا هذه في شكل فاقع مع التوافقات الروسية والأميركية الهشة، وبعد فشل مسار آستانة والتعويل الروسي على مؤتمر سوتشي المقبل، ودعوة المبعوث الأممي إلى جولة ثامنة من مفاوضات جنيف.

ويبدو ممكناً التوصل إلى رؤية مشتركة في اجتماع الرياض المقبل، وتشكيل هيئة جديدة لوفد تفاوضي جديد، إلا أن المأمول هو توحيد الرؤى والجهود بما يخدم سورية والسوريين، وليس الأجندات الدولية والإقليمية، والابتعاد على الشخصنات والتجاذبات، فالتحديات لا تنحصر في الخروج برؤية موحدة لمستقبل سورية، وهي ليست عملية سهلة، بل تمتد إلى اتخاذ هذا العدد الكبير من الحاضرين موقفاً من المسار الذي تريده القوى الدولية لبلادهم، خصوصاً الساسة الروس والإيرانيين والأميركيين وسواهم، في ظل الصراع على تركة «داعش» وتقاسم مناطق النفوذ في سورية. ولعل النظر في عقدة الأسد أبرز ما يواجه المعارضة السورية، في ظل عدم وضوح مسار العملية السياسية، إذ ترفض كل من روسيا ونظام الملالي الإيراني مجرد الحديث عن رحيل الأسد في المرحلة الانتقالية، أو حتى ما بعدها، في حين أن بيان الرئيس فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في العاصمة الفيتنامية، حدد توافقاتهما في التنسيق العسكري ودحر تنظيم الدولة «داعش» واعتماد صيغة «مناطق خفض التصعيد» للتفاوض على إصلاحات دستورية وإجراء انتخابات على أساس القرار الأممي 2254، ومن هنا تأتي خطورة إعادة تشكيل أو تطويع وفد المعارضة التفاوضي وحصره في قبول مثل هذه التوافقات، التي تريد تحديد مصير بلادهم ومستقبلها.

وإن كان اتساع قائمة المدعوين إلى مؤتمر «الرياض-2»، هدفه جمع أكبر عدد من المعارضين السوريين من مختلف الأطياف، إلا أن ذلك يطرح مشكلة وجود تنافر وخلافات سياسية بينهم، خصوصاً أن القضية السورية شهدت تطورات ومتغيرات خطيرة في الآونة الأخيرة، في ظل انعدام أي أفق لحل سياسي يحقق طموحات الشعب السوري في الحرية والخلاص من الاستبداد، وتحوّل الصراع في سورية وعليها إلى تقاسم نفوذ ما بين القوى الدولية والإقليمية، التي باتت تنظر إلى القضية السورية بوصفها نزاعاً أهلياً، يحتاج إلى تبريد الجبهات، بغية تهدئة الأوضاع عبر عقد مصالحات واتفاقات لوقف النار، وتقسيم سورية إلى مناطق خفض للتصعيد وأخرى مستثناة منه، إلى جانب مناطق السيطرة والنفوذ، وفق ما تقوم به هذه القوى وتحاول استثماره سياسياً مع سعيها إلى تثبيته على الأراضي السورية.

ما يقوم به الروس والإيرانيون والأميركيون، لا يهدف إلا إلى إعادة إنتاج نظام الأسد وإبقائه جاثماً من جديد على صدور السوريين، لذلك يريدون تطويع جميع القوى السورية، كي تذعن إلى ما تتطلبه المتغيرات والتطورات الميدانية التي حصلت على الأرض. والأمر ينسحب على المستوى السياسي في الطلب من المعارضة السورية أو إلزامها مخرجات هذه التطورات ومفاعيلها، والذي يتبدى في صورة النصح حيناً والإنارة أو الاستشارة أحياناً، وقد شهدت تشكيلات المعارضة مثل هذه الأمور، بدءاً من المجلس الوطني وصولاً إلى الائتلاف، وأخيراً وليس آخراً، الهيئة العليا للتفاوض.

غير أن المستغرب هو التركيز الدائم على المعارضة السورية، في وقت يتم فيه التغاضي عما يقوم به النظام من جرائم بحق السوريين، بل إن الساسة الروس يخوضون معارك في مجلس الأمن من أجل حمايته، إلى جانب ما تقوم به قواتهم على الأرض إلى جانب ميليشيات نظام الملالي الإيراني.

ولعل التركيز على المعارضة يجد وجاهته في تناثر وخلافات أطيافها التي باتت تفصّل حسب العاصمة التي تؤوي مجموعة من المعارضين، بعدما حوّلتهم إلى منصة لها، في تناثر وافتراق لا ينمّان عن موجبات تمثيل القضية السورية وتسخير ممكنات الدفاع عنها، بوصفها قضية شعب ضربته كارثة كبرى، بل عن انتصار لما تريد عاصمة المنصة، أو استثمار شخصي، ذاتوي ورغبوي، يجري توظيفه خدمة لأجندة دولة المنصة التي يتموضع عليها هذا المعارض أو ذاك.

ولا شك في أن شخصيات موثوقة ستحضر اجتماع «الرياض-2» لتمثل المعارضة، لكن المهم هو مدى قدرة هؤلاء المعارضين على الدفاع عن طموحات السوريين وعن بلادهم التي يتقاذفها دمار وخراب مأساويان لم يشهد التاريخ مثيلاً لهما. والمأمول من هيئة أو وفد سيمثل المعارضة في جنيف أو سواها، أن يمثل القضية السورية، بوصفها قضية شعب ابتُلي بنظام مستبدّ جلب الكوارث والدمار على البلد وناسه، ما يعني أن الأهم هو طرح مطالب الشعب السوري الذي خرج في ثورته لنيل حريته وكرامته الإنسانية، وليس الظهور أمام الكاميرات لإظهار قدرات شخصية تحابي أجندات دول.