التاريخ: تشرين الأول ١٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
ستارة واشنطن الحديدية على الفرات - مايك ويتني
"على مدى أكثر من ست سنوات، بذل السوريون تضحيات جساماً دفاعاً عن بلادهم في وجه هذه الحرب الإرهابية غير المسبوقة بشراستها... لقد صمد الشعب السوري وقاوم وتحدّى كل الصعوبات والمحن، لأنه يدرك أن المعركة تستهدف وجوده ووطنه. وهو بذلك يقدّم أنموذجاً لكل الشعوب التي تواجه حالياً أو قد تواجه مستقبلاً محاولات مشابهة لكسر إرادتها وسلبها حريتها وسيادتها". 

كلمة وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء السوري، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .

عمدت واشنطن إلى تأجيل مشروعها الهادف إلى رفع ستارة حديدية عند الضفة الشرقية لنهر الفرات من أجل نشر قوات الصدمة الكردية التابعة لها عميقاً في محافظة دير الزور. تشنّ "قوات سوريا الديموقراطية" هجوماً خاطفاً نحو الجنوب منذ نحو أسبوع [نُشِر المقال في 3 تشرين الأول] من أجل إيقاف التقدّم المطرد للجيش العربي السوري و"قوات النمر" النخبوية التابعة له. لقد سدّد الانتصار الصاعق الذي حققه الجيش العربي السوري في دير الزور، ضربة قوية لواشنطن ما أطلق العنان لمختلف أشكال السلوك الجامح من هجمات بالصواريخ وقذائف الهاون على مواقع تابعة للجيش السوري، وهجوم تسلّلي بتنسيق أميركي في محافظة إدلب، والعديد من الاستفزازات الأخرى التي تهدف إلى تحويل الأنظار عن الهدف الاستراتيجي الأساسي المتمثّل في السيطرة على حقول النفط المدرّة للأرباح في وادي الفرات.

 في الوقت الراهن، تشغل "قوات سوريا الديموقراطية" الموقع الأفضل لتحرير الحقول النفطية من قبضة "الدولة الإسلامية". إلا أنه لا بد من السؤال، لماذا حوّلت "قوات سوريا الديموقراطية" اهتمامها فجأة بعيداً من حصار الرقة وأرسلت عناصرها على عجل إلى الحقول النفطية جنوباً إذا لم تكن تسعى إلى وضع يدها على تلك الحقول ومنع قوات النظام من استعادة السيطرة عليها؟ في الواقع، إنه التفسير المنطقي الوحيد لسلوكها.

من الواضح أن "قوات سوريا الديموقراطية" لا تتصرف من تلقاء نفسها، بل تتبع أوامر واشنطن معرِّضةً نفسها لخطر كبير (خطر القصف الجوي المباشر من سلاح الجو الروسي) لمجرد إشباع التعطش الأميركي الشديد للنفط والذي لا ينضب أبداً. إليكم ما كشفه موقع "ساوث فرونت": "تزداد التشنّجات سريعاً بين قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والقوات الحكومية السورية في محافظة دير الزور، شمال عاصمة المحافظة. الأسبوع الماضي، استغلّت قوات سوريا الديموقراطية القتال الشديد بين الجيش العربي السوري والدولة الإسلامية، واستولت على حقلَي العزبة والطابية للنفط والغاز شمال قرية خشام على الضفة الشرقية لنهر الفرات".

 تؤكّد ممارسات "قوات سوريا الديموقراطية" أنه لم يعد بالإمكان النظر إلى هذه الميليشيا المدعومة من الولايات المتحدة بأنها حليفٌ سوري يساهم في القتال ضد "الدولة الإسلامية". فـ"قوات سوريا الديموقراطية" هي مجموعة متمردة وعدوانية أخرى تعمل على تطبيق الأجندة الأميركية الإمبريالية. السؤال الوحيد هو إذا كان الجيش السوري وحلفاؤه سيتعاملون مع المجموعة بالقسوة التي تعاملوا بها مع تنظيم "الدولة الإسلامية". لكن بالطبع، ليس أمام الجيش السوري من خيار نظراً إلى أن "قوات سوريا الديموقراطية" تحاول السيطرة على موارد حيوية تُعتبَر أساسية لبقاء سوريا واستمراريتها. باختصار، سوف يقع صدامٌ عسكري بين الوكلاء المدعومين من الولايات المتحدة وأعضاء الائتلاف المدعومين من روسيا لأن واشنطن أجهزت على أي احتمال آخر. نتوقّف هنا أيضاً عند ما كشفه موقع "ساوث فرونت": "يوم الاثنين، وجّه الجناح الإعلامي في قوات سوريا الديموقراطية (المؤلَّف من الأكراد في شكل أساسي) اتهاماً مباشراً إلى سلاح الطيران الروسي بقصف مواقع التنظيم على مقربة من مصنع كونيكو للغاز... وقد أصدرت قيادة قوات سوريا الديموقراطية بياناً اتّهمت فيه روسيا بدعم الدولة الإسلامية ضدها: شنّت القوات الروسية وقوات النظام هجوماً على مقاتلينا في مصنع كونيكو... بواسطة المدافع والطائرات الحربية. وقد أسفر القصف عن استشهاد عدد من المقاتلين وإصابة آخرين بجروح. تجدر الإشارة إلى أننا نتقدّم بالتنسيق مع قوات التحالف العالمية... نُدين بأشدّ العبارات الهجمات العدوانية الروسية وحلفاءهم الذين يخدمون الإرهاب، ونؤكّد أننا لن نجلس مكتوفي الأيدي، وسوف نستخدم حقّنا في الدفاع المشروع".

 ما يُسمّى بـ"قوات التحالف العالمية" اختراعٌ أميركي لم تُوجَّه إليه قط دعوة للقتال في سوريا، فضلاً عن أنه ينتهك السيادة السورية. كما أن الزعم بأن "قوات سوريا الديموقراطية" سوف تخوض "دفاعاً مشروعاً" عن النفس ضد قوات الحكومة السيادية ليس جديراً بالتعليق عليه. لا تملك "قوات سوريا الديموقراطية" حقاً قانونياً بشن عمليات عسكرية على الأراضي السورية.

 كذلك، تحاول "قوات سوريا الديموقراطية"، باعترافها، السيطرة على مصنع كونيكو للغاز. ويوم الاثنين [2 تشرين الأول]، واصلت تقدّمها نحو الجنوب، حيث استولت على حقلَي العزبة والطابية النفطيين وتابعت تقدّمها نحو حقول الجفرة.

 هل تعتقد واشنطن أن الأسد وبوتين معميّا البصيرة إلى درجة أنهما لا يدركان ما يجري؟

 بالطبع لا. تركّز واشنطن على النفط، ويقوم وكلاؤها بالعمل الميداني بالنيابة عنها. الأمر واضح وضوح الشمس. لكن ثمة مشكلة واحدة: إذا كانت واشنطن تريد النفط السوري، سيكون عليها المحاربة من أجله.

يوم السبت [30 أيلول]، نشرت وزارة الدفاع الروسية صوراً جوية تُظهر أن القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي إما تتعاون مع وحدات "الدولة الإسلامية" في منطقة دير الزور وإما توصّلت إلى نوع من التسوية معها. إنها رواية مثيرة للاهتمام، إنما يصعب التوصل إلى استنتاجات واضحة بالاستناد إلى الصور. لكن مما لا شك فيه أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة تركّز على ما يبدو على النفط أكثر بكثير من تركيزها على "الدولة الإسلامية". ليس مفاجئاً أن تنظيم "الدولة الإسلامية" استغل الوضع استغلالاً تاماً عبر إطلاق هجوم فتّاك لاجتثاث الرؤوس في القيادة العليا الروسية. في هذا الإطار، كتب موقع "مون أوف ألاباما": "ليل أمس لقي جنرال روسي حائز على ثلاث نجوم وضابطان برتبة كولونيل مصرعهم في هجوم بقذائف الهاون أثناء قيامهم بزيارة مقر تابع للجيش السوري في دير الزور: لقد أعلن وزير الدفاع الروسي عن مقتل اللفتنت جنرال فاليري أسابوف، من القوات المسلحة الروسية، بعد التعرض للقصف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف سابقاً بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) على مقربة من دير الزور. أضاف الوزير في بيانه أن أسابوف كان متواجداً في أحد مراكز القيادة التابعة للجيش السوري لمساعدة القادة العسكريين على تحرير مدينة دير الزور... اللفتنت جنرال فاليري أسابوف هو الضابط الروسي الأعلى رتبةً الذي يلقى مصرعه في الحملة العسكرية في سوريا. كان قائداً للجيش الخامس في المنطقة العسكرية الشرقية في روسيا".

أضاف موقع "مون أوف ألاباما": "لقد حاصرت الدولة الإسلامية، طوال ثلاث سنوات، القوات السورية في مدينة دير الزور ومطارها. ولم تتمكّن لمرة واحدة من شنّ هجوم ناجح على مركز القيادة السوري أو من قتل ضباط رفيعي المستوى. أما الآن، مع تمركز القوات المدعومة من الولايات المتحدة والتي تحصل على ’المشورة‘ من القوات الخاصة الأميركية شمال دير الزور، فقد باتت الدولة الإسلامية تمتلك فجأةً البيانات الاستخبارية والإمكانات اللازمة للقصف الدقيق بواسطة الهاون بما يُتيح لها قتل مجموعة من الضباط الروس الزوّار؟ هذا غير منطقي. لن يصدّقه أحد في دمشق أو بغداد أو طهران أو موسكو..." ("سوريا – القيادة المركزية الأميركية تعلن الحرب على روسيا"، مون أوف ألاباما).

 لقد استنتجت موسكو خلاصاتها عن الدور الأميركي في مقتل الجنرال الروسي. سيكون هناك انتقام، هذا مؤكّد. الأهم من ذلك، لقد نُزِع القناع عن التدخل الأميركي، ما يضع الخصمَين في مواجهة مباشرة وجهاً لوجه. تبقى خطوط التواصل مفتوحة، إنما لا جدوى منها في الوقت الذي يُبدي فيه الجانبان تصميماً على الاستيلاء على الأراضي نفسها. الخلافات من هذا النوع تُحسَم عادةً في ساحة المعركة، وهذا ما يتّجه إليه الخلاف الأخير.

يكتب عن السياسة والمالية. ساهم في وضع كتاب Hopeless: Barack Obama and the Politics of Illusion.