التاريخ: أيار ١٤, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
المسألة الكردية بين تركيا والولايات المتحدة - ماجد كيالي
على رغم أهمية المسألة الكردية في سورية، فإنها لم تحظ بالاهتمام المناسب من المعارضة، أو معظمها. هكذا، ثمة من اعتبرها تحصيل حاصل، أي لا داعي لتمييزها، بدعوى أن الوعد بدولة مواطنين ديموقراطية سيفي الكرد حقوقهم، ككل السوريين، علماً أنه، مع أهمية ذلك، فالمسألة لا تتعلق بالحقوق الفردية فقط، وإنما بالحقوق الجمعية، أيضاً. ومصدر شرعية ذلك أننا في واقع من صراعات هوياتي، وثمة في المعارضة من ينكر وجود مسألة كردية في سورية، أو يقلّل منها، أو يعتبر سورية دولة عربية فقط، بل ثمة من يعتبر الأكراد كأي جماعة اثنية وافدة، أو طارئة، على البلد، أو كأنهم أتوا من المرّيخ!

الوضع في المقابل ليس بأحسن حال، إذ لا توجد اجماعات داخل الجماعات الكردية السورية، فهي تتنافس وتتناحر في ما بينها، كذلك ثمة تنافس بين نزعتين: النزعة «القومية»، أو الأيديولوجية، التي ترى الخلاص في تحقيق دولة «كردستان الكبرى»، والنزعة العملية، أو البراغماتية، التي تقر بتنمية الهوية الجمعية الكردية، وتعزيز حقوق الكرد، لكن في إطارات الدول القائمة، علماً أن ثمة تداخلاً بين هاتين النزعتين. ثم إن الجماعات السياسة الكردية، أو القوى الفاعلة والأكثر تمثيلاً فيها، لم تنجح في إيجاد مقاربات في الشأن السوري، يمكن تبنيها من المعارضة، أو معظمها. يفاقم هذا الأمر شبهة انضواء حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، الذي تتبع له «قوات حماية الشعب» أو «قوات سورية الديموقراطية»، في مشروع حزب العمال التركي، الذي يعتبر أن وظيفته الأساسية مناهضة الدولة التركية وتحقيق الحكم الذاتي، ما ترى فيه تركيا مسّاً بأمنها القومي، ودعوة انفصالية تهدد وحدة أراضيها، كما يؤخذ على الحزب هيمنته بالقوة على مجتمع الكرد السوريين، واستئثاره بإدارة مناطقهم.

على هذه الخلفية تأسست الشبهات في الثورة السورية، أو لدى معظم المعارضة التي وجدت نفسها مفترقة عن المسألة الكردية، والتي تنظر بعين الريبة إلى حزب «بي يي دي» (الذي يترأسه صالح مسلم)، وتالياً «قوات حماية الشعب»، بخصوص علاقته بالنظام السوري، أو عدم حسمه مسألة الوقوف مع الثورة. وتستند الشبهات إلى الاشتباكات بين «حماية الشعب» وبعض فصائل «الجيش الحر» في حلب، وأماكن أخرى، وإلى التنسيق الجاري بينه وبين النظام في الأماكن التي يسيطر عليها، ومنها القامشلي، وتشكيله مجالس إدارة محلية، ما يثير المخاوف من نزعات انفصالية عنده، كما تستند إلى تبعية الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري إلى العمال الكردستاني التركي، وقيادة جبال قنديل (القريبة من إيران)، مع شبهة بُعد مذهبي يربط بينها وبين نظام الأسد.

ما يعزز هذه الشبهات قيام النظام بانسحابات مدروسة ومبرمجة نجم عنها تسليم بعض المناطق لقوات «حماية الشعب»، وقيام هذه القوات بعرض جثث لعشرات من «الجيش الحر»، ممن لقوا مصرعهم في معارك معهم (عفرين أواخر نيسان/أبريل 2016)، ما أضعف الصدقية السياسية والأخلاقية لهذه القوات.

ضاعف ذلك انتهاج هذه القوات تجنيد نساء أو أطفال (وفق تقارير الأمم المتحدة)، واعتقالها أعضاء قياديين من «المجلس الوطني الكردي» (قبل أيام في القامشلي) بعد مداهمة مقر أمانته العامة وتنكيله بالمختلفين معه من النشطاء.

مع ذلك يحسب لمشروع «الإدارة المحلية» في المناطق الكردية تنظيم الأوضاع، واستتباب الأمن، والقرار الموحد، بالقياس للمناطق المحررة التي تخضع لهيمنة جماعات المعارضة السورية المسلحة، وما يسمى «الهيئات الشرعية»، ومع ما تعيشه من فوضى ومزاجية وفرض رؤاها بالإكراه على الناس، إضافة للاختلاف والتنافس وحتى الاقتتال بين الجماعات المذكورة.

بيد أن المشكلة الأساسية عند معظم الجماعات الكردية هي: أولاً، ضعف التمييز بين القضية الوطنية الكردية السورية، والقضية القومية الكردية عموماً. وثانياً، ضعف التمييز بين قضيتهم الكردية العادلة والمشروعة وبين موقفهم من تركيا، بغض النظر عن تقييمنا مواقفها من هذه القضية أو تلك، ما يفسّر هذا التعاطف مع «قيادة جبال قنديل»، أو القيادة المهيمنة في العمال الكردستاني.

هذا ينطبق على المعارضة السورية أيضاً، إذ يفترض أنها معنية بتمثيل كل السوريين، وتمثّل مصالحهم، وضمن ذلك الكرد، بغض النظر عن أي شيء آخر، أي بغض النظر عن وجود اتجاهات كردية مخالفة، وعن وجود دولة حليفة لها رأي أخر في المسألة الكردية (تركيا مثلاً).

بكلام آخر فالمعارضة معنية باستيعاب قضية الكرد السوريين باعتبارها مسألة وطنية سورية، أولاً، وثانياً، فتح حوار مع تركيا للتوصل لقناعة مشتركة تأخذ في اعتبارها المصلحة السورية، وليس فقط التركية. فهذا هو دور المعارضة، وهنا تكمن صدقيتها، ولا ينبغي ترك هذا الدور تحت أي اعتبار، لأن من شأن ذلك إبقاء الكرد في إطار تجاذبات وتوظيفات مضرة، لهم وللقضية السورية، كما أنه يقدم خدمة جلية للنظام.

ما ينبغي أن يدركه الكرد عموماً أن المسألة لا تتعلق بشرعية وعدالة توقهم لدولتهم القومية، أو للتعبير عن ذاتهم وهويتهم كشعب، وإنما تتعلق بعدم مداعبة الأوهام حول ذلك، لأن هذا من شأنه تضييعهم وتوظيفهم لمصلحة هذه الدولة أو تلك، سيما في هذه الظروف الصعبة والمعقدة.

ولعله ضمن ذلك يجدر الانتباه إلى أن تسليح «وحدات حماية الشعب»، أي ميليشيات الـ «بي يي دي»، من قبل الولايات المتحدة، مثلاً، ليس شرطاً أن يخدم مشروع الحكم الذاتي، أو الفيدبرالية. ثم إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تأخذ هذه الميليشيات كبديل عن تحالفها مع دولة بحجم تركيا، مهما كانت خلافاتها معها.

وربما كان هذا مغزى تصريحات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الذي اعتبر أن تسليح ميليشيات «وحدات حماية الشعب» لا يضر بتركيا، و «لا يمس بحدودها الجنوبية مع سورية، التي هي حدود حلف الناتو»، وأن هذا السلاح محدود وله وظيفة معينة، وأن الولايات المتحدة ستأخذ مخاوف تركيا في الاعتبار. بل إن ماتيس قال: «نيتنا هي العمل مع الأتراك جنباً إلى جنب للسيطرة على الرقة وسنعمل على ترتيب ذلك وسنحدد كيف سنفعل ذلك».