كثيراً ما تنفرد صفحة "القضايا" في طرح مسائل لبنانية وإقليمية ودولية ذات شأن. وقد لفتني كثيراً مقال انطوان قربان تحت عنوان "حوارات أوليغارشية" المترجم عن الأصل الفرنسي الذي كانت نشرته "لوريان لوجور". ولعل ما مكّن قربان من كتابة ما كتبه ونشره هو ان التعبير بلغة غير اللغة الوطنية يحرر الكاتب من سطوة النماذج اللفظية الجاهزة والجاري استعمالها في لبنان باللغة العربية، كما يحرره التوجه بالكتابة الى القارئ باللغة الفرنسية ممن قد يكون مستعداً لسماع غير تلك النماذج السائدة.
مع أن قربان قد اقترب كثيراً من تسمية الأشياء بأسمائها، فإنه لم يقترب كفاية. وأوّد ان أقترح عليه القيام بجهد أكبر لأن التهذيب في الخطاب لم يعد مفيداً.
فهو يعتبر الأوليغارشيين الذين يجلسون على طاولة الحوار "جمعية غير دستورية"، والأصح ان تطلق عليهم تسمية "جمعية الأشرار"، موضوع المادة 335 من قانون العقوبات وإسمها، من أجل كتابته في "لوريان لوجور" باللغة الفرنسية، هو association de malfaiteurs. ولسوف يسعدني أن أعطيه نص المادة المذكورة باللغة الفرنسية، وغاية هذه الجمعية التي تتألف من شخصين أو أكثر هو النيل من سلطة الدولة وهيبتها وارتكاب الجنايات.
وأما "المنظمات" غير الحكومية التي انتقدها، والمعروفة عامة بتعبير NGOs فإنه تم اختراقها، أو حتى اختراع بعضها، من دول أجنبية. وبكل أسف فقد حضرت حديثاً، ومن طريق الخطأ، إجتماعاً قدم فيه ممثلون لبضع من هذه المنظمات التقارير عن نشاطهم الى مُشغليهم من الديبلوماسيين الأجانب. وإنني لا أنسب إليهم دس الدسائس قصداً لدى دول اجنبية مما تُعاقب عليه المادة 275 من قانون العقوبات، ولا تسريب الوثائق والمعلومات لمنفعة تلك الدول عن قصد مما تعاقب عليه المادة 282 عقوبات، لكنّ تلقي الأموال من دول أجنبية وتقديم التقارير إلى ممثليهم يتصف بسوء الأدب وقلة الوعي الوطني، وهو مهين وقد يتعرض الفاعل للملاحقة الجزائية.
وأما ما انتقده انطوان قربان من الدفاع المزعوم عن حقوق مزعومة للطوائف، فأرغب في أن أضيف إليه أن الهدف منه هو تحويل الأنظار عن أهم مادة في الدستور وهي المادة 7 التي نصت على ما يلي:
"كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم".
وهذا هو أساس قاعدة "سيادة القانون" التي أشار إليها، وهي ما أسميه: حكم القانون. فلكل مواطن لبناني الحق بأن تدافع دولته عنه وعن حقوقه بالسواء، دون الانتماء الى أية طائفة أو منطقة، أو نافذٍ من النافذين الاعضاء في الجمعية المنوه عنها أو سواهم. فتسقط عندها مزاعم الدفاع عن الطائفية والمنطقة على يد الأفراد او الجماعات الذين تتولى جمعية الأشرار تشغيلهم وقيادتهم.
ولضيق ما يمكن ان تعطيه لي صفحة "القضايا" من مجال اكتفي بأن أضيف أيضاً، إلى ما قاله انطوان قربان، التنويه بأن جمعية الأشرار حرصت على تهديم الإدارة التي يمكنها أن تقدم للمواطنين الخدمات الضرورية والأساسية لسلامتهم ولحسن تمتعهم بالحقوق الأساسية مما هو مبرر وجود الدولة في المبدأ، وحرصت على ان يكون القضاء على صورتها ومثالِها. وأعطت الحصانة المطلقة من الملاحقة القضائية الجزائية لكل من أفرادها وأعوانهم وللموظفين الذين يدينون لها بالطاعة العمياء فلا تجوز ملاحقتهم دون إذن مسبق، إضافة الى القضاة الذين أُوجدت أصول خاصة لملاحقتهم على الجرائم التي يمكن أن تنسب إليهم، من دون ان تستعمل هذه الاصول أبداً. وبدورها فإن الهيئة العامة لمحكمة التمييز أعطت في القرار الشهير الذي كتبه رالف رياشي لكل من الوزراء شيكاً مفتوحاً على بياض في انتهاك القانون كما يحلو له بأن حصرت سلطة ملاحقتهم في المجلس الأعلى الذي نصت عليه المادة 80 من الدستور بعبارة وجيزة وعامة وغامضة، وبموجب أصول كان يجب أن يصدر بها قانون خاص منذ عشرات السنين، لكنه لم يصدر ابداً ولم تتم محاكمة أي منهم أبداً امام هذا المجلس. وهو عملياً بحكم غير الموجود، ولو أن بعض أعضائه يتقاضون الرواتب لقاء عضويتهم فيه.
وبكل إختصار، فإن أعضاء جمعية الاشرار وأعوانهم لا يخضعون لاية مراقبة أو مساءلة أو محاسبة ولا يتوقعون ان يحل بهم أي عقاب كما يوجب القانون. فكيف يمكن أن يزولوا بسلام؟
محام
|