التاريخ: أيار ١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مصر: عودة أصحاب الوجوه الكئيبة - السيد يسين
عاد أصحاب الوجوه الكئيبة إلى المسرح السياسي مرة أخرى! عاد الانتهازيون الذين فاتهم القطار ويريدون أن يظهروا وكأنهم هم زعماء ثورة يناير. يريدون أن يبرزوا في المجال العام وكأنهم هم الحريصون على حدود الوطن والمدافعون عنه ضد من فرّطوا به!

هؤلاء الانتهازيون من عواجيز النشطاء السياسيين أصناف شتى. بعضهم يريد أن يلعب دورا أي دور حتى تغطي وسائل الإعلام مواقفه الخطيرة وتنقل تصريحاته التافهة، والآخرون يتزاحمون على الميكروفونات وصفحات الصحف يجرون الحوارات ويعرضون آراءهم الساذجة في مجال إنقاذ الوطن!

أما شباب النشطاء السياسيين فهم هؤلاء الذين أصبحت "الثورية" "مهنة من لا مهنة له" بالنسبة اليهم! وهم الذين ملأوا الدنيا ضجيجا حين اختلطت الثورة بالفوضى بعد 25 يناير، حيث أصبح التظاهر العشوائي ممارسة يومية!

ولدينا بعد ذلك قبائل الغوغائيين من المثقفين والذين غالبيتهم في الواقع من أنصاف المتعلمين، وبعضهم ممن يمتهنون حرفة الأدب ولم يقرأوا كتابا فكريا واحداً في حياتهم! هؤلاء الأدعياء جلسوا فجأة على مقاعد أساتذة القانون الدولى وتكاثرت تصريحاتهم الصحافية وازدحمت بغثائهم البرامج التليفزيونية بعد أن أصبحوا فجأة خبراء في ترسيم الحدود البحرية! وأساتذة في مجال الجزر، وأصبحوا من قراء الخرائط، ومن المؤرخين الذين يصدرون الفتاوى هنا وهناك!

ولا ننسى في مجال الغوغائيين الجماعات الشاردة لحركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين الذين أعلنوا من قبل عن عقيدتهم العبقرية وهي هدم الدولة! أما عن عصابات الألتراس فحدث ولا حرج بمنظرهم البائس بعد أن خلطوا الرياضة بالسياسة بالتخريب المتعمد. وتأتى بعد ذلك الكارثة الكبرى التي تسببت فيها الثورة الاتصالية والتقدم التكنولوجى ونعنى "الفيس بوك" و"التوتير".

أصبح لكل "هلفوت" حساب يسجل فيه آراءه العبقرية في إصلاح الكون. وكما ظهر بعد هزيمة يونيو 1967 من أطلق عليهم "جنرالات المقاهي" الذين كانوا على أنغام "الشيشة" يرسمون الخطط العسكرية للقضاء على القوات الإسرائيلية في ساعات قليلة، ظهرت فئة "فلاسفة المقاهى" الذين اتخذوا لأنفسهم في "الفيس بوك" مكانا مختاراً!

وفي هذا المحيط الصاخب الذى يختلط فيه الأدعياء بالجهلة بأنصاف المتعلمين سنجد خليطاً عجيباً من الأفكار التافهة، والترهات والكتابات التي تدّعي الحكمة، والتي تناقش كل الأمور من أول التسلح الذري إلى الإصلاح الإقتصادي إلى القواعد الأساسية للقيام بثورة جديدة تسقط النظام القائم الذى شيدته وفقاً لإجراءات ديموقراطية الموجة الثورية في 30 يونيو، وتصاعدت الصيحات الغوغائية لتصنع البديل!

وقال بعض الشراح للمذاهب الغوغائية المقصود هو ليس من يحكم مصر ولكن كيف ينبغي أن تحكم مصر! تأمّل كم الإدعاء في هذه العبارة التي تصدر عن مجموعات هائمة من الذين لا يملكون فكرا حقيقياً ولا رؤية مستنيرة، ومن هؤلاء الذين لم يفهموا على وجه الإطلاق التغيرات التي حدثت في العالم في الجوانب الدولية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

وحتى يزداد المشهد تعقيداً انضم إلى كل هذه الفئات مجموعات من الشباب الأنقياء الذين تمت استثارة روحهم الوطنية وحبهم لبلادهم. غير أن هؤلاء جنى عليهم نظام التعليم المتردي. فهم لم يتعلموا شيئاً، ومعلوماتهم تافهة، وتربوا على تقاليد "العقل الإتباعي"، ولم يتربوا على تقاليد "العقل النقدي" الذى يقوم على أساس قاعدة معرفية متينة، ويطرح كل شيء للمساءلة، ولا يسير أصحابه كالقطيع وراء الذين يسعون إلى هدم الدولة وتخريب المجتمع.

ولا يعنى ذلك كله أن الحكومة لم تخطئ في طرح موضوع الجزر، ولم تمهد لذلك منذ فترة طويلة في ظل نقاش هادئ تطرح فيه الحقائق التاريخية بغير مواربة. لكن هذا شيء ومحاولة إسقاط النظام وهدم الدولة شيء آخر.

ومن الظواهر اللافتة حقاً أن بعض هؤلاء المعارضين عبروا عن معارضتهم داخل المجال العام الوطني وهذا حقهم المشروع الذى لا جدال فيه، وإن كنا نتمنى أن تكون هذه المعارضة مبنية على فكر موضوعي وليست عبارة عن مجموعة من الشعارات الجوفاء التي تتحدث عن الوطنية.

غير أن بعض المعارضين انتهزوا زيارة رئيس فرنسا وتجمع بعضهم وذهبوا إلى لقائه في مقر السفارة الفرنسية في القاهرة ليحرضوا على الدولة المصرية ويدعوا الرئيس الفرنسي لكي لا يكمل صفقة الأسلحة مع مصر وأن يضغط على الرئيس السيسي وذلك باسم حقوق الإنسان المهددة في مصر!

ولدينا في هذا المجال تعليقات موجزة على هذا الخبر. بين هذا الوفد المعارض "الثائر" المزعوم الذى حكم عليه بالسجن لأنه اعترف علانية على شاشة التلفزيون بأنه شارك في إحراق المجمع العلمي! وكان في الوفد المعارض أيضاً "نجم" من نجوم التمويل الأجنبى في مجال منظمات المجتمع المدني والذى أثرى ثراءً فاحشاً من هذا التمويل بعد أن برع في "فبركة" الإيصالات المزيفة عن النفقات التي صرفها من أموال التمويل.

نحن نتحدى من يرفعون الصوت ويطالبون بحرية قبول التمويل الأجنبى بأن يعلنوا أمام جهة الكسب غير المشروع ذمتهم المالية لكي يعرف الرأي العام ماذا كان وضعهم الاقتصادي حين بدأوا النشاط في منظمات المجتمع المدني وثرواتهم الحرام التي تراكمت في الوقت الحاضر!

لكل ذلك اقترحت في لقاء الرئيس السيسي مع المثقفين الذى انعقد منذ فترة في قصر "الاتحادية" أنه بدلا من تحويل منظمات المجتمع المدني إلى التحقيق لحصولهم على تمويل أجنبي بدون تصريح قانوني يمكن تنظيم مؤتمر برعاية الدولة يحضره أصحاب مؤسسات المجتمع المدني ويعلن كل منهم أمام أنظار الإعلام والرأى العام كم أموال التمويل الأجنبي التي حصل عليها والجهات الممولة وهل فرضت عليهم أجندة خاصة للتنفيذ؟ أم أن هذه المنظمات التي ملأت الدنيا ضجيجا لم تفعل سوى تنفيذ أجندات التمويل الأجنبية؟ الرأي العام يريد أن يعرف الحقيقة كل الحقيقة!

باحث مصري