هل استُنفِد في لبنان وخارجه في العالم تصريف مصطلح الطائفية، والسجال بدون بوصلة حول الدستور، والتلاعب حسب المواقع السياسية بمندرجات تخضع لمعايير حقوقية، أو تغذية عقدة مُثقفين حول رجعية الميثاق والبنية المؤسسية اللبنانية؟ خلال الندوة التي عقدتها كلية الحقوق في جامعة سيدة اللويزة، بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور، حول موضوع: "القانون الدستوري: دراسة حالات من لبنان والمانيا"، لم تُلفظ عبارة واحدة من الشعارات المعروفة.
ساهمت مشاركة باحثين لم ينساقوا في الايديولوجيا أو العقائدية في التصويب حول الأسس والتصنيف والمعايير من منظور مقارن واستشرافي وعابر للاختصاصات (معن بو صابر، بيتر ريميل Peter Rimmele)، انطوان حكيم، خالد قباني، ربيع قيس، عصام سليمان، طارق مجذوب، جورج منزل Jorg Menzel...). وتكمن الفائدة الكبرى للندوة انها تتوجه الى طلاب الحقوق الذين هم غالبًا مضعضعون في حوارات سائبة وسجالات نزاعية.
يُستخلص من المداخلات والمناقشات توجُّهين استنتاجيين:
1. مساهمة الأعمال المقارنة وبخاصة المساهمة الالمانية: ورد في الندوة جردة شبه شاملة لمراجع عديدة وغير معروفة غالبًا حول مساهمة المانيا ومؤسسة كونراد اديناور بشكل خاص في الحوار الدستوري في لبنان والبحوث الأساسية والتطبيقية منذ 1980، مما ساهم في مثاقفة acculturation القانون الدستوري لبنانيًا.
ادرك الآباء المؤسسون اللبنانيون للدستور اللبناني، والفرنسيّون خلال الانتداب، ميّزات الادارة الديموقراطية للتنوّع الديني والثقافي في لبنان. ثم نشر مؤلفون مُبرمجون على نموذج آحادي في البناء القومي nation-building، وعلى ايديولوجيا يعقوبية في هذا البناء، أو على النمط الاميركي في الاندماج melting pot، أو ما هو أسوأ على ايديولوجيا صهيونية في المساحة-الهوية espace identitaire، أعمالاً بعناوين مُقلقة حول "الجمهورية المضعضعة"، و"الخطأ التاريخي والجغرافي"، والطائفية والفوضى"...
بالرغم من تراث عريق في إدارة التعددية الدينية والثقافية، وهو تراث قابل للتطوير، واجه مؤلفون عربًا باحتقار بعض الاجراءات الدستورية اللبنانية. يواجه هؤلاء اليوم مُعضلة حماية تعددية النسيج التعددي الديني والثقافي العربي.
تُبيّن الأعمال حول جذور الدستور اللبناني ركائز العديد من إجراءات ادارة التنوّع وانسجامها والتي هي ثمرة اختبار لبناني ذاتي (انطوان حكيم). ويمكن فهم أنظمة الادارة الذاتية الحصرية في بعض الشؤون، حسب المادتين 9 و 10 من الدستور اللبناني، من خلال فلسفة الفيديرالية (جورج منزل Jorg Menzel، جامعة بون).
2. سمو الدستور وقواعده المعيارية: يكمن الاستنتاج الثاني للندوة في شروط ارساء سمو الدستور والتقيد بهذا السمو وموجباته. يتعلق الموضوع بشكل خاص بتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري بشأن مراجعته بواسطة الدفع حول القوانين الحديثة وبخاصة التشريعات السابقة لمقدمة الدستور المعدّل سنة 1990 (عصام سليمان).
وتركزت المداخلات والمناقشات حول الحكمية الدستورية gouvernance constitutionnelle. ان الدستور الأكثر انسجامًا مع الحاجة الوطنية هو مُجرد وصفة طبيّة وليس العلاج. هل استحصل المريض على الدواء؟ هل تقيد ببنود الوصفة؟ هل تقيد بالمعايير؟ وثيقة الوفاق الوطني أو الطائف هي ثمرة انتاج لبناني أصيل وحوارات داخلية، باستثناء البند المتعلق بانسحاب الجيش السوري من لبنان. وأرست الوثيقة قواعد وإجراءات يتوجب التقيد بها (خالد قباني).
ويُستخلص من جذور المادة 49 الجديدة ("رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور") انه يقتضي العدول عن ايديولوجيا الصلاحيات الرئاسية ولوجًا الى مفهوم الدور الدستوري الناظم لرئيس الجمهورية وهو دور يعلو على الصلاحيات في رقابة دستورية قبل المجلس الدستوري (ربيع قيس).
يُستنتج من ذلك ان الأزمة ليست في النصوص، بل في التقيد بالأصول (طارق مجذوب). يتم التلاعب بمواد دستورية، وبخاصة المادة 65، تحت ستار الوفاق والتوافق وفيتو التعطيل... انه إنقلاب على المبدأ العالمي والاجرائي في التصويت. يتوجب طبعًا تجنب طغيان أكثرية، وأيضًا تجنب طغيان أقلية abus de minorité، من خلال أكثرية موصوفة majorité qualifiée في بعض القضايا المحددة حصرًا في المادة 65.
الأخطر في سوء الحكمية المنحى التبريري في فردنة مفهوم الحقوق subjectivisation du droit. يوجد، بشكل مُحدد حصرًا، حقوق خاصة فردية. لكن من يُمارس وظيفة عامة بصفة نائب أو وزير أو موظف وحتى المواطن الناخب، فان حقه هو وظيفي اي لتأدية وظيفة عامة (معن بو صابر). عضو المجلس الدستوري
|