التاريخ: حزيران ١٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
عصا المحكمة الدوليّة وعصا البشير - سمير السعداوي
«ما يحدث في الإعلام لا علاقة له بالواقع»... بهذه العبارة اختصرت الخرطوم ملابسات الحادث الذي رافق زيارة الرئيس عمر البشير، جوهانسبرغ لحضور القمة الأفريقية خلال اليومين الماضيين.

ليس مفاجئاً إفلات البشير من قبضة المحكمة الجنائية الدولية، التي طلبت من بريتوريا تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحقه، لاتهامه بارتكاب «إبادة وجرائم حرب» في دارفور. ما كان مفاجئاً، هو إصدار محكمة محلية في جنوب أفريقيا أمراً بمنع الرئيس السوداني من مغادرة البلاد، استجابة لطلب «الجنائية الدولية»، حتى ظنّ بعض معارضيه أنه «وقع في المصيدة».

لم تكن تلك المرة الأولى التي يتحدى البشير المحكمة الدولية، إذ سبق أن زار دولاً أفريقية عدة مثل كينيا وملاوي ونيجيريا، وهي على غرار جنوب أفريقيا، من الأطراف الموقِّعة على «ميثاق روما» الذي قامت المحكمة على أساسه في تموز (يوليو) 1998. لكنها الزيارة الأولى للبشير لجنوب أفريقيا منذ إعلانها، لدى صدور لائحة الاتهام ضده عام 2009، أنها «لن تتردد في توقيفه»، كونها من الموقّعين الأساسيين على الميثاق.

في الأمس، سارعت الديبلوماسية الجنوب أفريقية إلى تطمين البشير، مؤكدة على لسان وزيرة الخارجية مايتي نيكوانا ماشاباني، أن القادة المشاركين في القمة يتمتعون بحصانة من الملاحقات الدولية، ولم يفت الوزيرة الجنوب أفريقية أن تبدي «تقديرها وامتنانها» للرئيس السوداني، لاستجابته الدعوة الرسمية التي وُجهت إليه للمشاركة في القمة... حتى أنها أبلغته والوفد المرافق له، أن الحكم الذي أصدرته محكمة محلية في بلادها هو «مؤامرة» من أطراف داخلية معارضة، تستهدف إحراج الرئيس جاكوب زوما، قبل أن تكون موجّهة ضد البشير.

وإذا لم يكن ذلك كافياً بلغة الديبلوماسية، فإن ما امتنعت الحكومة في جنوب أفريقيا عن قوله صراحة، عبّر عنه بيان لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم هناك، قدّم فيه موقفاً مناهضاً للمحكمة الدولية، واعتبر أنها «لم تعد تصلح للغرض الذي أقيمت من أجله»، ودعاها إلى «مراجعة قوانينها لتطبّق على كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة»، وهي دعوة ترقى إلى تأييد الدعوات الإقليمية إلى الانسحاب من المحكمة التي تتّخذ من هولندا مقراً لها.

وذهب بيان الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا أبعد من ذلك، في اتهام محكمة لاهاي بـ «السعي إلى فرض عدالة غربية انتقائية لا يقع تحت طائلتها سوى الأفارقة»، موضحاً أن «الجانب الأكبر من قرارات المحكمة الجنائية الدولية يستهدف دولاً معظمها في أفريقيا وشرق أوروبا، بلا مبرر»، معتبراً السودان «أحدث مثال» على ذلك، وهو موقف يتماهى مع ما يردّده الرئيس السوداني لجهة اعتباره المحكمة «أداة استعمارية موجّهة ضد بلاده والأفارقة»... وهو أيضاً الموقف الذي سبق أن عبّر عنه الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، بدعوته دول الاتحاد الأفريقي إلى الانسحاب من المحكمة.

وانحياز جنوب أفريقيا إلى الشعور السائد في القارة السمراء بأن القضاء الدولي «لم ينجح سوى في استهداف الأفارقة»، من شأنه أن يمعن في إضعاف محكمة لاهاي وتجريدها من أسنانها، ويثبت أنها تفتقد إلى عصا العدالة لتطاول بها المستهدفين بلوائحها وإجراءاتها، في حين أن مما لا شك فيه، أن البشير لن يفوت الفرصة للاحتفال بانتصاره في هذا التحدي، برفع عصاه التي يحملها عادةً في المهرجانات التقليدية، ملوحاً بها، متمايلاً على وقع الأناشيد الحماسية.