تكشف الحملة الأخيرة التي أطلقتها منظمات إسلامية أميركية طبيعة وحجم ما تضمره هذه المنظمات من اتهامات لوسائل الإعلام الاميركية وبعض السياسيين الأميركيين. فالحملة وتصريحات الكثيرين من قادة المنظمات الإسلامية توحي وكأن مسلمي أميركا يتعرضون لتمييز شديد ولحملات تشويه من قبل وسائل الإعلام.
ويتركز الاتهام على إرادة وقصد «الخلط بين داعش والدين الإسلامي»، وعلى تجاهل الإشارة إلى الإرهاب الذي يصدر عن تيارات أخرى، فيستشهد المتِهمون لذلك بجريمة القتل المروعة التي طاولت الطلاب المسلمين الثلاثة في ولاية نورث كارولينا.
والاتهامات ذهبت أبعد من ذلك عبر إستخدام هاشتاغ «موسليم لايف ماترز»، أي «حياة المسلمين تستحق الإهتمام»، باستلهمام هاشتاغ مشابه أطلقه نشطاء أميركيون ضد معاملة الشرطة السيئة للاميركيين السود.
لكن هل من الدقة القول إن مسلمي أميركا يتعرضون للتمييز أو إن وسائل الإعلام الاميركية تشوه صورة الإسلام من طريق الحديث عن داعش؟
واقع الحال أن غالبية القنوات الأميركية القومية ووسائل الإعلام الأخرى في الولايات المتحدة، تفرد ساعات بث طويلة وأعداداً كبيرة من الصفحات للتفريق بين الإسلام وداعش، كما تستضيف الكثير من الخبراء للغاية ذاتها. وما من شك في أن بعض التيارات اليمينية الأميركية تستغل فرصة الإجرام الداعشي لمهاجمة المسلمين، إلا أنها تشكل في مجملها فئة صغيرة ومنبوذة، وغالباً يُسخر منها أو تُهاجم من قبل عامة الأميركيين. وحتى قناة فوكس نيوز، التي يصنفها قادة المنظمات الإسلامية قناةً معادية للإسلام، اعتذرت ثلاث مرات لقيام احد ضيوفها الدائمين بطرح عبارات مبالغ بها مثل قوله إن مدينة بيرمينغهام البريطانية مدينة مسلمة بالكامل وفيها شرطة شرعية إسلامية. وقتها لم تسلم فوكس نيوز ولا المحلل إياه من انتقادات كل التيارات الأميركية ومن سخرية احرجت القناة، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا علق على الأمر ووصف المحلل بـ»الأحمق»، وكذلك الأمر بالنسبة للسياسيين الأميركيين من أوباما إلى كل القادة السياسيين في الحزبين الرئيسين، فهم دائماً يشرحون الفرق الجوهري بين داعش والإسلام.
فما هو، إذاً، السبب وراء ضيق هذه المنظمات بوسائل الإعلام؟
الأرجح أن الحوار حول القضايا العقائدية هو ما يزعجها. فأقنية التلفاز الأميركية ووسائل الإعلام المكتوب، خصصت الكثير من ساعات بثها وصفحاتها للحديث عن ظاهرة وحشية تهدد السلم العالمي مثل داعش. وكانت الحوارات والمقالات تتضمن الإشارة إلى نصوص دينية، فاستعين بمحللين ونُقاد لوضع هذه النصوص أمام العقل لتحليلها والبحث عن الفهم الحديث فيها على الملأ، كما قامت بعض المنابر الإعلامية مثل «هفينغتون بوست» بنشر مقالات تظهر نصوصاً دينية تحض على العنف موجودة في «الكتاب المقدس» بغية إطلاع الرأي العام الأميركي على حقيقة أن «النص القرآني» ليس الكتاب الديني الوحيد الذي يحض في جزء منه على العنف.
وهكذا ذهبت بعض المنظمات الإسلامية إلى الحديث عن المعايير المزدوجة، وعن استخدام كلمة «الإرهاب» للدلالة على إرهاب «المنظمات المتطرفة الإسلامية» وحسب، وأن الإعلام الأميركي تغافل عن تسمية ما حصل في نورث كارولينا بالإرهاب.
لا بد في هذا السياق، بطبيعة الحال، من الإشارة إلى أن جريمة نورث كارولينا، في حال ثبت أن من وراءها دافع العداء للإسلام، والأمر لم يثبت بعد، هي عمل فردي بحق، تم إحتواؤه عبر اعتقال المجرم. ولم يظهر، حتى الآن، أن القاتل ينتمي إلى تنظيم بحجم داعش، أو يسند جريمته إلى مرجعية ما تبررها، بخلاف حال المعتدين على صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية مثلاً.
مصطلح «إرهاب» يُستخدم، في الولايات المتحدة الأميركية، للإشارة إلى أعمال عنف منظم مثل تلك التي مارستها منظمة كي كي كي (كلوكلاكس كلان) المسيحية العنصرية البيضاء، لكنه لا يُستخدم للدلالة على حوادث إطلاق نار يذهب جراءها عشرات الضحايا من القتلى والجرحى مثل جريمة مدرسة ساندي هوكس الأخيرة. هذا على رغم أن هذه الجرائم المروعة تفرض وقعاً شديداً على الكثير من المواطنين الأميركيين وأهالي الضحايا. ثم تحول استخدام مصطلح «إرهاب» ليشير مؤخراً إلى منظمات إرهابية ذات طابع دولي. وما يُثير الأسف أن معظم هذه المنظمات ينضوي اليوم تحت سقف أيديولوجيا إسلامية تكفيرية.
وتستند هذه المنظمات إلى فهم خاطئ، برأي غالبية المسلمين، للدين الإسلامي، لذلك لا ضير في مناقشة «داعش» وتحليل وتفنيد مرتكزاتها «الشرعية». فحرية التعبير في أميركا لا يمكن لجمها أو تقويضها. فالأميركيون قدموا مئات آلاف الشهداء كي يتمتعوا بحرية التعبير التي يعيشونها اليوم. وهي الحرية التي يحظى بها اليوم كل المقيمين على الأراضي الاميركية، مسلمين وغير مسلمين.
* كاتب سوري
|