التاريخ: كانون ثاني ١٠, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
حزب "نداء تونس" قد يخسر رغم انتصاره - حسين أيبش
المفارقة هي أن "نداء تونس" يواجه سيناريواً خاسراً على الرغم من فوزه في الانتخابات، في حين أن حركة "النهضة" قد تخرج منتصرة على الرغم من هزيمتها في الانتخابات.

انتُخِب الباجي قائد السبسي، زعيم ائتلاف "نداء تونس" غير الإسلامي الذي أسّسه عام 2012 ليكون بمثابة مظلّة للمجموعات العلمانية التي كانت قد تفرّقت إلى أكثر من 12 تنظيماً، رئيساً لتونس في أول انتخابات رئاسية حرة ومفتوحة تشهدها البلاد، وذلك بفارق شاسع عن الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي بلغ نحو 11 في المئة.
تشكّل هزيمة المرزوقي ضربة قاسية أخرى لحركة "النهضة" الإسلامية. لقد دعموا الرئيس المنتهية ولايته لأنه ليس السبسي، ولأنهم اعتقدوا أنه سيتعاون معهم.

لكن بعدما تعرّضت "النهضة" للهزيمة في الانتخابات البرلمانية، لعله من الأفضل لها - ولو كان هذا مخالفاً للبديهة - أن مرشّحها المفضل لم يفز في الانتخابات الرئاسية. تواجه تونس مجموعة هائلة لا بل ساحقة من التحديات. لا يزال الاقتصاد يتخبّط. ويطرح العنف المتطرف مشكلة خطيرة ومتعاظمة. يشكّل التونسيون العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب في تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسوريا. وتواجه تونس حركة إرهابية متشدّدة محلية الطابع والمنشأ تتمثل في "أنصار الشريعة" الذي يعملون على الساحة الإقليمية في المناطق النائية في ليبيا والجزائر ومناطق أخرى في الصحراء والساحل.

يواجه "نداء تونس"، بعد فوزه بالعدد الأكبر من المقاعد في مجلس النواب ومن ثم بالرئاسة، المهمة الشاقة التي تُرتِّبها عليه مسؤولية التعامل مع كل هذه المسائل وسواها. لقد تطوّر الوضع بحيث بات "نداء تونس" على الأرجح بحاجة إلى ائتلاف مع "النهضة" أكثر من حاجة "النهضة" إلى ائتلاف معه.

تواجه الحركة الإسلامية الآن سيناريواً من شأنها أن تخرج منه منتصرة في مختلف الأحوال على الرغم من هزيمتها. فإذا ضُمَّت إلى الحكومة في ائتلاف مع "نداء تونس"، تكون قد أظهرت أنه على الرغم من خسارتها الانتخابات، قاعدتها الناخبة قوية ومهمة جداً إلى درجة أنه لا يمكن منطقياً أو عملياً إقصاؤها من الحكومة. وبهذه الطريقة تبقى قريبة من مقاليد السلطة، وتحافظ على أهميتها ونفوذها. من جهة أخرى، إذا شكّل حزب "نداء تونس" ائتلافاً من دون "النهضة"، فلن يكون على الإسلاميين سوى أن يردّوا بانتقاد أداء الحكومة، بحدّة متزايدة مع مرور الوقت، في موقع المعارضة الموالية.

أما في ما يتعلق بالسبسي فهو لا يواجه فقط مجموعة مخيفة من التحديات في السياسات، إنما يواجه أيضاً وضعاً جديداً بالنسبة إلى ائتلاف "نداء تونس". فمنذ تأسيس الائتلاف عام 2012، كان عبارة عن تجمّع متنافر من القوى والكيانات والشخصيات السياسية التي لا يجمع بينها سوى أمر واحد: إما هي غير إسلامية وإما هي مناهضة للإسلام.

أدركت المجموعات التي انضوت في إطار ائتلاف "نداء تونس" أنه حتى في المرحلة التي أعقبت مباشرةً سقوط النظام الديكتاتوري، لم تكن "النهضة" حزباً أكثرياً، بل اكتسبت النفوذ لأن المجموعات غير الإسلامية أو العلمانية كانت كثيرة وخلافية وتعاني من انقسامات شديدة. كانت الأكثرية غير الإسلامية موجودة، لكنها لم تكن قادرة على الحكم أو تشكيل ائتلافات متماسكة، لأنها كانت متصدّعة جداً، ما منح قوة لأقلية إسلامية كبيرة متماسكة وموحّدة.

وازداد التحدّي إلحاحاً عندما أصبح أداء "النهضة" في الحكومة في ائتلاف الترويكا أكثر هشاشة وعرضة للانتقادات الحادة في الأمن والاقتصاد على السواء. فضلاً عن ذلك، جاء تطوران أساسيان في المفاوضات الدستورية ليُشرِّعا الأبواب أكثر أمام وصول "نداء تونس" إلى السلطة.

أولاً، أظهر فشل مبادرة الإقصاء السياسي بأن الشعب التونسي يُعيد النظر في موقفه من الأفرقاء الذين خاضوا تجربة في الحكم في ظل النظام الديكتاتوري السابق، والتي اعتُبِرت إبان الانتفاضة بأنها وصمة أو نقطة سوداء في سجل السياسيين والتكنوقراط؛ وبأنه بات يتعامل مع هذه التجربة الآن على أساس أنها قد تكون أمراً مستحباً. فالخبرة والقدرة التقنية لم تكونا بالضرورة أمراً سيئاً، ولا يمكن اعتبار كل من كان على ارتباط بالنظام السابق بأنه من فلول الحكم الديكتاتوري.

ثانياً، نظراً إلى اضطرار "النهضة" للتنازل في موضوع طبيعة النظام السياسي الناشئ في تونس، والقبول باضطلاع الرئاسة بدور أساسي، حصل حزب "نداء تونس" على مصدر إضافي للنفوذ على المستوى الوطني. بطبيعة الحال، كانت "النهضة" تؤيّد بشدّة إنشاء نظام برلماني، نظراً إلى أنه كان بإمكانها الاعتماد بقوة على قاعدتها للحصول على ما لا يقل عن 20 إلى 30 في المئة من الأصوات في أية عملية اقتراع وطنية. وبهذه الطريقة، يحصلون بصورة دائمة على قوة مهمة، لا بل مسيطرة، في البرلمان. لكن تلك القاعدة نفسها تتطلب قدراً كبيراً من الدعم الخارجي للفوز بالرئاسة، لا سيما في إطار منافسة مباشرة مع مرشح غير إسلامي قوي وشعبي يستطيع الاعتماد على الدعم من الأكثرية العلمانية.

وقد اضطرت "النهضة"، في هذا السياق، إلى القبول بنظام مختلط في الدستور الجديد يمنح صلاحيات كبرى للبرلمان في الشؤون الداخلية، إنما يُفوِّض الرئاسة سلطة قوية في شؤون الأمن والدفاع. وهكذا فإن موقع الرئاسة القوي فُصِّل تقريباً على مقاس "نداء تونس" في شكل عام، والسبسي في شكل خاص.

لكن بعد فوز السبسي و"نداء تونس" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية على السواء، سيجدان أن تسلّمهما حصرياً مسؤولية التحديات التي تواجهها تونس قد يكون بمثابة إكليل من الشوك. لن يندما على فوزهما. لكن إذا أقصيا "النهضة" من الائتلاف العتيد في مجلس النواب، قد يواجهان معارضة تزداد قوة وشعبية مع تفاقم المشكلات التونسية (وتفاقُم هذه المشكلات أمر مرجّح جداً، بغض النظر عن السياسات التي تعتمدها الحكومة أياً كان شكلها). لقد تجنّبت "النهضة" الفخ الذي وقع فيه "الإخوان المسلمون" في مصر عبر الابتعاد عن الغلوّ، فنجحت في الحفاظ على حيويتها السياسية والقدرة على العودة بقوة.

كبير الباحثين في "فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين".

(أقسام من مقالة أطول)
ترجمة نسرين ناضر