التاريخ: كانون ثاني ٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
السوريون على مشارف عام جديد! - أكرم البني
بعيداً من تنبؤات المنجمين وخبراء الفلك، ربما يتوقع السوريون جيداً ما الذي ينتظرهم في العام المقبل، أوضحه المزيد من تفاقم الصراع الدموي وما يخلفه من ضحايا ودمار ومشرّدين، ومن تشاؤم ويأس بخلاص قريب من كارثة يرجح أن تخرج عن السيطرة وتزداد حدة واتساعاً.

في البعيد، ومن مخيمات اللجوء، سوف تتصاعد أكثر فأكثر أنّات المعذبين والمعوزين وهم يكابدون شروط حياة تشتد قسوتها حيث تتراجع فرص حصولهم على المواد الغذائية والرعاية الصحية طرداً مع التراجع المتوقع للقدرة الأممية على تأمين هذه الاحتياجات الضرورية، وسيكون الأطفال أكثر المتضررين، فلن يحمل لهم العام المقبل المن والسلوى، بل الأخبار عن أعداد قتلاهم والمشوهين منهم بسبب المرض أو سوء التغذية، وعن المصير المفجع لمن تم تجنيدهم في شبكات التسول والجريمة والدعارة وبخاصة من القصر.

وفي البعيد أيضاً سوف تتضح أكثر الاحتجاجات الخجولة لطالبي اللجوء والمهاجرين إلى بلدان غربية، فثمة معاناة غير متوقعة من ظروف حياة لا تليق أو لم ترض «أحلامهم»، ربما بسبب قصور الإمكانيات المخصصة لاستيعاب هذا الفيض منهم، وربما بسبب صعوبة تأقلمهم مع محيط أجنبي بات متحفظاً وأحياناً معادياً، فكيف الحال بالنسبة إلى اللاجئين في بلدان الجوار مع ما نراه كل يوم من حالات ازدرائهم وإذلالهم وامتهان كراماتهم لمجرد أنهم سوريون.

وفي القريب يرجح ان تتعمق معاناة السوريين في عامهم الجديد وبخاصة ملايين النازحين ومن وجوه كثيرة، بدءاً بالبحث المضني عن مأوى ولقمة عيش وعن ذويهم من المعتقلين والمفقودين، مروراً بتراجع فسحة الأمن والآمان مع انتشار حواجز وجماعات مسلحة غير منضبطة، يمكنها أن تعترض أياً كان وتبتزّه أو تقرّر مصيره كما يحلو لها من دون خوف من المساءلة والحساب، ثم تصاعد وابل القصف والقذائف التي تسقط بصورة عشوائية على الأحياء السكنية من دون اكتراث بما تخلّفه من ضحايا ودمار، ومروراً بالتردّي في شروط الحياة جراء تعطل غالبية المشاريع الإنتاجية وتدهور القدرة الشرائية وتفشّي غلاء فاحش، ربطاً بصعوبة تأمين مستلزمات حيوية كالغاز والمازوت، وتفاقم مشكلات الانقطاع المتواتر للماء والكهرباء، وانتهاءً بتهتّك البنية الخدمية الصحية والتعليمية، وأبسطها عودة بعض الأمراض السارية بعد أن طواها الماضي، وتزايد أعداد الأطفال المشردين الذين باتوا من دون تعليم وضاعت فرصهم في بناء مستقبلهم.

وفي القريب أيضاً وفي المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، سوف تزداد شروط عيش السوريين سوءاً وتعقيداً بسبب الحصار المزمن ونمط الحياة الذي تفرضه المعارضة المسلحة هناك، يزيد الطين بلة، والحصار حصاراً، تنامي حالات الفساد والتواطؤ مع تجار الحروب للاستئثار بكل شيء على حساب حاجات البشر، وأيضاً العقوبات الشنيعة التي تنفذها الجماعات الإسلاموية بحق من يخلّ بما وضعته من قواعد ونواهٍ، كقطع الرؤوس والأيادي والجلد والصلب والرجم وغيرها، ثم سبي النساء وفرض زواج الفتيات القاصرات من مجاهدين في أعمار آبائهم، عداكم عن التجنيد الإجباري لألوف الأطفال وزجّهم في قتال مكشوف يوازي الانتحار أو تحويلهم قنابل موقوتة يتم تفجيرها من بعد.

وعند السؤال عن جدوى التحركات والمبادرات التي نشهدها هذه الأيام كالمسعى الروسي لعقد مؤتمر حوار بين السلطة والمعارضة، وعما إذا كان العام الجديد سيحمل فرصة جدية لوقف العنف والشروع بمعالجة سياسية للاستعصاء القائم، يأتيك الجواب من عيون السوريين حين تفيض بحزن ساخر ومرارة عميقة.

صحيح أن وقف العنف بات ضرورة لإعادة الاعتبار للطابع السياسي للصراع، وصحيح أن إعلان التزام الجميع الحوار هو اعتراف واضح وإن متأخــــر بفشل خيار الحرب وتراجع صريح عن منطق القوة والغلبة وعن الدعوات المتبادلة للحسم والسحق، لكن يبدو أن لا مكان للتفاؤل عنـــد السوريين بأن تقف بلادهم في العام المقبل علــى مشارف مرحلة جديدة تحتل فيها المعالجة الســـياسة الحيز الأكبر، ربما لأنهم خير من يدرك طابع أطراف الصراع التي في غالبيتها تزدري الســـياسة وترفض تقديم تنازلات تفتح الباب أمام حلول سلمية والتي عادة ما تلجأ للتفاوض كي تربح الوقت وتتوغل أكثر في الفتك والتنكيل عساها تحقق «انتصارها المرتقب»، فكيف وقد باتت محكومة بمراكز قوة وجماعات مسلحة يهمها استمرار الوضع القائم لما يدره لها من نفـــوذ وامتيازات! وربما لأنهم خير من يعرف إن قرار وقف العنف والبدء بمعالجة بؤرة الصراع السوري سياسياً، لم يعد بيد أطرافه الداخلية بل رهينة قوى خارجية لها مصلحة في تركه مفتوحاً، ربما حتى آخر سوري، طالما لا تزال خريطة النـــظام الإقليمي الجديد في طور الصياغة ولا تـــزال الخلافات مستمرة حول حصص النفوذ، وطــالما ثمة حاجة للاستثمار غربياً في هذا الصراع بدليل حرص التحالف الدولي على الاكتفاء بكسر شوكة داعش وتحجيمه، مرة لاستجرار مزيد من الكوادر الداعمة له إلى المقتلة، ومرة لاستنزاف الخصوم والضغط عليهم، ومرة ثالثة كي تبقى داعش وأخواتها فزاعة لشعوب المنطقة حتى لا تفكر مرة أخرى بحقوقها وحريتها وكرامتها.

أهو حظ السوريين العاثر ألاّ يكترث أحد بمشاهد موتهم وعذابهم وتشرّدهم ودمار بنيانهم؟! أم ابتلاؤهم بقوى متصارعة لا تقيم للإنسان وزناً وتحكمها مصالح أنانية وأوهام عن جدوى العنف ومنطق كسر العظم؟! أم انتماؤهم إلى بقعة حيوية كانت ولا تزال محط اطماع الغير؟! هذه الأسئلة تتردد بألم ومرارة على كل لسان عند النظر الى ما آلت اليه الأمور، مشفوعة مع إطلالة العام الجديد برجاء جمعي، بأن ينجلي هذا الليل الطويل وتنتهي هذه المحنة، كما لو أن السوريين البسطاء توافقوا أخيراً، على اختلاف مواقعهم، على ضرورة الخلاص من هذا الوجع والخراب وعلى الرفض الصريح لاستمرار العنف ولأية دوافع تسوّغ هذا الاستهتار المخزي بأرواح البشر ومستقبل وطنهم.