التاريخ: كانون ثاني ٣, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
الإرهاب في سوق الاتهامات المتبادلة - خالد غزال
لا يزال سوق محاربة الإرهاب رائجاً بقوة في المنطقة العربية تحت عنوان رئيسي يتمثل بالتصدي لتنظيمات الإسلام السياسي التي تمارس الإرهاب في سورية والعراق في شكل رئيسي. تقود الولايات المتحدة حلفاً دولياً يتصدى بغاراته الجوية لمواطن التنظيم الإرهابي الأساسي، ويضيف هذا التحالف الى حربه اتهامات للمعسكر الذي تقوده إيران برعايتها للإرهاب في المنطقة. في المقابل، تقدم إيران نفسها قائدة لتحالف «ممانع»، يضم العراق وسورية وبعض تنظيمات الإسلام السياسي، يدعي محاربة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات غير المنتسبة الى المذهب الذي تنطلق منه، وتصنف نفسها في صف المتصدي للولايات المتحدة الأميركية التي تقف وراء الإرهاب. فهل ينطق الطرفان بالحقيقة في مواقفهما واتهاماتهما؟ وما الفعلي على هذا الصعيد؟

على رغم ما تمارسه الولايات المتحدة اليوم من دور في محاربة الإرهاب، فإن الوقائع على امتداد سنوات تظهر كم ان هذه الدولة ساهمت في خلق التنظيمات الإرهابية ورعايتها وتوظيفها في خدمة مصالحها. من إنشاء تنظيم القاعدة لمحاربة الاتحاد السوفياتي الى تسهيل دخول القوى المتطرفة الى سورية تحت حجة إبعاد خطرها عن الولايات المتحدة، وبما يساهم في تصفية قوى الإرهاب بعضها بعضاً. أما إيران، فهي دولة قامت في الأساس على الإرهاب في أرضها، وارتكبت من المجازر والتصفيات ما لا حد له ضد القوى التي اعتبرتها معارضة لنظام الملالي. تجلى دورها الإرهابي خلال السنوات الماضية في التدخل العسكري في الصراعات الجارية وإلباسها طابعاً طائفياً ومذهبياً ضد القوى الطائفية الأخرى، وهو أمر ألهب السعار الطائفي وخلق ردود فعل مضادة، وساهم في نبش تاريخ من الصراع المذهبي بين السنة والشيعة يشكل اليوم أهم وقود لنشر نار الإرهاب. أما النظام السوري الذي لا يكف يومياً عن ادعاء محاربة الإرهاب، فإنه اليوم الأب والأم لهذا الإرهاب. كيف نرى الى البراميل المتفجرة التي تضرب السكان المدنيين، وبماذا نصنف مقتل أكثر من مئتي الف سوري وتشريد نصف سكان سورية، إضافة الى الدور الذي لعبه النظام في خلق ونشر قوى «داعش» و «النصرة» لمقاتلة المعارضة السورية وجيشها الحر؟ الا يندرج ذلك في خانة الإرهاب؟ لم تكن تنظيمات الإسلام السياسي التي تقاتل مع النظام السوري وتحت العلم الإيراني، أقل عنفاً وإرهاباً في ممارستها ضد أبناء البلدات السورية التي دخلت اليها.

لا تبدو الحملة ضد الإرهاب من الجانب الأميركي او الإيراني بريئة وهادفة فقط الى الحد من خطر التنظيمات المتطرفة. فالمصالح والمطامع الإقليمية تظلل أهداف المعسكرين. لا تزال الولايات المتحدة الأميركية ترى ضرورة لوجودها العسكري المباشر في المنطقة من أجل حماية الثروات النفطية والمعدنية الرخيصة الثمن قياساً الى الخارج. يتطلب هذا الوجود بقاء خطر خارجي يهدد بلدان الخليج المحتاجة دوماً الى المساعدة الأميركية لدرء هذا الخطر. في المقابل، تمارس الولايات المتحدة تدميراً مقصوداً لبعض البنى التحتية والمنشآت النفطية، من أجل ان تتولى الشركات الأميركية لاحقاً إعادة البناء، وهو أمر كان شديد الوضوح في الحرب التي خاضتها أميركا ضد العراق في الكويت في تسعينات القرن الماضي. كما لا يخفى ان الولايات المتحدة تحتاج كل عقد من الزمن الى الدخول في حرب او افتعالها من أجل تصريف مخزون السلاح المتراكم لديها وبناء ترسانة جديدة مستندة الى ما تكون الثورة التكنولوجية قد قدمته حديثاً.

لا يختلف الموقف الإيراني عن الأميركي في مطامعه الإقليمية. تطمح إيران منذ قيام ثورتها في 1979 الى استعادة دورها السابق كشرطي للمنطقة وفق ما كان معطى للشاه سابقاً. لم تتوقف يوماً عن مد نفوذها الى أي بلد ترى ان ممراته الداخلية تسمح لها بالامتداد. نجحت في لبنان من خلال رعايتها وتقويتها لـ «حزب الله»، وجاءتها الفرصة الذهبية في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وتسليمه السلطة الى حلفاء ايران المذهبيين. تصرفت إيران في العراق في وصفه ولاية إيرانية، ونصبت قيادات كان كل همها استعادة الصراع المذهبي التاريخي لكسب تأييد اوسع الأوساط الشعبية. كما وجدت فرصتها الكبيرة في دعم النظام السوري وإلحاقه بمنظومتها السياسية والطائفية، فتدخلت عسكرياً بقواها المباشرة وبحلفائها خصوصاً «حزب الله»، وسعّرت من التعبئة المذهبية والطائفية وصبغت الحرب الدائرة بهذا السعار. كما لم تتوان عن مد أذرعتها الى اليمن في دعم الحوثيين واعتبارهم جزءاً من قوتها الإقليمية. سبقت كل ذلك تدخلات لم تنقطع في البحرين تحت حجة حماية الطائفة الشيعية. إضافة الى كل ذلك، شكلت الامتدادات الإقليمية لإيران متنفسّاً لنقل أزماتها السياسية والاقتصادية الى الخارج هروباً الى الأمام من مواجهة تناقضات الداخل.

في معمعة محاربة الإرهاب، زوراً او حقيقة، تدفع الشعوب العربية من لحمها الحي أثماناً باهظة لحرب لا أحد يعرف المدى الذي ستستغرقه، ولا الأهداف السياسية التي سترسو عليها.

* كاتب لبناني