التاريخ: كانون الأول ٢, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
الإخوان والدولة في الأردن و... حدود قضيّة بني أرشيد - إبراهيم غرايبة
العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن معقدة وملتبسة، شأنها شأن السياسة العامة في المنطقة. وهي تضمنت على مدى العقود السبعة الماضية طيفاً واسعاً من الخصومة والاتفاق والاختلاف والتعاون والتحالف، لكنها في محصلتها كانت وما زالت تواطؤاً على لعبة يتشارك فيها الطرفان بنسبة تكفي لاستمرارها في مجموعة من القواعد والتفاهمات المفيدة للطرفين، ويتحمل الطرفان أيضاً في المقابل التزامات وأعباء يقبلان بها لأجل تحقيق قدر من الرضا والتماسك الاجتماعي وراء سياسات الدولة والمجتمع.

يقيّم جميع أطراف الصراع مسألة اعتقال زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، بأنها بناء على تهمة موجهة لمواطن بعينه بإلحاق الضرر بالعلاقة مع دولة شقيقة، ولا تمتد هذه التهمة الى جماعة الإخوان. وأن يكون المتهم من الإخوان والرجل الثاني في الجماعة فلا يشمل ذلك الإخوان، ذلك أنه نشر بصفته الشخصية وعلى صفحته الشخصية آراء وتعليقات اعتبرت مسيئة لدولة صديقة وتضر بالعلاقة والمصالح المشتركة معها. وعلى رغم أنه يصعب عملياً فصل المسألة عن الإخوان، ولكن من الناحية القانونية والتقنية اعتبر الأمر كذلك، كما حدث من قبل عندما اعتقل ثلاثة نواب من الإخوان في البرلمان الأردني لمشاركتهم في تقديم العزاء بمناسبة مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ولأن أحدهم قدم تصريحات في قناة فضائية اعتبرتها الحكومة مسيئة ومضرة بالتماسك الاجتماعي والسياسة العامة والخارجية الأردنية، ولم تشمل التهمة الإخوان وإن تأزمت العلاقة، وهو ما يبدو انه يحدث اليوم بسبب اعتقال بني ارشيد.

وبالنسبة إلى الدولة الأردنية فإنها تنشئ علاقتها وتسمح للجماعة بالعمل لتحقيق مجموعة من أهداف الدولة والمجتمع تجدها ضرورية ومهمة لبناء التماسك الاجتماعي وراء سياسات الدولة ومواقفها، وتتحمل لأجلها الاختلافات الكثيرة مع الجماعة. ففي تنظيم الحياة السياسية على أساس الانتخابات النيابية ومواصلة هذه الانتخابات وتكرارها تحرص الدولة على تحقيق أكبر مشاركة شعبية ممكنة في الانتخابات، لأن صدقية هذه الانتخابات والنتائج والتشريعات والسياسات القائمة عليها في ما بعد مستمدة من مستوى المشاركة في الانتخابات، ولأن المعارضة تمثّل صدقية وتماسكاً اجتماعياً وسياسياً لا يقل عن التأييد، كما أن هذا العقد الاجتماعي لا يمكن إدامته وصيانته إلا بهذه المشاركة الشعبية، فهي تعبير عملي عن القبول بقواعد التنافس والتدافع السياسي الذي تراه قيادة الدولة الأردنية يعمل لمصلحتها، وإن كان مفيداً للمعارضة أيضاً ولجماعات سياسية لا تتفق كلياً مع قيادة الدولة والنخبة السياسية والاقتصادية المتحالفة مع النظام السياسي والمشاركة في تأسيسه. 

لكن وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن إجبار مواطن على اتجاه فكري أو سياسي أو منعه من ذلك، وما من حيلة سوى استيعاب هذا الخلاف في عملية سياسية واجتماعية مشتركة تحافظ على السلم الاجتماعي.

وقد حقّق الإخوان في ذلك فوائد ومكاسب سياسية واجتماعية للدولة لا تقلّ عن المكاسب التي يحققونها لأنفسهم، ففي التزام الإخوان بحدود وقواعد التدافع السياسي فإنهم يضبطون جمهورهم وقواعدهم الاجتماعية في هذا الاتجاه ويشاركون في حماية الشارع والجماهير من الانزلاق الى الفوضى والتطرّف، وتشعر الجماعة وقواعدها وجماهيرها أنها كاسبة وتحقق تأثيراً معقولاً في السياسة، وتدرك بطبيعة الحال أنها تكسب وتخسر، لكنها مباراة يقبل بها وبنتيجتها أطرافها، وهذا يجعلها قادرة على الاستمرار، تماماً مثل أن المشكلات وأعمال الشغب والتوتر المصاحبة لمباريات الأندية الرياضية لا تؤدي إلى إلغاء المباريات.

وفي مجال السياسة الخارجية فإن الدولة الأردنية بالتزامها تجاه المقدسات الدينية في القدس تجد في التحالف مع الشعب الفلسطيني في فلسطين والأردن وإسرائيل في التصدي للإجراءات الإسرائيلية تجاه القدس، وبالطبع فإن الإخوان في الأردن وفلسطين وإسرائيل يمثلون شريكاً مهماً للدولة الأردنية في مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلية.

باختصار وبساطة هي إدارة لشراكة بين خصمين يرى كل واحد الآخر ما من صداقته بدّ، ولكن يجب الإشارة إلى أزمتين كبيرتين في هذه العلاقة؛ إحداهما تقنية والأخرى فكرية، فعمل الجماعة رغم مرور سبعين عاماً مازال محوطاً بالغموض والسريّة والانتهاكات والمخالفات والخروج على القانون وولاية الدولة ومؤسساتها القضائية والمرجعية، وقد يكون ممكناً تصحيح هذه المشلكة ولا بد من الابتداء بذلك على رغم صعوبته وقسوته. لكن ثمة خللاً فكرياً جوهرياً يفسد ويبطل المشاركة السياسية للإخوان والتي دفـعوا بأنفسهم إليها من دون التزام بقواعدها المنشئة والمبررة لاستمرارها، وهي أنه لا يمكن التقدم بما يعتقدون أنه الحق المنزل من السماء الى الناخبين لأجل المشاركة في البرلمان والحياة السياسية، فإن كان خطابهم حقاً نزل من السماء فلا يمكن ولا يجـوز التقــدم به للتصويت عليه في الصناديق، وإن كان قابلاً للتصويت فهو بالضرورة ليس حقاً نزل من السماء!


* كاتب أردني