التاريخ: كانون الأول ١, ٢٠١٤
المصدر: موقع عمون الاردني
مصر تجرم ثورتها - فهد الخيطان
كل ما وقع في مصر قبل ثورة يناير من فساد ونهب لثروات البلاد قيد ضد مجهول. أما قتل المتظاهرين خلال الثورة فتم بالخطأ؛ أيدي الرئيس ونجليه، ووزير داخليته ومن هم في حكم المساعدين نظيفة وطاهرة.

ذلك هو ملخص الأحكام التي صدرت في الأمس بحق الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ونجليه؛ جمال وعلاء، ووزير داخليته حبيب العادلي، وكبار مساعديه.

حكم البراءة في جوهره السياسي إدانة كاملة لثورة يناير، ولملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع رافعين شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومنطوق الحكم يذهب أبعد من ذلك ليجرّم كل ثورات الربيع العربي التي كان محركها الأساس رغبة الشعوب العربية بالانعتاق من نير الدكتاتورية والفساد، وإقامة الحكم الرشيد.
مادام نظام مبارك بريئا من الفساد فما معنى الثورة عليه؟حكم القضاء المصري يجيب عن هذا السؤال؛ الثورة كانت خطأ فادحا، وحان الوقت لتصحيح هذا الخطأ. والبداية تكون بحكم يعيد الاعتبار لرموز النظام بمن فيهم رجل الأعمال الهارب من وجه العدالة حسين سالم.

مبارك بشخصه لن يعود إلى كرسي الحكم، لكن مصر كلها بعد الحكم تعود للحظة مبارك قبل الثورة، أيا يكن رئيسها ورموزها اليوم. هذا هو المطلوب في الحقيقة؛ فالرجل على المستوى الشخصي لم تعد له قيمة في الحياة السياسية، المهم تجريم الثورة على النظام القديم ليعود بحلة جديدة، وقد عاد.

كانت أمام نظام عبدالفتاح السيسي خيارات كثيرة، وليس مفهوما أبدا لماذا اختار أسوأها. كان بوسعه أن يقطع تماما مع الماضي، ويجعل من"ثورته" على حكم مرسي تاريخا لعهد جديد ينهي الصلة مع ماسبق من ثورات مصرية. 

خيار كهذا سيكون أقل كلفة عليه من العودة الطوعية إلى زمن مبارك، ليبدأ من حيث انتهى.

لكنه بما فعل أمس لم يكتف بتجريم ثورة يناير، إنما أخذ في طريقه أيضا "تمرد" المصريين على حكم مرسي، وجرم نفسه بنفسه، وجعل"الإنقلاب" الوصف الوحيد على ماحدث في 30 يونيو.

ليس معلوما بعد كيف لمصر أن تتجاوز آثار الحكم الكارثي. حتى الأمس أخفق النظام بما وعد به لجهة استعادة الاستقرار الأمني، وإطلاق عملية البناء في مصر التي يعاني شعبها من كوارث اجتماعية واقتصادية.

النظام يمعن في الحل الأمني، كل يوم يواجه أعمالا إرهابية في سيناء، وحوادث قتل في القاهرة والمحافظات، ولايجد وسيلة لتطويق العنف غير المزيد من الإجراءات الأمنية، ومصادرة هامش الحرية البسيط، وسجن كل من يبدي ولو بالإشارة معارضته لسياسات النظام.

التسويات الإقليمية لاتكفي لوضع مصر على السكة الصحيحة. ثمة حاجة ماسة لمصالحة وطنية في الداخل، قبل الانتخابات التشريعية. في هذا المناخ لايمكن توقع إلا المزيد من التدهور الأمني والاقتصادي، مهما بلغت المساعدات من الحلفاء الخليجيين.

الحاصل بعد الحكم أن النظام المصري"الجديد" لم يبقِ حليفا له في الداخل غير"الفلول"؛ جماعة مبارك ورجاله الذين عادوا لمواقع المسؤولية منذ أشهر،وهاهم اليوم يحتفلون بحكم البراءة إيذانا بعودة النظام الذي ظلمه المصريون حين ثاروا عليه!
(الغد)