التاريخ: أيلول ١٩, ٢٠١٤
المصدر: موقع العربي الجديد
الزعيم "قابل للكسر" - وائل قنديل
لماذا يخاف أتباع عبد الفتاح السيسي عليه من زيارة نيويورك، لدرجة أنهم استعانوا باللوبي الصهيوني، لكي يحميه معهم من هتافات ولافتات معارضيه؟
 
لقد بشروا الشعب الأميركي الأسود، قبل أيام، بأنه وحده القادر على إنقاذهم من ديكتاتورية أوباما، شريطة أن يفوضوه في ذلك، فلماذا القلق؟
 
يتعامل جمهور الثورة المضادة مع عبد الفتاح السيسي باعتباره "محمية طبيعية"، يكاد بعضهم يلصق عليه عبارة "قابل للكسر"، ومن ثم ممنوع الاقتراب منه.
 
معارضة السيسي صارت جريمة عقوبتها أشد من عقوبة إهانة المقدسات، أو العيب في الذات الإلهية، ليس على مستوى الجماهير الغارقة في آبار الكاريزما الفالصو فقط، وإنما على صعيد نخب سياسية وثقافية، من المفترض أنها تمتلك وعيا نقديا أيضا.
 
في حالة الكتلة الجماهيرية المتحلقة حول "التابو"، يمكن أن نجد تفسيراً في ما يمكن اعتباره نجاحاً من السلطة الجديدة في الاستثمار بحالة اللاوعي. لكن، ما المبرر في حالة تلك النخب التي حصلت على ما حصلت عليه بين الجموع من نزعتها النقدية الزاعقة في عصور غابرة؟
 
في أزمنة عبرت، كانت عبارة "ذهب المعز وسيفه" مفتاحا للتفسير، غير أننا أمام حالة "معز" متواضع القدرة، يقف ممسكاً في يد بسيف غاشم، بينما الأخرى تخلو من أي ذهب أو حتى فضة.
 
هو السيف، إذن، الذي ألزم تلك النخب صاحبة الهصارة والجسارة (سابقا) كهوف الصمت، وإن أطلت برأسها من كوة صغيرة يسمح بها نظام المعز، فللتصفيق والهتاف، ليس أكثر.
 
لقد عرف التاريخ نماذج متعددة من جمهوريات الخوف و"جمهوريات الموز"، لكننا بصدد نموذج فريد في نوعه، يمكن أن نطلق عليه "جمهورية الموز بالخوف"، وهي أشد وطأة وأكثر سطوة، إذ تبدو النخب محاصرة بين خوفين: الأول، خوفها من الاعتراف بإسهامها في خداع الجماهير بمشروع سياسي انقلابي، تثبت الأيام أنه أكثر فشلاً، وأعلى كلفة، مما تم الحشد للانقلاب عليه.. والخوف الثاني مصدره لمعة سيف المعز في يده الباطشة، خصوصاً مع تطاير الرؤوس التي تجرأت وارتفعت، وقص الألسنة التي تهورت فهتفت ضد الجنون الذي يمرح ويعربد على امتداد خارطة الوطن.
 
إن أبسط وأخف عقوبة لمن يجرؤ على الكلام في مصر، الآن، هي حظر السفر والإبعاد عن وسائل التعبير، وهؤلاء يمكن تصنيفهم من "سعداء الحظ"، إذ تصل العقوبة إلى أبعد من ذلك، وأفدح بكثير، في ظل هذا الانتشار المخيف لعسس الصحافة والثقافة والسياسة.
 
ولو نظرت إلى حالة التوجس والفزع لدى أتباع السلطة العسكرية، من جماهير عادية ونخب، بمناسبة اقتراب زيارة رئيسها إلى نيويورك، ستكتشف هشاشة الداعم والمدعوم، إلى الحد الذي يجعلهما على هذه الحالة من الرعب من إمكانية ظهور أصوات معارضة للزيارة في أميركا.
 
هذا الفزع لا يضاهيه إلا هلعهم الطفولي من قناة فضائية أو قنوات، كل ما تفعله أنها تمنح مساحة لصوت آخر، ورأي آخر، الأمر الذي يشعرك بالخجل، وأنت ترى مصر الكبيرة تقيم الأفراح الرسمية لأن مجموعة من معارضي سلطتها سيغادرون الدوحة.
 
إن نظاماً يربط بقاءه واستمراره بإغلاق منافذ إعلامية، وخنق كل صوت معارض له، هو نظام فاقد الجدارة بالحياة، يشبه مولوداً مبتسراً، يجب أن يوضع في "حضانة"، ولا يتعرض للضوء، أو للهواء.

وائل قنديل رئيس تحرير "العربي الجديد"