التاريخ: أيلول ١٧, ٢٠١٤
المصدر: موقع العربي الجديد
داعش و"صراع الحضارات" - لميس أندوني
إذا استمعنا جيداً إلى ما تقوله داعش وأنصارها، نجد نظرةً إلى العالم، ترى حرباً مستمرة بين الغرب والإسلام، جوهرها الدين، وليس السياسات الاستعمارية، وكأن الاستعمار لم يستهدف شعوباً أخرى، غير مسلمة وبل ومسيحية أيضاَ، أي نجد ترويجاً مقلوباً لمقولة "صراع الحضارات"، وإن كان يخدم، في النهاية، التدخل العسكري في المنطقة. ويقدم قطع الرقاب، خصوصاً لرهائن غربيين دليلاً على "حرب الحضارات" الكاذبة، إذ إن مشاهد قص الرؤوس البشعة دعاية مجانية للأهداف الأميركية التي اعتمدت الإسلاموفوبيا بالأساس، لترهيب الغربيين ودفعهم الى تأييد حروب تلتحف بشعار" تدخل حضاري إنساني"، وهو ليس حضارياً ولا إنسانياً. الصدمة الغربية بمشاهد جرائم داعش، وغيرها من مثيلاتها، لا تخلو من نفاق، أو على الأقل تناقض حاد، فما يصدم كثيرين في الغرب، وخصوصاً الحكومات، هو الفعل الذي ارتكب ضد الغربي، أو أحياناً، الحليف الغربي؛ فمشاهد أجساد أطفال غزة الممزقة لا تولد ردة الفعل نفسها، فحياة الغربي والإسرائيلي أغلى قيمة من حياة الإنسان العربي. النفاق الغربي يؤثر عميقاً في نفسية شباب عربي، خصوصاً المهمش أو اليائس من أمل التغيير والتحرر. وفي لحظة غضب، تصبح الخطوط الفاصلة بين الغرب والشرق جداراً لا يمكن التعامل معه إلا بمواجهة شرسة، لا تعرف سوى الانتقام، والاستعانة بحكم دينيٍّ مطلق، والانخراط في عملية هدم تُقصي كل من هو "عدو"، من جندي عراقي إلى صحفي أميركي أو أي فئة خارجة "عن الدين". فتغيب الرؤية نتيجة غياب برامج للتغيير، ونتيجة استبداد الأنظمة، وندخل في أتون" صراع حضارات" مزيف، يجدد للاستعمار روحه وتبريراته ونظرياته اللاأخلاقية المختبئة تحت ادعاءات أخلاقية، هي، في حقيقتها، متعالية، ترى في الآخر وحشاً يجب ترويضه أو حبسه أو قتله لا أكثر. "صراع الحضارات" نظرية استشراقية، ترى في اصطدام العالمين، العربي والإسلامي، مع الحضارة الغربية، نتيجة حتمية بسبب الفجوة "الحضارية" بين الجانبين؛ الغرب "المتحضر الراقي" والشرق "الهمجي"؛ في اختزال مشوه لتبرير حروب أميركا الاستعمارية، من الحرب على الإرهاب وقصف أفغانستان وغزو العراق وما بينهما وما تبعهما. المؤرخ الاستشراقي برنارد لويس أول من نحت مصطلح "صراع الحضارات"، ليبرهن على أن لا وجود لعالم عربي، بل لطوائف، فيما إسرائيل تحمل سمات الدولة، أما المحيط العربي فمن الممكن تذويبه، تبعه صامويل هنتغتون الذي استعمل المصطلح في عنوان كتاب بشر فيه باصطدام قادم مستمر بين الغرب والإسلام. كان الهدف إيجاد عدو جديد، بدلاً من الشيوعية، لتبرير الهيمنة الأميركية وصناعة وتجار السلاح، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأصبح "صراع الحضارات" جزءاً من السيكولوجية الغربية الرسمية، ومن تعبئة الشعب والجيش الأميركي، كجزء من تقويض إنسانية الشعوب المستهدفة بالحروب الأميركية. يجب التذكير، هنا، أن دعم" إسلام سياسي" كتطرف، بل وإيجاد وتمويل مجموعات مسلحة، كان في قلب السياسية الأميركية، وسياسة حلفائها العرب، خلال الحرب الباردة، ولم يبدأ التحول بعد إضعاف الاتحاد السوفييتي وانهياره، فالموقف من الإسلام ليس من الدين نفسه، بل من كيفية توظيفه واستغلال الشعوب والأنظمة، خدمة للاستراتيجيات الأميركية. ما نراه، الآن، ليس برهاناً على صحة نظرية "صراع الحضارات"، بل استمراراً لحروب الهيمنة الأميركية، والتحالف الرسمي معها، وتداعيات لتصنيع جماعات "دينية متطرفة"، أصبحت تعبيراً للغضب، لكنها بقيت ذريعة لاستبداد الأنظمة وحروب الاستعمار، وبالتالي، يتم شيطنة كل فعل مقاوم، وشل حركة الشعوب. 

لميس أندوني كاتبة وصحفية من الأردن، عملت في عدة صحف عربية وأجنبية، من أسرة "العربي الجديد".