التاريخ: أيلول ١٧, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
... في العجز عن مكافحة «الإرهاب» - لؤي حسين
كان معروفاً، قبل الآن، أن تخطي الأزمة العنفية السورية الحدود الجغرافية لسورية سيولّد إشكالا عصياً. فالأزمات المتعدية من سورية إلى دول الجوار لن يكون من اليسر حلها من دون حل الأزمة السورية، وبالمقابل لن يقتضي حل الأزمة السورية، التي هي المسبب المباشر لتلك الأزمات، حلاً تلقائياً لتلك الأزمات، ذلك لأنها تكون قد تمكنت من إنتاج ميكانزماتها، أو آليات وجودها، الخاصة. ما يعني ضرورةً جمع تلك الأزمات تحت عنوان واحد كأزمة إقليمية، والتعاون على حلها كأزمة إقليمية واحدة. لكن هذا لن يكون في متناول الأيدي، فالاختلاف والتعارض بين المصالح الدولية سيحول دون إمكانية العمل المشترك لهدف مشترك.

نحن الآن عند هذه النقطة تماماً: داعش تحولت إلى أزمة إقليمية بكل معنى الكلمة، تهدد بتحطيم بنى سياسية واجتماعية في بعض البلدان مثل سورية والعراق ولبنان (لحد الآن)، وتنذر بالتمدد الفكري والإيديولوجي لبلدان أخرى كتركيا وبلدان الخليج، وكذلك البلدان العربية في إفريقيا.

وفي مواجهة ذلك تم الإعلان الآن عن تشكيل تحالف دولي بقيادة أميركية لمواجهة داعش. لكن أعمال هذا التحالف، على المستوى العسكري والسياسي، ستقتصر فعلياً على العراق فقط. أما في سورية فلن يكون لهذا التحالف فاعلية تذكر، لا بالمعنى العسكري ولا بالمعنى السياسي. فعلى المستوى العسكري لا توجد قوات برية في سورية يمكن لهذا التحالف الاعتماد عليها في مواجهة داعش، كما هي الحال في العراق من خلال الجيش العراقي وقوات البيشمركة ومجموعات الصحوات العراقية. فالجيش السوري هو بأمرة النظام، الذي لا يقبل هذا التحالف مشاركته، والمجموعات الكردية المسلحة ليست بمستوى البيشمركة، والمجموعات المسلحة التي تصفها واشنطن بالمعتدلة لن تكون في غالبيتها على استعداد لمقاتلة فصيل إسلامي كداعش تحت راية أميركية، أو بالتعاون مع أميركا. هذا فضلاً عن أن الهجمات الجوية الأميركية على «داعش» سورية، مع ضعف احتمالها، لن يكون لها تأثير بالغ الأهمية.

أما على المستوى السياسي فليس هناك أي عمل يقوم به هذا التحالف غير الحل الجذري للأزمة السورية. فواشنطن ليست في وارد فتح ملف الحل السياسي للأزمة السورية من جديد، على رغم تأكيد باراك أوباما مواصلة «العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية مرّة واحدة ونهائياً». فالأزمة السورية ليست مقتصرة على وجود خطر داعش على الساحة السورية، إضافة إلى وجود أطراف دولية رئيسة في الأزمة السورية، كروسيا وإيران، ليست مستعدة بالمقابل، لحد الآن، على القبول بتسوية سياسية في سورية لا تحقق لها انتصاراً.

إذن، ووفق تقديري، لن يكون في مقدور هذا التحالف القضاء على داعش في المنطقة خلال فترة الثلاث سنوات التي حددتها واشنطن لإتمام مهمة هذا التحالف. فالقضاء على داعش في العراق يقتضي ضرورة القضاء عليها في سورية في الوقت ذاته وفي البرنامج ذاته، عسكرياً وسياسياً وثقافياً، واقتصادياً أيضاً.

وبناء على هذا، يمكننا النظر إلى هذا التحالف، وإلى غاياته، ضمن لوحة الحرب الباردة القائمة بين واشنطن وموسكو أكثر من النظر إليه على أنه السبيل المؤمل للقضاء على داعش. فواشنطن تمكنت، عبر هذا التحالف، من توحيد وقيادة كل دول المنطقة، ما عدا إيران، إضافة إلى الدول الأوروبية، على مسألة ذات حساسية أخلاقية عالية، تحظى بشعبية وجماهيرية واسعة، من دون أن تشرك روسيا معها. وهذا سيُظهر روسيا، مقارنة بالنيات المعلنة لهذا الحلف، على أنها غير جديرة بمواجهة داعش، القوة الأكثر همجية في التاريخ الراهن، بل ربما تظهر ببعض المستويات على أنها داعمة لها بشكل غير مباشر من خلال دعمها النظام السوري، الذي تماثله الدول الغربية، وغالبية دول التحالف، مع داعش من حيث الهمجية والوحشية.

هذا يعني أننا أمام فوز سياسي للولايات المتحدة على روسيا في حربها الباردة معها، إن كان على المستوى الدولي أو الإقليمي. فروسيا ليست ضمن هذا التحالف ولن يكون في مقدورها معارضته، كما لن ينفعها في هذا المجال اعتبارها الهجمات الجوية الأميركية، المحتملة، على قوات داعش في الأراضي السورية خروجاً عن القانون الدولي قبل أن يكون هناك تفويض من مجلس الأمن. فهذا الموقف سيجعلها تبدو مدافعة عن وجود داعش أكثر مما ستبدو على أنها مدافعة عن القانون الدولي. وربما تتلكأ واشنطن بالقيام بمثل هذه الهجمات متذرعة بالموقف الروسي والإيراني المعارض لذلك بحجة السيادة الوطنية للنظام السوري الفاقد الشرعية دولياً من وجهة نظر واشنطن.

بعض الأطراف الدولية تعرف أن لا جدية لحد اللحظة في مواجهة خطر داعش على المنطقة. إذ إنها تدرك أنه لا يمكن القضاء على داعش أو مواجهتها فعلياً من دون تعاون جاد مع السلطة المركزية السورية ومع الجيش السوري. لكن سلطة دمشق الحالية غير مؤهلة البتة لمواجهة داعش، إذ إن مثل هذه المواجهة تتطلب سلطة وطنية يشعر جميع المواطنين بأنها سلطتهم، فيلتفون حولها ويشكلون بيئة نابذة لداعش أو لأي طرف تفتيتي لوطنهم. مثل هذه السلطة يقتضي أن يتشارك فيها جميع المكونات والقوى السورية بشكل فعلي، من دون استئثار طرف أو مكوّن مجتمعي بها وحده. فتكون بذلك سلطة قادرة على قيادة جميع قطعات الجيش، وليس الموالين لها فقط، في مواجهة داعش.

ويبقى أن مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تقوم به حكومات غالبيتها لا تزال تمارس أشكالاً متنوعة من العنف تجاه مواطنيها، وتفرط في ذلك، مثل شرعنة العنف ضد النساء والمهمشين والمعارضين والمختلفين في الرأي. فمواجهة الإرهاب تقتضي أساساً العمل الجاد على استئصال العنف، كل أشكال العنف، من الثقافة العمومية لأبناء منطقتنا ومن الثقافة السلطوية لحكومات دولنا.



* رئيس تيار بناء الدولة السورية