التاريخ: أيلول ٧, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
مسؤولية «فتح» و «حماس» عن الاستعصاء الفلسطيني - ماجد كيالي
يُرجّح أن غالبية المهتمين والمتابعين للشؤون الفلسطينية لم تراهن على نجاح المصالحة الفلسطينية، بين حركتي «فتح» و «حماس»، والتي نجم عنها تشكيل حكومة التوافق الوطني. والسبب أن هذه المصالحة لم تأت نتيجة قناعة الطرفين المعنيين بضرورة تجاوز أخطار الانقسام، أو بسبب تطور مفاجئ في نظرة كل منهما الى العمل السياسي على قاعدة الوحدة مع الاختلاف.

باختصار، فهذه المصالحة تمت بين طرفين مأزومين. فمن جهتها، فإن قيادة «فتح»، وهي ذاتها قيادة المنظمة والسلطة في الضفة، شعرت بأنها وصلت في خيارها السياسي الى طريق مسدود، بسبب التعنت الإسرائيلي، وارتهانها الى الخيار التفاوضي وحده. أما حركة «حماس» فباتت في عزلة كبيرة، لا سيما بعد اسقاط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، وتشديد الحصار عليها، وعلى سلطتها في غزة، مع اغلاق أنفاق رفح، وفرض القيود على تحويل الأموال اليها.

هكذا جاءت المصالحة، وضمنها حكومة الوفاق، استجابة لحاجة الطرفين، وبمثابة مخرج لهما من المأزق الذي بات يحيق بهما. مع ذلك، فكل منهما أرادها لمصلحته، أو كمصالحة شكلية، او كغطاء لتمرير الوقت. فقد تبين، مثلاً، أن حركة «فتح» غير مقتنعة بهضم الواقع السلطوي الذي فرضته حركة «حماس» في غزة، بما في ذلك ضم أجهزتها الحكومية والأمنية الى السلطة، مع ضمان تأمين رواتبهم، علماً أن عدد هؤلاء يقدر بـ42 ألفاً، إلى السلطة.

في مقابل ذلك، فإن حركة «حماس» لا تبدو مستعدة للتخلي مجاناً عن سلطتها في غزة، ولا عن أجهزتها الأمنية، أقله في غياب مقابل مناسب يكفل لها المشاركة وفق حجمها في القرار الفلسطيني، سواء في السلطة او المنظمة.

يتبين من ذلك أن الانقسام الفلسطيني تجاوز الحيثية المتعلقة بأنه مجرد خلاف سياسي، على الخيارات الوطنية، بشأن الهدف المنشود والطريق الأنسب لاستعادة الحقوق، إذ بات له طابع مؤسسي، يتمثل بوجود سلطتين، مع نظامين سياسيين، وكل سلطة منهما تهيمن في مجالها الإقليمي والمجتمعي، مع أجهزة إدارية وأمنية وموارد مالية وممثليات خارجية وصحافة وتلفزيون. والمشكلة هنا ان النظام السياسي الفلسطيني، لا سيما بعد تحوله من حركة تحرر الى سلطة، لا يوفر الظروف لإيجاد مخارج مناسبة لحل هذه الإشكالية، إذ إن المجلس التشريعي الذي تحتل فيه حركة «حماس» الغالبية بات بحكم المعطّل، لأن حركة «فتح» لم تهضم خسارتها في الانتخابات (2006).

في المقابل، فالاحتكام الى انتخابات جديدة، كما تدعو «فتح»، لا يلقى قبولاً من «حماس»، كرد فعل على التجربة السابقة، ما يجعل الوضع الفلسطيني في حالة استعصاء، وبديهي ان ذلك يشمل الكيانين الجمعيين الفلسطينيين، أي السلطة والمنظمة.

ثمة مشكلة أخرى أيضاً، مفادها أن كل واحدة من هاتين الحركتين تعتقد أنها على حق في خياراتها السياسية، وأشكال عملها، ونمط ادارتها للسلطة في الضفة وغزة، من دون مبالاة بما يراه الطرف المقابل، وحتى بما تريده غالبية الفلسطينيين. مثلاً، فإن حركة «فتح» ترى أن سلطة «حماس» في غزة إنما هي نتيجة انقلاب، ادى الى انقسام النظام السياسي، وفصل غزة عن الضفة. كما انها تأخذ عليها خيارها في المقاومة بالصواريخ، وإدخالها الفلسطينيين في مغامرات خطيرة. وفي كل ذلك تتناسى حركة «فتح» فوز هذه الحركة في الانتخابات، ومسؤوليتها هي عن مصادرة نتيجة هذا الفوز، كما تتناسى أنها هي قامت بانقلاب، أيضاً، بتوقيعها اتفاق اوسلو المجحف والناقص، من خلف ظهر الفصائل والهيئات التشريعية الفلسطينية، وتهميشها منظمة التحرير، وفصلها بين فلسطينيي الارض المحتلة واللاجئين، وتحولها من حركة تحرر الى سلطة.

في المقابل، فحركة «حماس» تأخذ على «فتح» خياراتها المضرّة، وضمنها مهاودتها في عملية التسوية، ووقفها أي شكل من المقاومة، متناسية أنها، أيضاً، اضطرت الى وقف المقاومة، وانتهجت التهدئة، وتحولت الى سلطة في غزة، بعدما هيمنت عليها بالقوة وبشكل أحادي. كما تتناسى مسؤوليتها عن الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، الذي أدى إلى حصار القطاع وشن ثلاث حروب مدمرة عليه، ناهيك عن كونها هي الاخرى بمثابة سلطة أحادية تحكم غزة، وتقيّد حريات المواطنين، وتفرض عليهم تصوراتها في العيش.

في المحصلة، نحن إزاء فصيلين مهيمنين على السلطة والموارد والمجال السياسي، وكل منهما لا يرى ما يراه الآخر، ولا ما يراه الآخرون فيه. لذا، وما دام هذا الإنكار قائماً، فإن الفلسطينيين سيبقون في إطار الانقسام، لأن شرط تجاوز هذه الحالة لا بد من ان يقوم على إدراك الطرفين لهذه الوقائع والتعامل على اساسها. أما الشرط الأهم للخروج منها فيتمثل باستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية طابعها كحركة تحرر وطني وبناء نظام سياسي يتأسس على الديموقراطية والمشاركة السياسية والتمثيل بدل المحاصصة الفصائلية.

ولعله يجدر لفت الانتباه هنا إلى ان الفلسطينيين في واقعهم الراهن ليسوا مقسومين بين «فتح» و «حماس»، او بين خياري المفاوضة أو الحرب بالصواريخ، أو بين التسوية في دولة الضفة وغزة او تحرير فلسطين، إذ الأمر اعقد من ذلك، وأكثر تعددية وتنوعاً. ثم إن خيارات الفلسطينيين الواقعية أرحب أيضاً، بخاصة أن الواقع يسير على نحو آخر كما نشهد في ممارسات الفلسطينيين في كل اماكن وجودهم.

وبالنسبة الى معظم الفلسطينيين، فإن هذين الفصيلين يهيمنان على مجالهم السياسي، بسبب تحكمهما بالسلطة والموارد وحيازتهما مصادر القوة، العسكرية والمالية والسياسية وفوقها النفوذ الإقليمي، وأيضاً بسبب تمزق مجتمعهم، وخضوعه الى سلطات متعددة، ناهيك عن انغلاق الحياة السياسية الفلسطينية، بسبب غياب علاقات التمثيل والمشاركة والديموقراطية والهيئات التشريعية. وبكلام آخر، فإن الانسداد الفلسطيني يمكن ان يفهم أيضاً كتحصيل حاصل، او بمثابة امتداد، لحال الانسداد والاستعصاء السياسي في المشرق العربي.