التاريخ: آذار ٢٠, ٢٠١٦
الكاتب:
المصدر: the network
تقرير عن أعمال ورشة عمل "التطورات السياسية في البلدان العربية منذ 2011"
الجامعة الاميركية في بيروت – 17 و18 آذار/مارس 2016
نظّمت "الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية" و"معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" يوميّ الخميس والجمعة في 17 و18 آذار الحالي ورشة عمل بحثية حول التطورات السياسية في البلدان العربية منذ عام 2011. وذلك في قاعة الاجتماعات في مبنى المعهد في الجامعة الاميركية في بيروت.

افتتح الورشة الدكتور طارق متري، مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، مُرحبّاً بالمشاركين ومُثنياً على الجهد البحثي الذي تبذله "الشبكة العربية" ويبذله آخرون لدراسة الآثار المترتّبة على البلدان التي شهدت انتفاضات ما دُرج على تسميته "الربيع العربي"، وعلى كامل المنطقة منذ 2011. وقد لاحظ أن "أحوال هذه البلدان اليوم تبرهن أن نماذج التحول الديمقراطي المستوردة لا تنفع الباحثين بشيء، فكل حالة لها خصوصيتها ومآلاتها". وتمنى النجاح لأعمال الورشة التي "جازف منظّموها ببحث ودراسة مآلات الثورات ولم يتم الاكتفاء بالتحليل السياسي للوضع القائم"، وأمل بأن يكون لها إسهام خاص ومميّز.

منسّق الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية، الدكتور زياد ماجد أوضح الأطر التي سيجري البحث على ضوئها في الجلسات الثلاث على مدى يومين متتاليين، وهي الانقسامات المجتمعية وتأثيراتها في المنطقة، دور الجيش والقوى العسكرية، ودور قوى الاسلام السياسي، من خلال أوراق مفاهيمية ودراسات حالات. وقد عدّد اللحظات المفصلية التي مرّت بها دول المنطقة منذ سنوات الاستقلال وقيام الدول الوطنية وحتى تفتتها أو تفتّت بعضها في الوقت الحاضر، لمجرّد قيام محاولات تغيير أنظمة الحكم أو تغيير الحاكم "الأبدي"! وأعطى مثلا على ذلك مسار الثورة السورية التي انطلقت ثورة على الاستبداد بشكل سلمي وأعزل وتحوّلت بفعل بطش الحاكم وردّه العنيف الى ثورة مسلّحة فحرب داخلية فصراع دولي واقليمي على سوريا، ما أوصل سوريا الدولة والمجتمع والأرض الى ساحة ركام حقيقية.

أدارت السيدة ديمة ونوس، الجلسة الأولى المخصّصة لتأثيرات الانقسامات المجتمعية في المنطقة. وكانت البداية مع ورقة الاستاذ سمير فرنجية الذي وضع الاطار المفاهيمي لواقع الانقسامات المجتمعية في المنطقة من منطلق أن المجتمعات المركّبة تتميّز بواقع التنوّع والتعدّد الذي يجب علينا ليس فقط الاقرار به، بل كذلك الحفاظ عليه وادارته إدارة حكيمة. وهذا لا يكون الا على أساس المساواة في الحقوق والواجبات لمواطنين متساوين على أساس المواطنة بغض النظر عن الانتماءات الأخرى. وأشار الاستاذ فرنجية بشكل واضح الى البعد الثقافي لمشروع التحوّل الديمقراطي فـ"المسؤولية تقع على أنظمة التسلّط وثقافة الفصل والالغاء بعدم إدراك هذا التنوّع وأهميته، ولا بدّ من ثقافة الوصل والانفتاح على الآخر للاعتراف بالتنوع واحترامه والحفاظ عليه" (..)

من ثم قدّم الدكتور فؤاد فؤاد توصيفاً للوضع السياسي والانساني المتدهور في سوريا مركّزا على الآثار التدميرية للصراع من وجهة ثلاثة عوامل أساسية هي الموقع الجيواستراتيجي لسوريا أولاً، وطبيعة النظام التسلّطي ثانياً، وطبيعة المجتمع السوري المتعدّد والمتنوّع ولكن الذي فرض عليه دولة من فوق من دون اشراك ومشاركة وبطبيعة الغائية ثالثاً. وذهب التحليل لعرض وضع سورية والانقسامات الأربع الرئيسية وهي الانقسامات الطبقية والاثنية والجهوية والمدنية-العسكرية. وركّز على المعطيات التي تؤكد ان هذه الانقسامات انما انعقدت على تهميش واسع لمناطق واسعة مثل الحسكة ودير الزور، وكيف لعب هذا التهميش دوراً في التطوّرات اللاحقة ونشوء المنطقة الوسطى المركزية التي هي مناطق داعش الآن، فيما دمشق والساحل تشكّلان منطقة أخرى والمنطقة الكردية تشكّل منطقة ثالثة. مما يفتح مآل الصراعات على تقسيم أو أنظمة اتحادية فدرالية أو كونفدرالية.

وفي حالة اليمن شرح الدكتور عادل الشرجبي كيف تم هندسة المجتمع لصالح إدامة الدولة التسلطية التي أنشأها علي عبد الله صالح، وكيف حلّت المشيخة مكان القبيلة في تشكيل هرمي يقف على رأسه الشيخ من أجل نسج التحالفات والشبكة التي تؤمن إعادة انتاج وديمومة نظام التسلط. فالانقسامات المجتمعية ليست عامودية ولا أفقية وإنما عنقودية. النظام يستولي على الحبّة القوية في العنقود (شيخ القبيلة) ويربطه به فيتحوّل هذا من ممثّل للقبيلة لدى الحاكم (كما هو الحال في نظام القبيلة) الى ممثّل الحاكم ورجله لدى القبيلة. ليسأل بعدها كيف يمكن انجاز ثورة في مجتمع كهذا؟! فالثورة لم تكن لتقوم لولا الانقسامات التي حصلت في الدولة التسلطية نفسها مما أدى الى انقسام الجيش وبروز قضايا عديدة من الحوثيين الى مطالب الجنوب الى الاسلاميين والتي أدّت فيما بعد الى تعقيد الصراع ودخوله مرحلة الحرب الاقليمية.

في حالة ليبيا يوضح الأستاذ أحمد الفيتوري كيف ان التدخلات الخارجية في ليبيا مسؤولة الى حد كبير عن تدهور الاوضاع ووصولها الى ما وصلت اليه، وأن هناك وزناً لغياب الجيش كمؤسسة في نظام القذافي الذي استبدله بميليشيات تابعة له. وأشار الى أن هناك مبالغة "إعلامية" في دور الاسلام المتطرف وخاصة داعش معززاً ذلك بوقائع ومشاهدات وتحقيقات محلية في "إمارة درنة" التي كانت فيما مضى مدينة منفتحة تنعم بجو مدني/ديمقراطي ولم تتغيّر كثيرا بعد اختطافها وتحويلها الى امارة.

أدار الدكتور ناصر ياسين الجلسة الثانية المخصصة لدراسة دور الجيش والقوى العسكرية. وقدّم فيها الدكتور محمد مخلافي ورقة اليمن بعد ملاحظة ان مأسسة الجيش وإبعاده عن الشخصنة والسلطة كمثل حالتي تونس ومصر شكّل عاملا حاسماً في عدم انقسامه وعدم زجّه في حرب داخلية كمثل ما حدث في حالات اليمن وليبيا وسوريا. وشرّح بالتفصيل بنية الجيش والمجتمع، الأحزاب، القبائل، أجهزة الأمن الأخرى، الامتيازات والأجهزة الأمنية التي ترعاها وتستتبعها عائلة الرئيس، الخلط بين المهمات، الاوضاع الخاصة التي لا تؤهلها لأن تكون مؤسسة وطنية يعوّل عليها لحماية المواطنين، طغيان الثقافة القبلية عليها، عقيدة حماية الحاكم، الخ. وانتقل لشرح كيف ولماذا تعاطى الجيش مع الانتفاضة المدنية و"النظيفة" بالشكل الذي حدث علماً أنها بقيت شبابية وسلمية بالرغم من انضمام أبناء القبائل (المسلّحين عادة) اليها فبقيت مشاركة عنصري الشباب والنساء فيها ظاهرة غير عادية! الى حين انقلاب الرئيس المخلوع (عبر الجيش وأجهزة الأمن الذين بقي ولاؤهم له) وتحالفه مع الحوثيين ما استدعى التدخلات الأجنبية..

دور الجيش في تونس تناوله بالبحث الأستاذ أحمد كرعود الذي شرح طبيعة بنيته منذ نشأته وابتعاده عن التدخل المباشر في السياسة، ما فسّر حياده عند قيام الثورة. هذا الحياد الذي لعب دوراً حاسماً في نجاح التغيير في تونس. وقد ربط سلمية الثورة بتحقيق مكتسبات عديدة ليس أقلّها التنعّم بقدر كبير من الحريات السياسية التي كانت محظورة وتمثلت بقوانين جديدة للجمعيات والصحافة والاعلام.. كما أدت الى اتفاق بين كافة الاحزاب والتيارات المتصارعة على وثيقة دستورية هامة تكرّس التعددية والديمقراطية البرلمانية. ولكن وبالرغم من ذلك أشار الاستاذ كرعود الى مفارقة هامة تتمثل في أن الأجهزة الأمنية هي الطرف الأكثر استفادة من الثورة! وقد عمدت الى تأسيس نقابات للأمنيين في ظاهرة غير مألوفة.

يختلف الوضع في مصر، بحسب ورقة الدكتور فؤاد السعيد، التي فنّدت الدور السياسي الأساسي للجيش المصري منذ عام 1952. وكيف تحدث عمليات "عسكرة" المواقع السياسية والادارية وحتى الاقتصادية (!) عبر ترؤسها من قبل ظباط عسكريين متقاعدين حديثاً يجري تعيينهم مباشرة او انتخابهم بدعم ومساعدة أجهزة الأمن. هذه العسكرة تتيح للأجهزة الامنية فرصة لعب دور أكبر بكثير من دور "الأخ الأكبر"، وتخوّل المجلس العسكري لعب دور متعاظم في إدارة الصراع منذ تنحّي الرئيس وصولاً الى الوضع الحالي الذي أعاد الجيش الى الحكم المباشر عبر رئيس من المؤسسة العسكرية.

الجلسة الثالثة، في اليوم التالي، أدارها الدكتور سليمان الصويص ، تناولت بالدراسة دور قوى الاسلام السياسي. وقد بيّنت ورقة الدكتور محمد الحاج سالم التنوّع الذي يميّز حركات الاسلاميين في تونس من حيث بنيتها التنظيمية وبيئتها الاجتماعية وتشكيلاتها وارتباطاتها العقائدية، ما يفسّر اختلاف أهدافها وبرامجها السياسية. وأضاءت الورقة على أهمية القاعدة الاجتماعية لهذه الحركات في بلورة برامج وخطاب يتراوح بين الراديكالية العنفية والاعتدال والوسطية. ويتمثّل ذلك بشكل واضح في الحركات الاسلامية الثلاث التي تسيطر على المشهد "السياسي الاسلامي" في تونس. حيث حركة النهضة وهي تيار محافظ أقرب الى العائلية (النهضوي له زوجة نهضوية واخوة نهضويين الخ)، يستقطب كهول الطبقة الوسطى. والسلفية الجهادية، التي تنزع الى العنف، هي حركة بمعظمها من الشباب الفقير والعاطل عن العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و26 سنة وينتمون لها بمبادرات فردية وغالبا من غير معرفة الأهل. فيما حزب التحرير يستقطب أعداداً من الشباب المتعلّمين والمثقفين من الطبقة الوسطى.

الأستاذ الصافي النصيري قدّم ورقة الدكتور عبد العزيز قراقي عن اسلاميي المغرب. وفيها بانوراما تاريخية عن صعود التيارات الاسلامية واستخدامها أحياناً من قبل سلطة الملك، ولا سيما صعود حزب العدالة والتنمية الذي يتمتّع زعيمه، رئيس الوزراء، عبد الاله بنكيران بكاريزما شخصية جاذبة ساعدت في هذا الصعود. كما فنّدت التمايزات بين هذه التيارات.

حالة داعش في سوريا والعراق تناولها الأستاذ حازم الأمين بورقة بيّنت البنية القاعدية لداعش من حيث كونها شعبية – مذهبية بعكس "حركة القاعدة" النخبوية الخلاياتية، وتناول دور ظباط حزب البعث العراقي في رفد داعش بتنظيم صلب وبخبرة واسعة بالأرض وفي إدارة المناطق بأنظمة أمنية واقتصادية وحتى طبية متكاملة الى حد ما. كما تستفيد داعش من عدم جدية أحد في قتالها وتنعم بغض نظر مثير للاستغراب. فداعش دولة نمت تحت أنظار الجميع. تفنّد الورقة ذلك بكثير من الوقائع والأحداث في كامل جغرافية داعش المنبسطة فوق أراضٍ من العراق وسوريا. ففكرة الدولة أساسية عندها وقد سعت لذلك بمعايير وبهُدى نظرية "إدارة التوحش". ساعدها في السيطرة على مناطق امتدت من الموصل الى دير الزور الصراعات الداخلية في العراق والصراعات في المنطقة.

تلا كلّ جلسة جولة نقاش متوح اتسمت بالحيوية وبمشاركة أغلب الحاضرين.

في الختام قدّم الدكتور حسن كريّم خُلاصات ورشة العمل بجلساتها الثلاث، وتوقف عند ضرورة متابعة رصد أحوال التحوّل الديمقراطي في المنطقة، وليس فقط في البلدان التي تناولتها ورشة العمل هذه، لأن ما انطلق في 2011 سيتعدّى بارتداداته العميقة المآلات والتعرّجات المؤقتة التي نشهدها اليوم.

للاطلاع على برنامج الورشة الكامل ونبذة عن المشاركين أضغط هنا