التاريخ: تشرين الأول ٢٨, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
هل يؤدي تصويت المصريين في الخارج ... إلى تأجيل الانتخابات؟
تقرير / يجب أن تحقق شروط المشروعية... كالمساواة بين عامل في خيطان وعالم في بوسطن

| القاهرة - من عبدالله كمال |

بينما أبدى مجلس الوزراء المصري في اجتماعه مساء الأربعاء احترامه لحكم القضاء الإداري، الآمر بإلزام الحكومة أن توفر الفرصة لكل المصريين في الخارج بالتصويت في الانتخابات داخل مقار السفارات المصرية، طرحت عوامل لوجيستية وقانونية وإجرائية في الساحة احتمالات أن يؤدي هذا الحكم إلى تأجيل مجريات الانتخابات البرلمانية التي بدأت قبل أيام بإعلان كل الأحزاب المشاركة فيها عن قوائمها الانتخابية.
امتنعت مختلف الأحزاب عن التعقيب على الحكم، الذي لم تضعه أي قوى سياسية في الحسبان، في حين كلفت الحكومة المصرية اللجنة التشريعية في مجلس الوزراء بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، بحث آليات التنفيذ، فيما بدا أنه لايلوح في الأفق أن تتجه اللجنة نفسها إلى الطعن في الحكم أو الاستشكال عليه، بحيث يمكن أن توقف تنفيذه.


واقعيا، لا تريد أي جهة أن تتصدى لهذا الأمر بشكل صريح، ولا ترغب أي مؤسسة في أن تلتمس الطعن في الحكم، وفي حين أن القرار القضائي الصادر عن محكمة إدارية يعيد إلى الأذهان معضلة القضاء الإداري في مصر، فإن وزارة الخارجية سارعت وأعلنت استعدادها لتنفيذ الحكم فور صدور قرار نهائي، وألقت بالتالي الكرة في ملعب الحكومة، ومن ثم قالت الحكومة إنها تبحث آليات تنفيذه، وألقت بذلك الكرة في ملعب المجلس العسكري الأعلى، ما يعني أن الملف «مكهرب» ويضع تحديات على كاهل من يتصدي له.


المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعي سارع وصرح بأن «إجراء الانتخابات في نوفمبر دون تفعيل الحكم يفقدها الشرعية»، وهو امر صحيح... في ضوء أنه لم يتم اتخاذ إجراء قانوني بالطعن، إذ لو تمت الانتخابات من دون التصويت في الخارج فإن هذا يفتح بابا للطعن في نتائجها، وهي التي سوف تثمر عن المجموعة التأسيسية التي ستضع دستور البلاد الجديد. وغني عن الذكر أن هذا يتسق مع مطالبة البرادعي بتأجيل الانتخابات.


عدم الذهاب إلى المحكمة يعني أنه لا بد من توفير حل قانوني، يتضمن تعديلا تشريعيا واضحا ومحددا، قد يصل إلى حد تخصيص دائرة للمرشحين من الخارج، تمثل المصريين عبر الحدود، بحيث يكون ثلثاها للمرشحين في القوائم الحزبية، والثلث للمرشحين الأفراد. لكن هذا الحل تعترضه توقيتات الانتخابات التي انتهى وقت تقديم طلبات الترشيح فيها قانونا. وحتى لو أتاح التعديل فرصة لنشوء تلك الدائرة فإنه سوف يطرح مشكلة: متى يتم وكيف يتم ومتى يبدأ التنفيذ؟ وهذا كله يعني تعطيل الجدول الزمني، فضلا عن أنه سوف ينشئ حالة من عدم المساواة بين الذين سبق أن ترشحوا والذين سيكون عليهم الترشيح ممثلين للمصريين في الخارج.


الأهم من الناحية السياسية: كيف يمكن تحديد هؤلاء المرشحين؟ وكيف يمكن أن يمثلوا قطاعات متنوعة من المصريين في الخارج؟ وما طريقة اختيارهم حزبيا إذا كانت معظم الأحزاب المصرية لم تتمكن من تغطية جميع الدوائر المصرية بمرشحيها؟ إذا ما افترضنا جدلا أنه لن تكون هناك صعوبة مماثلة في ترشيح الأفراد.


لوجيستيا، المسألة معقدة جدا، وعلى عكس ما تقول وزارة الخارجية، فإنه لا توجد استعدادات حقيقية يمكن أن تلبي آليات تنفيذ الحكم القضائي في السفارات المصرية، خصوصا أنه تبين أنه ليس فقط قنصل مصر في جدة هو الذي طلب أن يتاح له فترة شهر كامل لكي يمكن المصريين العاملين في جدة من التصويت، بافتراض أن يتاح هذا الحق لـ 1500 ناخب يوميا، على الأقل، وإنما اتضح أن هذا ما ورد في تقارير عدة سفراء مصريين في المنطقة العربية، خصوصا دول الخليج، حيث تتركز العمالة المصرية، فضلا عن الأردن وليبيا، بخلاف أعداد أقل في العراق ولبنان واليمن والسودان وأقل منها في الجزائر.


وتستشعر الجهات المصرية حرجا بالغا من أن تؤدي عمليات التصويت إلى تماس بين قيم وطبيعة دول الخليج المختلفة وبين هذه العملية السياسية الصاخبة، إذ لا يمكن مقارنة أعداد المصريين بما جرى مثلا في عملية انتخاب التونسيين في بلدان خليجية تمت داخل فندق بعيد ولم يصدر عنها أي صخب خارجه. وبقدر ما تعنى الجهات المصرية بتطبيق القانون، فإنها معنية كذلك بأن تحافظ على وضعية العمالة، بحيث لاتصطدم مع واقع المجتمعات التي تعيش فيها.


المعضلة اللوجيستية تشمل كذلك تسفير القضاة المشرفين، وفقا للمبدأ الدستوري الذي لايقبل الإخلال به، لأن الإخلال يطعن شرعية الانتخابات، والتكاليف المالية، وربما عدم رغبة «الخارجية» في أن تتحمل عبء أي ردود أفعال تطعن في نزاهة أي عملية تصويت في أي سفارة. ومن ثم فإنها قد تطلب ألا يكون دورها أزيد من توفير المكان وترك العملية لمختصين آخرين محترفين من جهات أخرى!


ويطرح بعض المصريين في الخارج أفكارا تتعلق بأن يتم التصويت إلكترونيا، وهو أمر مترف، لايمكن تطبيقه في مختلف البلدان التي يعيش فيها المصريون، لأنهم ليسوا جميعا ذوي مستوى علمي مستعد لهذا الاستحقاق، وليسوا جميعا في أوروبا والولايات المتحدة، وهو مايطرح تساؤلا حول تطبيق معايير المساواة بين عامل بناء يعيش في غرفة مزدحمة داخل منطقة خيطان في الكويت. وعالم يدرس ويعيش في بوسطن في الولايات المتحدة. كلاهما مواطن له حق الانتخاب، ولكن ليس لديه القدرة نفسها على التواصل الكترونيا وضمان عدم كشف صوته ووصوله إلى من اختاره. ناهيك عن أن العملية الانتخابية برمتها ليست خاضعة للبرمجة الإلكترونية.


ويطرح آخرون فكرة أن يتم التصويت بجواز السفر بدلا من بطاقة الرقم القومي، حلا لمشكلة إجرائية، لكن هذا يصطدم كذلك بأهم المعضلات اللوجيستية، وهي أنه لاتوجد «قاعدة بيانات» شاملة تحدد من هو الناخب المصري الذي يحق له التصويت، وهل هو مسجل في الكشوف، وهل يكون قد ارتكب جريمة تمنعه من ممارسة حقه الانتخابي؟ وتدفع أيضا بالمسألة إلى ركن عدم توافر فرص المساواة... إذ ان الكشوف الانتخابية مسجلة وفق أرقام البطاقات القومية وليس وفق بيانات جوازات السفر.


وقد يكون من الممكن أن تتم مرحلة التصويت من الخارج في وقت لاحق بعد الانتخابات الحالية، على أساس أنها أصلا سوف تتم على مراحل ثلاث، فتكون تلك هي المرحلة الرابعة، لكن هذا لاينفي وجود المشكلة اللوجيسيتة التي لابد من معالجتها. والأهم أنه سوف يؤجل انعقاد البرلمان قبل أن يكتمل تشكيله. أو لن يقوم بعمله الأهم، وهو اقتراح الدستور إلا بعد أن يستكمل بنيان عضويته بالتصويت في الخارج.
إن انتخابات مصر تواجه معضلة حقيقة قد تؤدي إلى تأجيلها أو أن تقبل احتمالات الطعن في شرعيتها. أو إطالة أمد مراحلها. وكل هذا يصب في إطالة أمد الفترة الانتقالية.