التاريخ: تشرين الأول ٢٧, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
الترضية القانونية للأصوات المصرية «الغالية»!
تقرير / التحديات التي تواجه مشاركة «الخارجيين» في الانتخابات

| القاهرة ـ من عبدالله كمال |

في عهد الرئيس المصري السابق مبارك، طلبت وزارتا الداخلية والخارجية من قنصل مصر في جدة أن يعد دراسة حول إمكانية أن يمارس المصريون في هذه المدينة السعودية حق التصويت، فأرسل تقريرا يقول فيه : «بالنظر إلى أن عدد المصريين العاملين في جدة الذين أمكن حصرهم يبلغ حوالى 700 ألف نسمة، واعتمادا على حساب معدل التصويت في حدود 1500 ناخب في اليوم، فإنه سيكون علينا الانتباه إلى أن عملية التصويت قد تستغرق شهرا على الأقل.. إلا إذا تم تأجير عدة قاعات خارج القنصلية لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة».


وأضاف القنصل: «لكن عملية التصويت لا تتوقف عند الاعتبارات الحسابية واللوجيستية، وإنما أيضا لها اعتبارات تخص البيئة التي تتم فيها، ولا أظن أنه سيكون ملائما أن يتظاهر أو يحتشد الناخبون المصريون في وحول مقر القنصلية بالأعلام، في بلد شقيق مثل السعودية. علينا أن نراعي أوضاعه الاجتماعية وتقاليده المرعية... ليس فقط لأن هذا واجب ولكن أيضا لأن هذا يحمي حقوق العمالة وفرصها واستقرارها».


في وقت متزامن، حاول مسؤول انتخابي في وزارة الداخلية المصرية، أن يقوم بعملية قياسية لإمكانية التصويت في الخارج، فأرسل بريديا إلى مختلف القنصليات وعدد كبير من المصريين في الخارج خصوصا في الولايات المتحدة وكندا، خطابات تطلب تسجيل الأسماء وإبداء الرأي في الرغبة بممارسة هذا الحق، وما هو أقرب مكان إليه، ما كلف نحو مئتي ألف جنيه. وكانت النتيجة هي أن جاءه رد من اثنين من المواطنين في الخارج فقط. وقتها وجه له وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي لوما وقال له: مئة ألف جنيه لكل رد.. هل هذا معقول؟


الواقعتان تشيران نوعا ما إلى بعض المصاعب التي تواجه عملية تصويت المصريين في الخارج بشكل أو آخر، لكن هذا جرى في وقت سابق، وقبل أن تغير مجريات 25 يناير المناخ العام في مصر وتزيد فيه المطالبات بأن يحصل المصريون في الخارج على حق التصويت، وصولا إلى صدور حكم من القضاء الإداري الثلاثاء الماضي يوجب على الحكومه أن تمكن المصريين من أن يحصلوا على هذا الحق في سفارات مصر في الخارج.


وزارة الخارجية المصرية، سارعت إلى إصدار أول رد فعل رسمي على الحكم، وأعلنت أنه إذا ما تم اتخاذ قرار نهائي فإنها سوف توفر فورا الإمكانيات اللازمة لإتمام عملية التصويت. لكن هذا التصريح الدعائي لا يحل المشكلة التي انفجرت فجأة في وجه العملية الانتخابية التي بدأت فعلا في مصر يوم الاثنين حين اكتمل تقديم أوراق الترشيح. فهي من جانب تنتظر أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات موقفها القانوني وهل سوف تطعن بالحكم باعتبارها المعنية به أم انها لن تفعل، وهل سوف تستشكل فيه لتوقف تنفيذه أم أنها لن تفعل، خلافا إلى جوانب قانونية ولوجيستية أخرى.


القانون 73 لسنه 1965 بخصوص ممارسة الحقوق السياسية، كان ينص على أن الموطن الانتخابي للناخب هو واحد من أربعة: محل الإقامة - محل العمل - محل سكن الأهل ولو لم يكن يقيم الناخب معهم - أي محل للناخب فيه مصلحة جدية.


في هذا القانون نص يقول: «إن المصري بالخارج يكون موطنه الانتخابي هو آخر موطن انتخابي قبل سفره، وأن البحارة العاملين على السفن يكون موطنهم الانتخابي الميناء الذي ترسو فيه السفينة».
لكن هذا النص عُدل، وأصبح كما يلي : «من حق كل مصري ومصرية أن يمارس حقه الانتخابي في التصويت»، ما يعني فتح الأفق أمام كل مصري في أي مكان خارج أو داخل مصر.


التصويت في الخارج، كان يثار الجدل حوله من حين لآخر، وقد اكتسب بعض زخمه في المؤتمرين الأخيرين للحزب الوطني الذي كان يحكم مصر برئاسة مبارك وتم حله بعد 25 يناير، ثم اكتسب قوة دافعة كبيرة بعدها وصلت إلى حد سفر المرشحين للانتخابات الرئاسية إلى بعض الدول، للتحدث مع الناخبين في أوروبا والولايات المتحدة، والنضال القانوني لإقرار الحق عمليا. وقد كان التصور ـ وفق ما قال لي مصدر قبل صدور الحكم الأخير ـ هو أن هذه العملية سوف تجد إطارها التشريعي وطريقة تنفيذها الدقيقة بعد تعديل الدستور، على أن تتم في الانتخابات الرئاسية. لكن الحكم الذي صدر قبل يومين وضع كرة ملتهبة في حجر صانع القرار لأنه يؤثر على شرعية الانتخابات الجارية الآن برلمانيا.


فهل يتم التعامل مع الحكم قضائيا؟ وهل يمكن إجراء تعديل قانوني عاجل يضيف دائرة خاصة تمثل المصريين في الخارج؟ وهل يتم إجراء تلك الانتخابات بالنسبة لمجلس الشعب مع انتخابات مجلس الشورى؟ أم يتم تأجيل الأمر برمته إلى الانتخابات الرئاسية؟
هذه الأسئلة مطروحة حاليا. لا سيما أن الحديث عن تصويت المواطنين التونسيين في الخارج استدعى إلى المناخ المصري عوامل تزكية لاستمرار إثارة الموضوع.


الخبراء يقولون إن هناك أكثر من تحد يواجه هذه المسألة من ناحية التطبيق: فهل يكون التصويت بجواز السفر أم بالرقم القومي؟ ومن ثم هل كل مصري في الخارج لديه بطاقة رقم قومي؟ وهل هناك أصلا قاعدة بيانات متوافرة لدى الجهات القنصلية في الخارج التي لا تعرف على وجه اليقين ما هو عدد المصريين في الخارج، خصوصا أنهم لا يسجلون أسماءهم لدى السفارات؟ وما هو الوقت الذي سوف تستغرقه عملية التسجيل لو تم البدء فيها فورا؟ ثم ما هو موقف أصحاب الإقامات غير الشرعية؟ هل يجوز لهم التصويت؟ وهل يمارس المهاجر غير الشرعي حقه القانوني تحت رعاية السفارة المصرية؟


وقبل ذلك ما هو تعريف المصري في الخارج؟ هل هو أستاذ زائر في جامعة يقضي ثلاثة أشهر في الخارج؟ أم أنه مهاجر سافر منذ ربع قرن؟ أم أبناؤه الذين لم يزوروا مصر أصلا ويحملون الجنسية المصرية؟ أم أنه الذي سافر لعقد عمل مدته عامان أو ثلاثة؟
لوجيستيا المسألة معقدة: كيف يمكن أن يصوت مصري بعيدا عن القنصليات المصرية الثلاث في الولايات المتحدة: في واشنطن ونيويورك وسان فرانسسيكو؟ وهل يتم توفير مكان تصويت في أي مكان فيه المصريون وليس فيه قنصليات؟ وهل سيكون البديل هو التصويت الالكتروني أم التصويت البريدي؟ وبالإضافة إلى كل ذلك كيف سيتم توفير الإشراف القضائي على هذه الانتخابات، إذ يشترط القانون خضوع عمليات التصويت للإشراف القضائي؟
كل هذه الاعتبارات تجعل هذه الأصوات من أغلى الأصوات تكلفة في عملية الانتخابات المصرية.
وفضلا عن هذا فإن هناك اعتبارات سياسية، يثيرها من يعارضون عملية التصويت للمصريين في الخارج منها مثلا : هل يجوز لمن لم يدفع الضرائب أن يحصل على حق التصويت؟ وكيف يكون غير الناطق بالعربية ناخبا يختار رئيس مصر؟ وكيف لمن لم يؤد الخدمة العسكرية في الجيش المصري أن ينال تلك الفرصة الدستورية؟
وأمور كثيرة أخرى تبدو معقدة تماما، لاسيما حين يتعلق الأمر بالانتخابات البرلمانية وليس الرئاسية التي يكون واضحا فيها أمام الناخب الخارجي كيف عليه أن يختار.