يعيد اغتيال العميد وسام الحسن رسم السياسة اللبنانيّة بوصفها نزاعاً بين القاتل والقتيل. وكان الحسن قد تجرّأ على القاتل باعتقاله ميشال سماحة، فتحدّى "الحقّ في الاغتيال" (بحسب تعبير كتبه أحمد بيضون على فايسبوك).
وهذا النزاع بين القاتل والقتيل هو اليوم أعلى صوتاً من كلّ نزاع آخر: هناك طرفٌ أوّلُ ما يوصف به أنّه قاتل، كائنة ما كانت حسناته المفترضة، وهناك طرفٌ أوّلُ ما يوصف به أنّه مستَهدَف بالقتل، كائنة ما كانت سيّئاته المفترضة.
غير ذلك ينطوي على كذب علينا وعلى امتهان لعقولنا، وهذا بذاته انحطاط أخلاقيّ صرف.
هذا التدهور المتمادي، وصولاً إلى هذه السويّة المتدنّية، رافقته على مدى السنوات الماضية لغة قاتلة، أشكالها التخوين والتشهير، وأحياناً الدعوات إلى أن "ترحلوا عنّا"، فضلاً عن تهديدات صريحة بالموت كانت تظهر بين فينة وأخرى وتشهد عليها محطّات التلفزيون. وبطبيعة الحال فإنّ جثث الذين اغتيلوا منذ 2005 على الأقلّ منحت تلك التهديدات صدقيّتها: نعم، لقد فعلوها مراراً من قبل.
وكان المدهش أنّ يخلو وفاض جبهة القتل خلواً تامّاً من الأفكار، فلا يبقى لها، في سوريّا كما في لبنان، غير زجليّة فقيرة ومبتذلة عن "محاربة إسرائيل". وهذه، على ما فيها من ضحالة وكذب باتا مضجرين، تبقى زجليّة فتّاكة: ليس فقط في تسويغها القتل، بل أيضاً في حملها القتيل على الصمت عن قتله.
وفي العادة كان يُكتفى بالردّ: أنتم لا تحاربون إسرائيل فعلاً. وهذه حجّة صحيحة، أقلّه منذ 1974 في سوريّا ومنذ انتهاء حرب 2006 في لبنان، إلاّ أنّها غير كافية بتاتاً. ولربّما بات مطلوباً القول: أكنتم تحاربون إسرائيل أو لا تحاربونها، فهذا خارج الموضوع. الموضوع هو أنّكم تقتلون. أمّا محاربتكم إسرائيل، التي لم نُستَشر أصلاً في أمرها وأمر أكلافها، فلا تسوّغ شيئاً، وهي خصوصاً لا تسوّغ قتلنا.
بلغة أخرى، وبعيداً عمّا يراد فرضه بوصفه مقدّسات، آن أوان التعامل مع القتل بوصفه المعياريّة المركزيّة الوحيدة التي ترسو عليها الحياة السياسيّة، بل يرسو عليها الاجتماع الوطنيّ نفسه: فالخائن هو من يقتل، والخيانة هي الإقدام على القتل والمساعدة فيه وتبريره وتغطيته. بغير ذلك يبقى الوطن غابة، ويبقى التعايش إجازة للذئب كي يقتل الغنم، فيما يصير الكلام، كلّ كلام، كذباً بكذب. وهذا ما لا يغري عاقلاً بالتمسّك به، ناهيك عن الدفاع عنه.
|