وتستمر المشاهد السيريالية على الساحة الأردنية بشكل مثير للقلق والتَعجُب. رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور يحذر من أن الخيار هو بين رفع الدعم الحكومي عن المواد الغذائية الأساسية و الطاقة وسعر صرف الدينار: أي يقول للشعب الأردني ، بما في ذلك الطبقة الوسطى ، وبالأخص الفئات الشعبية، ان مسؤولية الحفاظ على الأمن الاقتصادي تقع عليها بالدرجة الأولى، وبالتالي عليها التضحية، ليس في مستواها المعيشي فحسب، بل في لقمة عيشها أيضا.
يستمر الحجز على موقوفي الحراك، وترد السلطات على إضراب عدد منهم عن الطعام، بعقابهم وتوزيعهم على مراكز إصلاحية وسجون أخرى منعاً للتضامن والتنسيق بينهم، علما بأن حالة اثنين منهم عبد الله محادين، الذي دخل في يومه السابع في امتناعه عن الأكل، وطارق جوابرة في يومه الخامس، تزداد صعوبة ، فيما هم يزدادون تصميماً.
السلطات تتعامل مع الموقوفين، كأنهم سبب الأزمة الاقتصادية في الأردن، ليظن المرء بأنهم من اتخذوا قرارات، ووافقوا على صفقات و اتفاقيات إما تخالف الدستور والقوانين، وكلها تخرق حقوق المواطن الأردني في ثرواته وفي توزيع عادل لموارده وحقه في العيش الكريم، وكأنهم ساهموا بسرقة الملايين وقاموا بتهريب الأموال وإهدار مقدرات الوطن.
وتستمر الغرابة ويصل الأمر إلى توجيه اتهامات للقائمين على محطة جوسات وضيوف حلقة ، تجاوز بعضهم خلالها السقوف، بتقويض النظام، وكأن الكلام، حتى لو لم نتفق مع جزء مما قيل، هو أصل المشكلة وليس تعبيراً عن تداعياتها، فيما يواجه الأردن معضلة تحتاج إلى حلول، خاصة أن الحكومة، وبكل عنجهية تتوقع من الناس تحمل أعباء عقود من أخطاء وخطايا سياسية واقتصادية.
هناك خلل خطير في هذه الصورة التي تعكس استمرار العقلية الأمنية والتمسك ليس بنهج اقتصادي فاشل فحسب، بل والخوف هنا أن يكون تمسكا بإجراءات وممارسات، أتاحت انتشار وتغلغل الفساد، مما جعل تداعيات برنامج اللبرلة الاقتصادية أشد إيلاماً وإيذاء للمواطن والوطن معاً.
تصريحات رئيس الوزراء حول الدينار، ناتج عن خوف من أن تسحب المنظمات الدولية دعمها للدينار، مما يؤدي إلى فقدانه قيمته، في حال عدم تنفيذ الأردن التزاماتها برفع الدعم الحكومي ، لتصحيح العجز في الموازنة وتمكينها من سد الديون الداخلية بالأخص الخارجية منها.
إضافة إلى أن الجهات الرسمية لم تستشر أو تكاشف الناس قبل توقيعها التفاهم الأولي مع صندوق النقد الدولي، لكن الأسوأ أنها لم تبحث عن بدائل جدية لا قبل التوقيع ولا بعده، ولم تقم بتشكيل شبكة أمان اجتماعية ، كأن على الشعب الأردني من دون حس أو نفس، فالتضحية للوطن هي واجب الفقراء، والفئات التي سَتُدفَع إلى درجات في أسفل السلم الاجتماعي، على أساس أن وصفات صندوق النقد الدولي هي قدر محتوم.
علماً بأن هناك من طرح علناً أفكارا عملية لحلول جوهرها هو في استكشاف موارد ،هي موجودة أصلاً، يتم تحويلها لسد العجز ودفع الديون لكنها كلها لم تجد أي تجاوب أو أية ردة فعل على الإطلاق. التجاهل الرسمي ليس سببه فقط التمسك بالنهج الاقتصادي السائد عالمياً، بل لأن هناك مصالح متنفذة، لا تريد أن تفلت هيمنتها على الاقتصاد الأردني، ليس بالضرورة عن طريق النهب، وإن كان ذلك موجوداً، لكن عن طريق منع التوزيع الأكثر عدالة للثروات وتبني سياسات تقوم بموجبها الدولة بواجبها تجاه توفير الخدمات الأساسية للمواطن.
هنا يجب الإشارة إلى أن التفكير الجدي ببدائل عن رفع الدعم، ورفع الأسعار، وبوقف الهدر في النفقات، يقع خارج إطار التفكير الرسمي، الحبيس لنظريات تعميق التبعية لاقتصاديات الشعوب إلى مصالح رأس المال العالمي، ناهيك عن الحلول الأكثر جذرية، التي لا مكان لها أصلاً حتى في المخيلة الرسمية. وبدأ يطلع علينا رئيس الوزراء بإخبارنا، أن الشعب عليه أن يتحمل، وإلا فهو متهم بالمسؤولية عن وضع الدينار.
|