التاريخ: تموز ٣١, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
واشنطن تعاقب دمشق وعينها على موسكو
لندن: إبراهيم حميدي
الدفعة الجديدة من العقوبات التي فرضتها واشنطن بموجب «قانون قيصر»، تضمنت تكريساً لإشارات رمزية وردت في الدفعة الأولى الصادرة في منتصف الشهر الماضي، بينها الضغط على موسكو للعمل على «تغيير سلوك النظام السوري». وقد تكون منطقة جنوب غربي سوريا، بوابة للتعبير عن هذا «التغيير» عبر إبعاد إيران وتنظيماتها من هذه المنطقة تنفيذاً لتفسيرات واشنطن، للاتفاق الروسي - الأميركي الذي يعود إلى عام 2018.

اللافت في القائمة الأخيرة، هو شمولها لحافظ نجل الرئيس بشار الأسد. وسبق أن ضمت القائمة الأولى من «قانون قيصر» أسماء زوجة الرئيس السوري. القراءة في واشنطن، أن المسؤولين السوريين «فوجئوا بهذين التصنيفين، لأنهم كانوا يتوقعون ألا تشمل القائمة السوداء شخصيات من الحلقة الضيقة»، في وقت كان هناك «تعمد» في إدراجهما لبعث «رسالة سياسية» إلى موسكو ودمشق: «القطيعة في واشنطن، وهذا الموقف الذي يصدر بموجب قانون قيصر، هو عابر للأحزاب والمؤسسات، وبات إجماعيا في العاصمة الأميركية». وكان هذا واضحاً في تفسير نائب المبعوث الأميركي جويل ريبورن لمعاقبة حافظ بشّار الأسد داخل العائلة، إذ قال: «لاحظنا مَيلاً لدى اللاعبين الرئيسيين في النظام السوري، لاستخدام الأولاد البالغين في عائلاتهم، من أجل مواصلة أعمالهم والتحايل على العقوبات. الهدف من العقوبات هو محاولة منع النظام من ترسيخ السيطرة الاقتصادية التي يستخدمها لإدامة الحرب».

بات في «القائمة السوداء» الأميركية نحو 50 اسماً وكياناً. وسيتم خلال الأشهر المقبلة إدراج ضعف هذا العدد من المسؤولين العسكريين والحكوميين والنواب ورجال الأعمال من السوريين وغير السوريين، للقول إنه «لم يعد ممكناً العيش في عالمين: على الجميع حسم موقفه لتحديد العالم الذي يعيش فيه. عالم واشنطن أم عالم النظام»، حسب فهم دبلوماسيين أوروبيين لموقف واشنطن. وهم يلاحظون أن المسؤولين عن الملف السوري في واشنطن، يعتقدون أن «السياسة الأميركية ناجحة وتنجح، إذ إنها زادت من حجم الضغوط على دمشق وغيرت من حسابات موسكو»، مع إشارة إلى «فشل محاولات عربية أو أوروبية لفك العزلة عن دمشق والتطبيع معها. وتجنب رجال أعمال عرب من المساهمة في إعادة أعمار سوريا، في مقابل تعاظم عمق الأزمة الاقتصادية في سوريا وفي لبنان».

جيوسياسياً، يرى القيمون على الملف السوري في واشنطن، «نجاحات» أخرى، بينها: أولاً، استمرار وقف النار في إدلب، ذلك أن «المعطيات تدل على أن تركيا لن تتراجع إنشاً في إدلب» وأن تدفق المساعدات الإنسانية مستمر رغم حصر البوابات على حدود تركيا بواحدة فقط بعد تمديد القرار الدولي. ثانياً: «استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران في سوريا، بمباركة روسية ودعم أميركي» لمنع تثبيت طهران لوجودها العسكري في سوريا. ثالثاً: استمرار العمل باتفاق «منع الصدام» في شرق الفرات رغم «تحرشات» القوات الروسية المستمرة ضد الجيش الأميركي وعملها على «التمدد» باتجاه حدود العراق.

وعلى وقع هذه «النجاحات» تستمر الاتصالات بين واشنطن وموسكو، حيث يبحث الجانب الأميركي عن «صدى» إجراءاته في موقف نظيره الروسي. يلاحظ مبدئياً أن هناك إدراكاً روسياً لـ«حجم المشكلة» في سوريا، حيث يظهر الروس مواقف واقعية أكثر من التصريحات العلنية التي تركز على شن الحملات ضد «العقوبات الأحادية غير الشرعية» وتحميلها مسؤولية «معاناة الشعب السوري وعرقلة مواجهة وباء كورونا»، وضد «الاحتلال الأميركي».

الرهان الحالي في واشنطن على «قطف ثمار النزيف» والبحث عن ترجماته عبر استمرار الدينامية بين الطرفين من دون عجلة مربوطة بموعد الانتخابات الأميركية، بسبب القناعة بأن الموقف من الملف السوري بات ملزماً لأي رئيس أميركي. ويقول الأميركيون إنه لن تكون هناك أي «خطوة مجانية» تجاه موسكو، وهم مستعدون لـ«التجاوب مع روسيا في سوريا والرد إيجابياً على خطواتها».

والواضح، هناك مجالان لاختبار الموقف الروسي حالياً: الأول، حجم تجاوب دمشق مع شكل ومضمون عمل اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف في 24 الشهر الجاري لتنفيذ القرار 2254. الثاني: قيام روسيا بالضغط على إيران لإبعادها - إخراجها من جنوب غربي سوريا لتنفيذ الاتفاق الأميركي - الروسي في 2018. الذي نص على إبعاد «القوات غير السورية»، أي الإيرانية، إلى عشرات الكيلومترات من حدود الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان... خصوصاً أن «إضعاف إيران» هو نقطة تقاطع أميركية - روسية في سوريا.

واشنطن تفرض عقوبات على 13 كياناً ومسؤولاً سورياً بينهم حافظ بشار الأسد
مبعوث الرئيس الروسي يبحث في دمشق تحضيرات اجتماع «مناقشة الدستور»

الخميس يوليو 2020 
واشنطن: هبة القدسي - لندن: «الشرق الأوسط»

فرضت الولايات المتحدة، صباح الأربعاء، عقوبات جديدة على 14 مسؤولاً وكياناً سورياً مرتبطين بنظام الرئيس بشار الأسد، بموجب «قانون قيصر»، الذي دخل حيز التنفيذ في منتصف يونيو (حزيران) الماضي. وطالت العقوبات الجديدة حافظ بشار الأسد (18 سنة) نجل الرئيس السوري، وزهير توفيق الأسد قائد الفرقة الأولى في الجيش السوري، ونجله كرم الأسد. كما شملت العقوبات أيضاً الفرقة الأولى في الجيش السوري، إضافة إلى رجل الأعمال السوري وسيم أنور القطان، و9 كيانات تجارية مرتبطة بشكل وثيق بالنظام السوري.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان، إن الولايات المتحدة «تواصل حملة العقوبات التي فرضتها على نظام الأسد بإدراج 14 شخصاً وكياناً على لائحة العقوبات بموجب قانون قيصر». وأضاف: «مجموعة العقوبات الجديدة أطلق عليها عقوبات (حماة ومعرة النعمان) لإحياء ذكرى اثنين من أبشع فظائع نظام الأسد في عامي 2011 و2019 حين قامت قوات بشار الأسد بحصار وحشي لمدينة حماة، ما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين السلميين. وقبل عام قصف نظام الأسد وحلفاؤه سوقاً مزدحمة في معرة النعمان، ما أسفر عن مقتل 42 سورياً بريئاً».

وقال بيان الخارجية الأميركية إن «جيش الأسد أصبح رمزاً للوحشية والقمع والفساد وقتل وتعذيب المتظاهرين وتدمير المدارس والمستشفيات، وقد حان الوقت لإنهاء حرب الأسد الوحشية وفرض الحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2245، وهو المسار الوحيد الموثوق به لتحقيق السلام». وشدد البيان على ضرورة مساءلة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد وداعموه.

وأشارت وزارة الخزانة الأميركية التي فرضت 10 من العقوبات الـ14 الجديدة، أن القطان رجل أعمال سوري، لديه عدة عقود لتطوير مراكز تسوق وممتلكات فندقية مملوكة للنظام السوري في دمشق، ولديه صلات واسعة مع شخصيات بارزة في النظام. وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن: «بينما يستثمر رجال الأعمال الفاسدون الذين لديهم علاقات مع الأسد في العقارات الفاخرة، فإنهم يزيدون من معاناة الشعب السوري».

وفي مؤتمر تليفوني، عقده جويل رايبرن نائب مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص لسوريا، وشاركت فيه «الشرق الأوسط»، شدد المسؤول الأميركي على أن العقوبات الجديدة تستهدف فرض ضغوط اقتصادية وسياسية على النظام السوري لإجباره على المجيء إلى الطاولة والالتزام بتطبيق القرار الأممي رقم 2254 ووقف حملته الوحشية والقمعية للشعب السوري والتوصل إلى حل سياسي لوقف معاناة السوريين.

وأكد رايبرن أن سياسات فرض العقوبات ستستمر دون تغيير، موضحاً أن الرسالة من إدراج نجل الرئيس السوري على قائمة العقوبات، بعد إدراج أسماء الأسد زوجة الأسد، لها بعد سياسي واقتصادي، موضحاً أن أعضاء أسرة الرئيس السوري يمتلكون قوة اقتصادية داخل النظام. وقال: «إدراج حافظ بشار الأسد على قائمة العقوبات يستهدف منع نظام الأسد من استخدام أفراد أسرته في فرض سيطرة اقتصادية حيث يتهرب المسؤولون الواقعون تحت طائلة العقوبات الأميركية بوضع أعمالهم تحت أسماء أعضاء الأسرة».

وشدد نائب مساعد وزير الخارجية على دعوة جميع الشركات الأجنبية على وقف أي تعاملات مع المسؤولين السوريين المدرجين في قائمة العقوبات. وقال: «ندعو الجميع أن يحترم قانون قيصر، وقد أرسلنا رسائل قوية عبر الوسائل الدبلوماسية لأصدقائنا لوقف أي تعاملات اقتصادية مع أشخاص ومؤسسات سورية واقعة تحت العقوبات، ونري أن العقوبات أداة قوية وفعالة للضغط على النظام السوري لوقف آلة القتل الوحشية ووقف معاناة السوريين، ونراقب عن كثب أي انتهاكات لتلك العقوبات». وشدد أن واشنطن ستتحرك لمنع أي تدفق للاستثمارات إلى الحكومة السورية.

وأكد رايبرن أن «السبب الرئيسي وراء معاناة السوريين طوال 9 سنوات هو الأسد، وليس العقوبات الأميركية، وأن الولايات المتحدة تستثني المساعدات الإنسانية والدوائية التي يتم إرسالهما للشعب السوري بشكل مستمر، رغم سلوك الأسد وقيامه بإنفاق ملايين الدولارات في حملة لمهاجمة الغرب، وتحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن معاناة الشعب السروي بدلاً من توجيه تلك الأموال لمساعدة شعبه».

كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت مديري مؤسستين ماليتين في سوريا وتركيا، هما فاروق حمود وعدنان محمد أمين الراوي، على قائمة العقوبات، بتهمة تقديمهما دعماً مالياً ولوجستياً لـ«تنظيم داعش».

وأوضح بيان وزارة الخزانة الأميركية، مساء الثلاثاء، أن فاروق حمود مدير شركة تواصل للتحويلات المالية في مخيم الهول، شمال سوريا، قام بتسهيل عمليات نقل الأموال لعناصر في «داعش» خارج سوريا، وقام عدنان الراوي بتقديم دعم مالي وتكنولوجي وخدمات للتنظيم. وقال وزير الخزانة الأميركي إن تلك الخطوة تأتي في إطار التزام إدارة ترمب بملاحقة التنظيم، وتعطيل كل الأنشطة والشبكات المالية الداعمة للتنظيم. وعلّق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عبر «تويتر» قائلاً إن الولايات المتحدة تواصل ملاحقة شبكات الدعم المالي لـ«داعش»، مشيداً بخطوة إدراج كل من حمود والراوي على قائمة الإرهاب، وشدد على مواصلة العمل مع التحالف الدولي لتقييد قدرة «داعش» على توليد وتحويل الأموال حول العالم لدعم عملياته.

على صعيد آخر، بحث الرئيس السوري بشار الأسد والمبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، التحضيرات الجارية لعقد اجتماع لجنة مناقشة الدستور في جنيف الشهر المقبل.

وتناول الجانبان «ضرورة عمل مختلف الأطراف الدولية لتوفير الأجواء المناسبة لقيام اللجنة بعملها، وفق المبدأ الذي شُكلت على أساسه، ألا وهو قيادة وملكية سورية، ودون أي ضغوط للتأثير على سير عملها».

وبحسب صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للرئاسة السورية، أكد الجانبان خلال اللقاء «عزمهما مواصلة وتكثيف العمل المشترك ومتابعة تطوير العلاقات الثنائية، وبذل الجهود للتوصل إلى حلول للمصاعب الناتجة عن سياسات بعض الدول الغربية ضد سوريا، والتخفيف من آثار العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري ومساعدته في مواجهة نتائج هذه العقوبات، بما في ذلك التصدي لجائحة كورونا».

وتضم اللجنة الدستورية 150 عضواً، مقسمين بالتساوي بين المعارضة والنظام ومنظمات المجتمع المدني، وتعمل على إعادة صياغة الدستور السوري.

وكان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، قال الخميس الماضي، إن الجلسة الثالثة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية ستنعقد في جنيف 24 أغسطس (آب) المقبل.

وتعد زيارة المبعوث الروسي إلى سوريا هي الثانية هذا العام، فقد زار دمشق نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي الزيارة السابعة إلى العاصمة السورية.