التاريخ: أيار ٢٤, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
حظر أعمال فنية «سياسية» يثير جدلاً في الجزائر
الجزائر: بوعلام غمراسة
أثار حظر بعض الأعمال الفنية في رمضان بسبب «مضامينها السياسية» حفيظة عدد من الحقوقيين في الجزائر، واعتبروا ذلك «تدخلاً من السلطات في الإبداع الفني، وتقليصاً في هامش الحريات» الذي زاد في نظرهم بعد اندلاع الحراك الشعبي، وخصوصاً خلال أزمة «كورونا» المستجد.

وكان الداعية المعروف الشيخ شمس الدين بوروبي، قد رفض تقديم اعتذار عن رأي قدمه بخصوص عدم إخراج زكاة الفطر في بداية شهر رمضان: «وإلا ستكون صدقة، وبالتالي وجب إخراجها مرة ثانية»، حسبه. وجاء هذا الموقف بعد أن دعت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الصائمين إلى إخراج الزكاة قبل موعدها، وذلك في إطار التضامن مع المتضررين اقتصادياً من جائحة «كورونا». وقد انتقد الوزير يوسف بلمهدي الداعية شمس الدين الذي قدم رأيه في برنامج تلفزيوني بثته قناة «النهار»، وطلب منه أن «يخفي رأيه في صدره».

وقبل هاتين الحادثتين، كانت «سلطة ضبط السمعي البصري»، وهي هيئة تراقب نشاط الفضائيات في الجزائر، قد وبخت مسؤولي قناة «الجزائرية وان» الخاصة، بسبب «الاعتداء على معتقدات المجتمع» في برنامج ساخر بثته خلال رمضان، وقدم مديرها اعتذاره، وألغى البرنامج بطلب من السلطات، وأكد أن القناة «تحترم المجتمع الذي تنتمي إليه، ولم تكن تقصد الإساءة له»، بحسب بيان لـ«السلطة».

كما اضطرت قناة «الشروق» إلى وقف بث مسلسل فكاهي في الأسبوع الأول من رمضان، بسبب مشهد يتناول بتهكم وديعة من 150 مليون دولار وضعتها الجزائر في البنك المركزي التونسي، وتم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الجزائر مطلع العام الجاري. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد تناول هذه القضية في مؤتمر صحافي، وقال إنه يرفض «إثارة أزمات دبلوماسية مع دول شقيقة».

لكن بحسب بعض المراقبين، فإن هناك سبباً آخر لوقف بث العمل الساخر، يتمثل في التهكم على من انتخبوا في الاقتراع الرئاسي الذي نُظم نهاية العام الماضي، والإشارة إليهم بـ«بوصبع لزرق»، أي الذين انتخبوا وبصموا بالحبر الانتخابي الأزرق. كما مُنعت القناة نفسها قبل أيام قليلة من رمضان من عرض سلسلة فكاهية شهيرة، تعود عليها الجزائريون في الأعوام الماضية، عنوانها «دقيوس ومقيوس»، لأسباب لم تعلن عنها السلطات. وأكد المشرفون على العمل الفني أنه خالٍ من أي انتقادات للسلطة السياسية الجديدة التي تتعامل بحدة شديدة مع أي نقد يوجه لها.

وعلى صعيد متصل، بث شاب جزائري أمس صور فيديو، أبدى فيها مخاوفه من دخول السجن بعد استدعائه من طرف الشرطة للتحقيق معه حول «تخريب رسوم جدارية فنية»، اعتبرها المعني «ترويجاً للماسونية». وجاء ذلك بعد منع عدة أعمال فنية خلال شهر رمضان، بسبب ما تضمنته من انتقادات ضمنية للسلطات.

الشاب فيصل الذي استدعته الشرطة لم يكن معروفاً، لولا أنه صور نفسه قبل أسبوع، وهو يمسح جدارية فنية مشهورة بملعب لكرة القدم بحي بالعاصمة، عبر طلائها باللون الأبيض لإخفائها. وكان الشاب مرفوقاً بشخص آخر، بررا هذا العمل بكون «الجدارية طافحة برموز الماسونية»، وعلى هذا الأساس كان يجب – حسبهما - التخلص منها. وتناقل ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي الصور التي تحولت في ظرف أيام إلى «قضية رأي عام»، وانقسم المتفاعلون معها بين مؤيد ورافض لمعاقبة الشاب؛ خصوصاً بعد أن تنقل وزير الشباب والرياضة إلى الملعب رفقة رئيس بلدية الجزائر الوسطى، وعبَّر عن استيائه من «الاعتداء على عمل فني، أنجزه رسامون موهوبون بالعاصمة»؛ لكن فيصل قال في تبرير فعلته بأن ما قام به كان أخذاً برأي رجل دين لم يذكر اسمه، بينما أكدت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن بلدية الجزائر الوسطى رفعت دعوى قضائية ضد الشاب؛ لأنها الجهة التي موَّلت عدة أعمال فنية، ومنها الرسوم الجدارية، وذلك في إطار مشروع كبير يهدف إلى تزيين بنايات العاصمة وشوارعها، غير أن بعض الحقوقيين طالبوا بحوار مع الشباب «الذين يحملون أفكاراً خاطئة عن الفنون، بدل معالجة القضية أمنياً وقضائياً».

تحفظات عن «النظام الرئاسي المغلق» في وثيقة الدستور الجزائري
مطالب بتخلي الجيش عن التدخل في السلطة المدنية


واجهت الرئاسة الجزائرية انتقادات شديدة بخصوص مسودة الدستور، التي طرحتها للنقاش منذ السابع من مايو (أيار) الحالي، قد تدفعها إلى مراجعتها جذرياً. ومن أهم المآخذ «المكانة الطاغية للجيش في المجتمع ومؤسسات الدولة»، والتي نصت عليها كل دساتير البلاد منذ الاستقلال، زيادة على احتفاظ رئيس الجمهورية فيها بكل الصلاحيات تقريباً، بينما كان يرتقب أن يتنازل عن كثير منها لهيئات عدة، خاصة البرلمان.

وأكثر ما أثار الجدل في وثيقة الدستور مسألة «مشاركة الجيش في عمليات حفظ السلام في الخارج»، حيث رأى عدد من المراقبين في ذلك، «مسعى من الجزائر للبحث عن دور دولي لا يمكن أن تناله إلا بفضل خبرة جيشها الطويلة في مجال محاربة الإرهاب».

في هذا السياق، أكد خالد شبلي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عنابة (شرق)، أن مسودة الدستور «تحدث تغييراً في عقيدة الجيش. فهي دفاعية منذ الاستقلال، تقوم على مبدأ حماية التراب الوطني واستقلال البلاد وحماية سيادتها. أما التعديلات التي تقترحها الرئاسة فتجعل منها عقيدة تدخلية، مع ما يحمله ذلك من احتمال أن تخدم أجندات دول كبرى في الأزمات الدولية». وطرحت «قضية تدخل الجيش خارج حدود البلاد»، في بداية الأزمة الليبية عام 2011، خاصة مع تدفق السلاح بشكل لافت على الحدود وتسلل مقاتلين، بحسب ما كانت تنقله بيانات وزارة الدفاع. وقد رفضت القيادة السياسية، آنذاك، قيام الجيش بعمليات عسكرية داخل التراب الليبي. وعاد الموضوع ليطرح بحدة خلال الحرب الجارية في الجارة الشرقية.

وينظر محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية، لما جاء في وثيقة الدستور من زاوية أخرى، حيث كتب في حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي «لا يمكننا الحديث عن الاتجاه نحو إقامة جمهورية جديدة، إلا مع بداية انسحاب القيادة العسكرية من الساحة السياسة. وسيكون من العلامات الأولى على ذلك تجديد قيادات الجيش الحالية، طبقاً لقانون الخدمة العسكري، إضافة إلى تعيين وزير للدفاع الوطني، الذي من المفروض أن يكون مدنياً». وأكد هناد أن «الجمهورية الجديدة»، شعار السلطة الجديدة التي استخلفت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «لا يمكن أن تتحقق فعلاً ما لم يرجع القادة العسكريون إلى دورهم الأصلي ويتقيدوا به، وهو أمر لا يحتمل أي خلط. وحتى إن ظل هؤلاء يؤكدون عدم تدخل الجيش الجزائري في السياسة، وانصرافه إلى المزيد من الاحترافية، فإنه لم يحدث أي شيء لحد الآن إلا بإرادتهم، ووفق رؤيتهم، لدرجة أنهم اعتبروا نجاح الحراك الشعبي ذاته كان بفضلهم. وعليه، فإنه من الصعب علينا التسليم بأنهم يستطيعون التخلي عن خريطة طريق هم واضعوها». أما بخصوص ما أطلق عليه مراقبون «نظام رئاسي مغلق»، تضمنته وثيقة الدستوري، فقد كان هو الآخر محل انتقاد شديد من طرف المعارضة، وبعض الفاعلين غير المتحزبين، ممن عرضت عليهم الرئاسة المشروع بغرض إبداء الرأي. ومن بينهم الباحث في التاريخ ومناضل القضية الأمازيغية، محمد ارزقي فراد، الذي قال في رسالته للرئاسة مبديا رأيه في مشروعها «ما زالت وثيقة تعديل الدستور المقترحة تكرّس هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وعلى السلطة القضائية، ولا تلزم الرئيس باحترام الأغلبية البرلمانية في تعيين الحكومة، وهذا ما يعني أن مبدأ التداول على السلطة غير وارد».