التاريخ: نيسان ٩, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
«المماطلة السياسية» تغذّي ضجر العراقيين
تأييد سنّي وكردي للكاظمي بعد توافق شيعي غير معلن
بغداد: فاضل النشمي
يسيطر ضجر «مزدوج» هذه الأيام على قطاعات واسعة من العراقيين المعزولين في منازلهم خوفاً من جائحة «كورونا» وما تمثله من مخاطر صحية جدية، بعدما وجدوا أنفسهم رهن «المماطلة» التي تبديها قوى وأحزاب في ملف اختيار خلف لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.

عملياً؛ كسبت قوى السلطة التي أفرزتها انتخابات مايو (أيار) 2018، نحو 5 أشهر إضافية للبقاء في الحكم؛ إذ قدّم عبد المهدي استقالته من رئاسة الوزراء نتيجة الضغوط والمظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما زال الرجل يحكم في ظل أزمة دستورية.

ولا يرى القاضي والخبير الدستوري رحيم العكيلي أي أساس دستوري لحكومة عبد المهدي. ويقول العكيلي إن «حكومة تصريف الأعمال اليومية هي الحكومة التي تُقال كلها وتكون مدتها لا تزيد على 30 يوماً، حسب المادة (61) من الدستور، ولقد اجتهد بعضهم ورأى أن الحكومة المستقيلة، بناءً على طلبها، مثل حكومة عبد المهدي، تقاس على حكم الحكومة المقالة التي مدتها 30 يوماً فقط». وأضاف: «ماذا بعد الثلاثين يوماً، هل تظل حكومة تصريف أعمال يومية؟ دستورياً انتهت مدة حكومة تصريف الأعمال اليومية المستقيلة، بمرور 30 يوماً من تاريخ استقالة عبد المهدي».

وعدّ العكيلي «أننا أمام حكومة لم ينص عليها الدستور ولا اسم لها فيه أو في القانون. لعل أفضل اسم لها هو (حكومة التربّص)، لأنها حكومة بانتظار الحكومة البديلة، إذا ما اعتبرنا أن أحد معاني (التربّص) في اللغة هو (الانتظار). أو (حكومة الأقنعة الزائفة)؛ لأنها ليست بمسؤوليات ولا صلاحيات».

وبعيداً عن الجدل الدستوري الذي تغيب تفاصيله عن غالبية العراقيين؛ يسود شعور شعبي بأن قوى السلطة تحاول إطالة أمد بقاء عبد المهدي، بوصفه الشخص الأمثل للحفاظ على مكاسبها. ويعزز هذا الانطباع ما يحدث منذ أشهر من مناورات في ملف تشكيل الحكومة وعمليات التكليف والفشل فيه، ما يبدو محاولة لحرق المكلفين واحداً تلو الآخر على أمل بقاء رئيس الوزراء المستقيل حتى مطلع عام 2022؛ موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.

ورغم تباين المواقف من مختلف المرشحين في الشارع العراقي، فإن كثيرين يرون أن تشكيل حكومة جديدة سيضع البلاد على سكة العمل السياسي الطبيعي، وقد يسهل إجراء الانتخابات المبكرة التي كانت على رأس مطالب المتظاهرين.

وفي مطلع فبراير (شباط) الماضي، كلّف رئيس الجمهورية برهم صالح السياسي محمد توفيق علاوي تشكيل الحكومة، وبعد أكثر من شهر باءت محاولات علاوي بالفشل وقدم اعتذاره.

وفي 19 مارس (آذار) الماضي، دخلت البلاد في دوامة تكليف جديدة، بطلها النائب عدنان الزرفي. لكن قبل نحو أسبوع من طرح وزارته على البرلمان، أحجمت غالبية القوى السياسية عن تأييده. وينتظر تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي الذي حظي بتأييد كردي وسني، أمس، بعد توافق غير معلن بين القوى الشيعية على تكليفه.

ويرى رئيس «مركز التفكير السياسي» الدكتور إحسان الشمري أن «الفشل في اختيار رئيس وزراء جديد، يعكس بمعنى من المعاني أزمة البيت السياسي الشيعي وانعدام الثقة بين مكوناته... هذا البيت مسؤول عن رئاسة الوزراء، وسبق أن أخفق في اختيار عبد المهدي الذي تراجعت البلاد في عهده».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «محاولة قوى السلطة الإبقاء على عبد المهدي في سدة الحكم، مرتبطة بالتأثير الإيراني الذي يرى أن عبد المهدي خير من يحافظ على مصالحه في العراق... ولا ننسى أيضاً أن لعبة المصالح القائمة بين القوى الشيعية والكردية والسنية هي ربما أحد أهم أسباب الفشل في اختيار رئيس وزراء جديد».

من جهة أخرى، ارتفعت الوفيات بفيروس «كورونا» في العراق، أمس، إلى 69 حالة، وفقاً لحصيلة أعلنتها وزارة الصحة والبيئة العراقية. وسجلت الوزارة 80 إصابة؛ 24 منها في محافظة النجف، ليرتفع عدد الإصابات في عموم العراق إلى 1202.
وكانت «اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية» أعلنت، مساء أول من أمس، تمديد حظر التجول الوقائي لمواجهة الفيروس إلى 18 أبريل (نيسان) الحالي. وقررت بعد اجتماع برئاسة عبد المهدي، «تقديم الدعم المالي للعوائل المتضررة من حظر التجول، وتسهيل عودة العراقيين العالقين (في الخارج) وتوفير أماكن للحجر الصحي».

تأييد سنّي وكردي للكاظمي بعد توافق شيعي غير معلن
الزرفي يصر على عرض تشكيلته أمام البرلمان العراقي رغم تراجع داعميه


بغداد: «الشرق الأوسط»
أعلن «تحالف القوى العراقية»، أكبر كتلة سُنيّة في البرلمان، تأييده للتوافق غير المعلن رسمياً بين غالبية القوى الشيعية على تكليف مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل الحكومة المقبلة، في حين لم يعلن رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي اعتذاره أو انسحابه من سباق التكليف.

وقال التحالف في بيان، أمس، إنه «يضع باهتماماته أن يكون المرشح لرئاسة الوزراء، الذي من شأنه التصويت لصالح حكومته في مجلس النواب، يحظى بقبول وتأييد من قوى المكونات السياسية المسؤولة عن الترشيح، وأن يتمتع بالقبول على المستوى الوطني، وعليه يؤكد تحالف القوى العراقية دعمه وتأييده لتوافق الكتل السياسية المعنية على ترشيح السيد مصطفى الكاظمي لرئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة».

وأشار إلى أن القوى المنخرطة فيه «تعتز بأن يكون دورها على الدوام هو إرساء السلم والحوار والتفاهم بين أبناء الشعب العراقي، ورفض الفرقة والفتن والتقاطعات السياسية، خدمة لتطلعات شعبنا، واستجابة لمطالبه المشروعة بالأمن والسلم والإصلاح».

وأكد «موقفه الثابت والداعم لاستقرار العراق والمضي نحو الخيارات الوطنية في تشكيل الحكومة ضمن السياقات الدستورية، وهو إذ يجدد تمسكه بأسس الوحدة الوطنية أمام التحديات التي تواجه بلدنا وشعبنا، فإنه يؤكد في الوقت نفسه التزامه وحدة الصف السياسي، من أجل تجاوز المرحلة الصعبة والمخاطر الجمة التي يعاني منها البلد على المستويات الصحية والأمنية والاقتصادية والسياسية».

وأعلن رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني دعمه تكليف الكاظمي. وقال في بيان، أمس، إن «بلدنا العزيز يواجه ظروفاً وتحديات صعبة، تتطلب من كل القوى والأطراف السياسية تجاوز خلافاتها والإسراع في الاتفاق على آلية تشكيل حكومة اتحادية حسب الأصول الدستورية، وعلى أساس توافق حقيقي يضمن استقرار الحكومة وتنفيذ التزاماتها، وأهمها في هذه المرحلة الوقوف أمام أخطار التحديات والأزمات المركبة التي يواجهها العراق».

وأضاف، أن «رئاسة إقليم كردستان تؤكد على إيمانها باستقرار العراق السياسي والأمني والعمل الدؤوب من أجله، وهذا يتطلب تشكيل حكومة جديدة، بدعم الجهات الوطنية كافة. ومن هذا المنطلق نرحب بترشيح السيد مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الاتحادية، من قبل القوى السياسية للمكون الشيعي، وندعو الجميع إلى دعمه للانتهاء من مهام تكليفه وتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن».

وأكد مصدر سياسي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحاولات جارية من قبل أطراف مختلفة لإقناع الزرفي بالاعتذار والانسحاب من السباق، لكنه لا يزال يرفض كل العروض ويصر على الذهاب إلى البرلمان» للتصويت على تشكيلة حكومته. غير أن المصدر استبعد إمكانية عقد البرلمان جلسة «لا سيما في ظل رفض غالبية الكتل الشيعية ذلك وانسجام أكبر تحالف سني معها؛ ما يجعل من الصعب تحقيق النصاب... كما أن الأكراد أعلنوا موقفاً مسانداً للكاظمي، وهو ما يعني أنهم لن يحضروا جلسة البرلمان في حال الدعوة لعقدها».

وعن الخيارات المتاحة في حال بقي الزرفي على موقفه الرافض للانسحاب، قال المصدر، إن «هناك خيارات أخرى يمكن اتباعها، بينها العمل على دعوة البرلمان لعقد جلسة غير كاملة النصاب أو اللجوء إلى المحكمة الاتحادية للحصول على قرار يلغي مرسوم التكليف. وعندها يكون رئيس الجمهورية ملزماً بإلغاء مرسوم تكليف الزرفي وتكليف الكاظمي بدلاً منه».

ويرى رئيس «مركز أكد للدراسات الاستراتيجية» أستاذ الأمن الوطني الدكتور حسين علاوي، أن «الكاظمي سيكون قادراً على تحييد العراق ومصالحه الوطنية عن الصراع الأميركي - الإيراني نتيجة الممارسة والعلاقات والقدرة على التفكير بإنتاج حلول من خارج الصندوق».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الكاظمي خلال توليه رئاسة جهاز المخابرات، عمل على إدارة التوازن في إطار المصالح العراقية. وفي حال إدارته مؤسسة كبرى مثل رئاسة الوزراء، فإنه سينجح فعلاً لأنه سيتعامل مع المفاتيح الأساسية في إطار هذه المسؤولية». وأضاف، أن «العراق يجب أن تكون له روح المبادرة في التخلص من آثار الصراع الأميركي - الإيراني».