التاريخ: آذار ٣٠, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
رجال الأعمال في تونس يصطدمون مع الحكومة
تونس: المنجي السعيداني
انتفض الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) في وجه حكومة إلياس الفخفاخ التي هددت باتخاذ إجراءات من جانب واحد في حال امتنعت المؤسسات الاقتصادية الكبرى عن دعم جهود الدولة في تجاوز حالة الشلل الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به تونس. ودعا سمير ماجول، رئيس مجمع رجال الأعمال، إلى رفض «أي محاولة للمساس بمبادئ الملكية الخاصة وبحرية المبادرة بأي شكل من الأشكال»، وعدم دعم أية محاولة لتحمل رجال الأعمال وحدهم العواقب الاقتصادية لأزمة فيروس «كورونا». ودافع ماجول عن المؤسسات الاقتصادية ورسم خطوطاً حمراء، وقال إن رجال الأعمال لن يقبلوا بتجاوزها، وهي ألا يتحملوا بمفردهم التكلفة الاقتصادية لتداعيات الوباء، ولن يقبلوا أيضاً بتلويح الحكومة إلى فرض إجراءات من جانب واحد، إن رفضت مؤسسات اقتصادية خاصة المساهمة في دعم جهود الدولة.

ويشغّل القطاع الخاص في تونس أكثر من مليوني شخص، ويساهم بقسط وفير في الاستثمار والتصدير والتنمية، كما يوفر الاكتفاء الذاتي في مجالات التغذية والأدوية والصحة والنظافة، وهي قطاعات تمثل أسساً مهمة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني، خاصة في مثل هذه الظروف الطارئة. وفي هذا الشأن، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن مجمع رجال الأعمال لا ينظر إلى هذه الفترة الاستثنائية بمختلف تبعاتها وتداعياتها بل ينظر بعيدا إلى ما تبقى من السنة الحالية وكيفية تعامل الحكومة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد أن أغدقت الوعود وخصصت اعتمادات ضمن الميزانية لتطويق الأزمة الحالية. وأضاف العرفاوي أن الحكومة قد تلجأ لاحقاً إلى مزيد من الضرائب على رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الاقتصادية لسد الثغرة المالية الحاصلة لديها، وهو ما يخشاه مجمع رجال الأعمال، لذا فقد استبق الأحداث لتحذير الحكومة من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب ستزيد من إثقال كاهل المؤسسات.

ووفق مراقبين يبدو أن رجال الأعمال أرادوا من خلال هذا الموقف تحديد مجال نفوذهم وآفاق تعامل الحكومة معهم ومحاولة دفعها نحو تخفيف الأعباء عنهم، والأهم من ذلك رفع سقف المطالب لجر كل الأطراف إلى إقرار إصلاحات كبرى يتحمل الجميع تبعاتها. وكان مجمع رجال الأعمال قد انتقد بشدة تكلفة القطاع العام والوظيفة العمومية على الدولة على مستوى الأجور وكذلك دعم المؤسسات الحكومية الخاسرة، وهو بذلك يدفع الحكومة نحو إعادة النظر في كيفية معالجة اختلال الموازنة بالعودة إلى مجالات صرفها المباشر المتمثل في كتلة الأجور الضخمة - نحو 15 في المائة من ميزانية الدولة - والمؤسسات العمومية.

في غضون ذلك، طالب سامي الطاهري المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بضرورة إلغاء تراخيص التنقل للفلاحين وتجار المنتجات الغذائية لمجابهة الاحتكار ونقص المواد خلال هذه الفترة. كما دعا إلى ضرورة تمديد فترة فتح أسواق البيع بالجملة وفتح الأسواق الأسبوعية التي تم تحجير تنظيمها منذ منتصف الشهر الحالي مع تمكين البلديات والهياكل الصحية والتجارية المختصة من الإشراف عليها.

وتتزامن هذه الدعوة مع موقف مجمع رجال الأعمال الداعي إلى عدم تحميلهم أعباء الفترة الاستثنائية الحالية، وهو ما جعل متابعين للشأن السياسي في تونس يتوقعون انتفاضة مشتركة من اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة، في حال فشلت الحكومة في السيطرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خاصة إثر انقشاع الوباء وظهور فاتورة الشلل الذي ضرب تونس وبقية دول العالم.

وكانت الحكومة قد أعلنت تخصيص مبلغ 2500 مليون دينار تونسي (نحو 833 مليون دولار) من ميزانية الدولة لتوفير النفقات المختلفة التي ستترتب عن تفشي فيروس «كورونا» أبرزها نفقات القطاع الصحي ونفقات مساعدة المؤسسات الاقتصادية المتضررة من الحظر الصحي الشامل إلى جانب النفقات الاجتماعية الموجهة للفئات الأكثر تضررا، غير أنها لم تعلن عن مصادر تمويل هذه النفقات والحال أن ميزانية الدولة في حاجة لنحو 11 مليار دينار تونسي (نحو 3.9 مليار دولار) من القروض الداخلية والخارجية خلال السنة المالية الحالية.

برلمان تونس يرفض منح «تفويض مطلق» لرئيس الحكومة
أحزاب اتهمت الفخفاخ بمحاولة استغلال الظروف الاستثنائية لتوسيع صلاحياته الدستورية

الأحد 29 مارس 2020 
تونس: المنجي السعيداني

عقدت لجنة النظام الداخلي بالبرلمان التونسي، أمس، أول اجتماع لها «عن بعد» مع ممثلي رئاسة الحكومة، للنظر في مشروع التفويض لرئيس لحكومة، ومنحه حق إصدار مراسيم حكومية مستعجلة، دون مصادقة البرلمان التونسي.

وضم الوفد الحكومي وزراء العدل والمالية والصحة والشؤون الاجتماعية، وأملاك الدولة، ووزير العلاقة مع البرلمان، علاوة على المستشار القانوني لرئاسة الحكومة. وخلال المناقشات، استمع أعضاء اللجنة إلى رأي خبيرين في القضايا القانونية والدستورية حول محتوى الفصل (70) من الدستور الذي اعتمدت عليه الحكومة، بصفتها الجهة التي بادرت لاستعجال التفويض لها بإدارة الشأن العام بطريقة مختلفة عن الظروف التي تسير بها القضايا الأمنية والصحية في الظروف العادية.

وأعلنت هذه اللجنة رفضها منح «تفويض مطلق» لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، قصد إصدار مراسيم خلال هذه الفترة تهم جميع القرارات الحكومية، وأكدت خلال اجتماعها الذي تواصل عن بعد لليوم الثاني على التوالي أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس «تقتضي إسناد تفويض إلى رئيس الحكومة لإصدار بعض المراسيم لضمان سرعة ونجاعة اتخاذ الإجراءات اللازمة، غير أن هذا التفويض يجب ألا يكون بصفة مطلقة، وفي كل المجالات»، مثلما تضمنه مشروع القانون الذي قدمته الحكومة وعرضته على البرلمان، مشيرة إلى أن أغلب المجالات المذكورة في المشروع «لا علاقة لها بفيروس (كورونا) المستجد، وما يتطلبه من إجراءات مستعجلة».

واقترح أعضاء اللجنة ضرورة تقليص هذه المجالات، والاقتصار فقط على تلك التي ترتبط مباشرة بمواجهة فيروس «كورونا»، كالمجال الصحي والأمني والاجتماعي والبيئي.

وتضمن مشروع القانون، المعروض بصفة عاجلة على لجنة النظام الداخلي بالبرلمان، التفويض لرئيس الحكومة لإصدار مراسيم لمدة شهرين، تشمل مجموعة من المجالات التي يتضمنها الفصل (65) من الدستور، لغرض مجابهة تداعيات انتشار وتفشي فيروس كورونا، وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية للدولة، وضمان سرعة استجابة قصوى من السلطة التنفيذية، لتمكينها من اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية، ومجاراة تداعيات الوضع الصحي والاجتماعي الذي يتطوّر من يوم إلى آخر.
ويمكن الفصل (70) من الدستور رئيس الحكومة من إصدار مراسيم حكومية دون الرجوع الإجباري إلى سلطة البرلمان، وهو ما أثار حفيظة عدد من ممثلي الأحزاب السياسية التي اتهمت الرئيس الفخفاخ بـ«السعي لاستغلال الظروف الاستثنائية من أجل توسيع دائرة صلاحياته الدستورية، على حساب بقية السلطات»، خاصة سلطة رئيس البرلمان في مراقبة عمل الحكومة، ورئيس الجمهورية في المحافظة على الأمن القومي بصفته القائد الأعلى للجيوش.

وفي السياق ذاته، وجه رئيس الحكومة بياناً إلى الوزراء ووزراء الدولة والولاة ورؤساء البلديات، دعاهم فيه إلى ضرورة التنسيق مع السلطة المركزية قبل اتخاذ أي تدابير أو إجراءات، وذلك في إطار الوقاية من خطر تفشي فيروس كورونا، مشدداً على عدم اتخاذ تدابير خارج إطار الإجراءات والقرارات التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة، في إشارة إلى ضرورة العودة إلى السلطة المركزية عند اتخاذ قرارات على المستويين المحلي والجهوي.

وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، قد انتقد بدوره لجوء عدد من الولاة (أعلى سلطة حكومية في الجهة) إلى إقرار حظر الدخول إلى مدن الولاية (المحافظة) دون الرجوع إلى السلطات المركزية، في حين عد عدد منهم أن الخطر الداهم على المنطقة، وتقييمهم للوضع الصحي هناك، هو الذي أجبرهم على الإسراع باتخاذ تلك القرارات.

وسبق أن أبدى الصحبي عتيق، القيادي بحركة النهضة (إسلامية)، معارضته الشديدة لهذا الطلب، وعد أنه يمس بـ«طبيعة النظام السياسي في البلاد التي ينص عليها الدستور»، أي «نظام برلماني معدل، تكون فيه السلطة التشريعية صاحبة الكلمة الفصل في المصادقة على تركيبة الحكومة، وفي مراقبتها في كل المراحل».

وفي المقابل، دعم نوفل سعيد، خبير القانون الدستوري، مطلب رئيس الحكومة، وعد أن تمكينه من تفويض البرلمان بإصدار مراسيم وقوانين لمدة لا تتجاوز شهرين «لا يعني تغييراً في طبيعة النظام السياسي، أو حداً من صلاحيات البرلمان ورئاسته، بل دعماً لنجاعة مؤسسات الدولة». كما دعم هذا الموقف الأكاديمي الخبير الدولي في الدراسات القانونية هيكل بن محفوظ، والمدير العام السابق لمعهد الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي. لكن بعض النواب من كتل وتيارات كثيرة، بينهم يسري الدالي الخبير الأمني البرلماني عن كتلة «ائتلاف الكرامة»، عبروا عن تخوفاتهم من سيناريو «تضخم دور السلطة التنفيذية على حساب البرلمان».